هوَ يروي :
يومٌ آخر انتصف نهاره، فنشرت الشمسُ أشعتها الحارة والحارقة للغاية تلسع كل ما تتسلط فوقه، سماءٌ زرقاء صفت من الغيوم عدا بضع وحيدة تفرقت بيضائها بين أزرقٍ و اخر...
أخضر المروج على يميني و شمالي تشعشع بريقا صافٍ أفعم بالحياة، و تحتي اسفلت بهت سواده مع مرورِ العقود فأمسى رمادي فاتح باهت اكتسته غبرة تراكمت مع مرور الزمن فتخلل بهوته شقارها الفاتح، و كما لو كان بخارًا شفافا تصاعد من الاسفلت اللاسع الحرارة مكونا سرابًا يهتزّ شمالا ويمينا كما الحال مع الشمس المستديرة التي زينت زرقة السماء، كيف لا و هو شهر أغسطس
أزيزٌ خفيف أصدرته عجلات دراجة هوائية إثر احتكاك مطاطها باسفلت الطريق و كلاهما يغلي حرا، أمتطي تلك الدراجة الهوائية صفراء اللون في ذاك الطريقِ الخالي، فهو قديمٌ لا تمر به سوى بضع سيارة كل فترة، علّ هذا سبب عشقي للمرور منه فلا أضطر للانتباه لما حولي كثيرًا وأتلذذ بتلك الألحانِ العذبة التي تصدر من سماعات أذني خضراء اللون المتصلة بهاتفي الكحلي الذي استراح في السلة الأمامية قرب كيس به علبتا كولا و بالطبع أرفع مستوى الصوت لأقصاه تقريبا فلا أسمع حولي بوضوح و ليس و كأنني أهتم
أربت بسبابتي على مقبضِ المقود تارةً و أدندن بلحنِ الأغنية تارةً اخرى، و ها أنا عائد من دروسِ التقوية الصيفية كما العادة، ليس و كأنني فعلا أحتاج إليها، لأصدق القول فلديّ سببٌ واحد يدفعني لأخذها عمدا، لسلكِ هذا الطريق بالذات، و التوقف عند حقل عباد الشمس يساري بالذات
و ها أنا أمر به، حقلُ عباد الشمس الموعود، ها هو يحجب الأفق المستدير يساري و يكتسي المنظر بدل ذاك السهلِ الفسيح، ركنت دراجتي يسار الطريق و أنزلت سندها الحديدي، خلعت سماعات الأذن دون أن ابه بإطفاءِ الموسيقى فأنا أكسل من ذلك و أكثر استعجالا، انتشلت الكيس البلاستيكي ناصع البياض و وقفت أحدق بظهرها شاردًا به لوهلة، حسنا هي لم تكن وهلة... من ستكفيه وهلة من التحديق بهذا الشعرِ الأصفر الذهبي كأوراقِ عباد الشمس، تلك الأذرع السمراء التي تعدت الحنطية بدرجة أو أقل ربما ؟، و ذلك الفستان الأخضر الغني كما ساق عباد الشمس... نعم، هي تعطيني ظهرها، تشبك ذراعيها إلى الخلف و النسيم اللطيف يجيء بشعرها و يذهب به مرارا ببطء و سلاسة، لستُ أعرف اسمها، لكني بالتاكيد أعرف أني هنا من أجلها.. و كما اعتدت تسميتها... فتاة عباد الشمس !، كدت أخطو خطوةً إلى الداخل إلى أن استوقفتني تلك المزهريةُ الصغيرة داخلا زهرة صفراء متوسطة الحجم... هززت كتفي أعلى و أسفل غير آبه بها و تقدمت خطوتان ثم هتفت
- أوي !هيَ تروي : يومٌ صيفي شديدُ الحرارة قد جاء و انتصفت به الظهيرة، النسيمُ العليل يلفح جسدي و يتخلل فستاني الخفيف الفضفاض ينعشني بطريقةٍ أو بأخرى، أقف هنا ككل يوم أطالع عباد الشمس أو هكذا يظن هو !، زهرةُ البنفسج خاصتي !، أتساءل هل سياتي اليوم ربما ؟، أتمنى أن يتحدث معي هذه المرة !، سئمت انتظاره و هو يختلس النظر إلي كل يوم !، حسمت امري.. سأحدثه إن لم يحدثني !، إما اليوم و إما أبدا أجل !، و ها هو يأتي على ذكره يا إلهي !!، هذا بالتاكيد صوت شحيح مكابح دراجته الهوائية... حسنا لننتظر... مرت دقائق انتظرته أن يبادر أولا.. لكن لايبدو أنه سيفعل.. قلت أني سأبدا لكن تبا هذا محرج.. أنا متوترة من التنفس بأريحية فما بالك في الحديث !
- أوي !
قالها صوته الصبياني المبحوح،لقد هتف بها !، لكن أهي من أجلي يا ترى ؟، لم ألتفت له خوفا من أن أكون لست المقصودة و كم سيكون ذلك محرجا !، لكنه كرر مرةً أخرى و أتبعها بجملة
- أوي !، يا فتاة عباد الشمس !
أيقصدني بذلك ؟، أظن أن علي أن ألتفت ؟، ربما !
التفت إليه و ابتسامة حاولت جعلها مرتاحه وعذبة قدر الإمكان لكن أظنني فشلت !، و ها أنا ألمحه بوضوح أخيرا، بشرةٌ سمراء حنطية، وجه امتزج بين الرجولةِ و الطفولية لكن وسيم للغاية !، عيناه البنفسجيتان كزهرةِ البنفسج، و شعره البني الفاتح الذي تغمق بشرته بدرجات عشر و ربما أكثر، هو متوسط الطول فلا هو قصير و لا هو فارع الطول، جسده نحيل لكن بأكتاف عريضة هو أوسم مما اعتقدت بمراحل !
+ كنت أنتظرك لتبادر بمحادثة منذ وقتٍ ليس بقصير...
خرجت تلك الجملة من بيت شفتاي دونما وعي مني فارتبكت اكثر... ماذا سيفكر عني الآن يا ترى ؟
ابتسم لي بلطف وفرك مؤخرة رأسه عابثا بشعراته التي أكاد أجزم أنها ناعمة كما الحرير فردّ علي بخفوت قليل
- منذ متى تم اكتشاف أمري ؟
قهقهت له بخفة مجيبة بدوري
+ منذ البداية يا زهرة البنفسج.. منذ البداية !
أنت تقرأ
SUNFLOWER || عباد الشمس
Romanceفي ذلك الحقل الفسيح الذي ملئ بعباد الشمس. يسار ذلك الطريق القديم الذي بهت سواده فامسى رماديا، اكتسته غبيرات مكسبته شقارا خفيفا هناك حيث زهرتي ذات الشعر الاشقر والبشرة السمراء، فستانها الاخضر يجيء ويذهب مع الرياح كما خصلات شعرها الناعمة انها فتاة عبا...