أنطلق خالد معهم و خلفه باقي أفراد قبيلة الجن
شعر بهم يحتفون به و يستقبلونه استقبال الأبطال
حين يلتفت حوله يراهم يزدادون عدداً
الذين يستطيعون التشكل بأشكال قريبة من أشكال البشر هم القريبون منه أما اللذين تنقصهم الخبرة و المهارة فهم في الصفوف الخلفية
و يستطيع أيضاً أن يرى بعض الأشكال المرعبة و الأعين المتوهجة لكنه و بعد طمأنة ملك القبيلة له وجد نفسه أكثر ثقةً
ساروا جميعاً و هو ممسك بيد الطفلة حتى إذا وصلوا إلى جبل عظيم التفوا حوله ليراه خالد من الجهة الأخرى قصراً منيفاً...
رحبوا بخالد كثيراً و أجلسوه في صدر المجلس عن يسار ملك القبيلة, جوار خالد جلست الطفلة و كان على يسار الشيخ شقيقه "هيدبا" و يليه "طارخ"
مجلسٌ كبير امتلأ بالجن المتشكلين على هيئات بشر
أما المجلس المقابل فقد جلس فيه أنصاف البشر!!
دارت أقداح القهوة على الحضور, تذوقها خالد ليجدها من ألذ ما ذاقه يوماً
دار الحديث بين خالد و ملك الجن و "هيدبا" .. أحياناً يتدخل الفتى "طارخ" فبدا ذا عقلٍ راجح يسبق سنه بكثير عكس ما توقع خالد
قال الشيخ: يا خالد!! سأخبرك الآن سبب استضافتنا لك و استقبالك في عالمنا
نحن يا خالد من قبائل الجن المسلمة و هناك حرب دائرة بيننا و بين قبيلة أخرى من الجن و هذه القبيلة لا تدين بالإسلام, فهم من عبدة النار و قد جعلنا بيننا و بينهم منطقة عازلة و حدوداً يراقبها مجموعة من خيرة شباب القبيلة و في مقدمتهم قائدهم "طارخ"
في بعض الأحيان تغير علينا تلك القبيلة فيتصدى لها "طارخ" و الذين معه حتى يلتحق بهم باقي أفراد القبيلة
و بين حدود قبيلتنا و حدود القبيلة الأخرى هناك منطقة عازلة نستطيع بلوغها لكن بحذر !! فهم لا يؤمن جانبهم
في تلك الليلة ابتعدت ابنتي"زيزفونة" كثيراً عن حدود قبيلتنا
و المشكلة أن عيناً من تلك القبيلة رصدت تحركاتها فأوصلت الخبر إلى ملك تلك القبيلة لينطلق في إثرها و معه الكثير من أتباعه ناوٍ اختطافها
و من فضل الله استشعرت "زيزفونة" الخطر و حاولت العودة قبل أن يظفروا بها
طارت "زيزفونة" في محاولة منها الوصول إلى حدود القبيلة حيث يستطيع "طارخ" حمايتها!!!
نظر خالد إلى الطفلة" زيزفونة" قبل أن ينقل بصره إلى الشيخ و هو يسأل بدهشة: و هل تطير "زيزفونة"؟
أجاب الشيخ بابتسامة: نعم يا خالد, منا نحن معشر الجن من يطير و منا من يمشي و هناك أيضاً من يعيش في الماء كالسمك
نظر خالد إلى طارخ و هو يسأل: و هل تطير أنت يا "طارخ"؟
أجاب "طارخ": نعم يا خالد فأنا أيضاً من عائلة الملوك و طبعاً أفضل الجن هو الجن الطائر
أعتدل خالد في جلسته و نظر إلى "زيزفونة" المبتسمة و هو يمسح على شعرها لتغمض عينيها في سكون آسر
عاد الشيخ يتابع كلامه: حين طارت" زيزفونة" في محاولة منها النجاة أجبرتها أضواء سيارتك على أن تتشكل بسرعة إلى أي صورة فلم تجد إلا أن تتشكل بصورة طفلة حتى لا تُرعِبك
و قد أدركوها على مشارف سيارتك حتى قبل أن نعلم بما يجري
حين أوقفت سيارتك و حملت زيزفونة صار من الصعب عليهم الاقتراب أتدري لماذا؟
أجاب خالد باستغراب: لماذا؟!!
