ريفيّة طموحة

77 7 7
                                    


" أليسيا ، إستيقظي أيّتها الكسول ! إنّها السّادسة صباحا ! لقد إنقضى النّهار و أنت لازلت نائمة هنا . لن أكرّر ما قلته مرّة أخرى لذا إنهضي فآلاف الأعمال تنتظرنا "

صاحت روز بهذا الكلام بينما كانت تحاول إنتزاع غطاء السّرير الذي تشبثت به إبنتها كما يتشبّث الغريق بطوق النجّاة .

لم تنم أليسيا البارحة سوى لأربع ساعات فقد إمضت اللّيل كلّه في الاحتفال مع صديقاتها بمناسبة نجاحهنّ في الاختبار النّهائيّ .
إتمام المرحلة