قال الشيخ: لأنك و قبل بداية رحلتك قرأت دعاء السفر فجعل الله لك حافظاً من عنده يمنعهم عنك
استرسل الشيخ في كلامه قائلاً: وصلنا الخبر من طارخ بأن زيزفونة في يد إنسي مما جعلنا نغتم كثيراً فانطلق أهل القبيلة في إثرك لأننا خفنا أن يكون ساحراً من الأنس قد تمكن منها
أول من وصل إليك كان"طارخ" ناوياً الهجوم و القضاء عليك لكنك كنت في حفظ الله فوقف طارخ حائراً
قرر أن يخلصها رغم أمكانية احتراقه للأبد و لأنك في حفظ الله ,فلن يستطيع أن يلمس منك شعرة , غير إن زيزفونة شرحت له الموقف بلغة لا تعيها أنت و أخبرته بأن الموت قادم و أبن ملك القبيلة الأخرى في إثرها
أخذ"طارخ" "زيزفونة" منك و قد أدركهم فرسان القبيلة الأخرى في نفس المكان الذي كنتَ تقف فيه
كانوا ينتظرون ابتعادك فقط فلن يستطيعوا العبور مادمت واقفاً
وحين اختفى "طارخ و زيزفونة" في الظلام شرعا أجنحتهما و طارا مبتعدين
في هذه الأثناء كنت أنت ساكن تفكر مما منحهما الوقت الكافي للابتعاد عن الخطر, فتقابل طارخ مع باقي أفراد القبيلة و قد تجمعوا فأرسل "زيزفونة" مع أحدهم و عاد مع باقي الفرسان لصد الهجوم فوجدوك و قد أسندت رأسك بمقود سيارتك ساكنا
قال خالد: نعم فقد كنت أفكر في "زيزفونة" و جمالها الطفولي و رائحتها العبقة, لأنني حين قبلتها
قاطعه الشيخ هازاً رأسه و هو يقول: نعم.. بلغنا يا خالد أنك كنت تقبل زيزفونة في سيارتك...
أجاب خالد باسماً: لا بد انه "طارخ" أنت من أخبرهم يا طارخ أليس كذلك؟
أجاب "طارخ" بغلظة: نعم أنا من أخبرهم , هل هناك ما يمنع؟
لم يجب خالد بل اكتفى بالنظر إلى "زيزفونة" و هو يسأل باسماً: تطيرين أيضاً؟ و ماذا بعد؟
لم تجبه" زيزفونة" بل ابتسمت و هي تشيح بوجهها عنه بهدوء و خجل؟؟؟
قال خالد و هو موجهاً كلامه إلى الشيخ: و ماذا حدث بعد ذلك أيها الملك؟!!
قالت "زيزفونة" و هي تلكز خالد : أيها الملك؟ ثم ضحكت
رد عليها خالد قائلاً: حسبتك لا تحبين الكلام
ضحك الملك و هو يقول: اللحظات التي كنت مسنداً فيها رأسك بمقود السيارة كانت كانت كافية لفرساننا بأن يشكلوا صفوفهم و يقدروا عدد العدو و تشكيلاتهم و لم يكن سيتسنى لنا تجاوزك و معرفة وضعهم لولا أن كنا من المسلمين خاصةً أننا لم نكن ننوي أذيتك فدعاء السفر الذي قرأته قبل أن تبدأ رحلتك لم يحمك بفضل الله من السوء فقط بل كان سلاح معنا و كأنك في صفوفنا
صمت الشيخ قليلاً قبل أن يقول: هل تذكر يا خالد تلك الحجارة التي انهمرت على سيارتك؟!!
اتسعت عينا خالد و هو ينتظر الإجابة فقد كان يظنها من أبناء البدو
تابع الشيخ كلامه قائلاً: لقد لاحظ أحد فرساننا أن في سيارتك الكثير من أشرطة الغناء و المعازف فخشينا أن تدير آلة التسجيل فينطلق منها صوت الموسيقى و كما تعلم فإن المعازف من المحرمات
و لو حدث ذلك لكانت فرصة للقبيلة الأخرى بأن تؤذيك
فكيف ترجو الحفظ من الله و أنت تصدح بالأغاني و في قلب الظلام؟
وهذا يا خالد ما جعل فرساننا يرمون على سيارتك بعض الحجارة علك تنطلق مبتعداً في حفظ الله و هذا ما حدث بالفعل
و بمجرد ابتعادك اندلعت حرب طاحنة كانت الغلبة فيها لنا و كان الفضل لله ثم لك بقراءة دعاء السفر و بذلك تكون قد ساعدتنا مرتين
مرة بإنقاذك "زيزفونة" و مرة بمنحنا فرصة معرفة تشكيلة العدو و معرفة عدته و عتاده
قال خالد مبتسماً: حماها الله من كل شر
نظر إليها فرآها تبتسم , انحنى خالد و طبع قبلة حانية على خد الطفلة ليطلق "طارخ" زمجرة خفيفة جعلت خالد ينظر إليه بتعجب و يرجع ليطبع قبلة ثانيه على خذ الطفلة الآخر قبل أن يستطرد موجهاً سؤاله إلى الشيخ: لكن ما قصة المجنون المربوط إلى الشجرة و الشاة المسلسلة إلى قدمه؟
رفع خالد رأسه ليلاحظ نظرات قاسية موجهه إليه من كل من في المجلس و لاحظ أن "طارخ" يغلي غضباً لكنه أطمأن حين سمع ضحكة الشيخ و هو يقول: ذلك الذي رأيته ليس مجنوناً يا خالد, لو عرفت من هو لتعجبت!!! انه
دعونا نترك ذلك للجزء القادم
ترى ما قصة ذلك الرجل؟
و لماذا غضب "طارخ"؟
و ما الذي فعله خالد ليستحق تلك النظرات؟انتظروا ضيافة الجن لنعرف ماذا سيحدث أيضاً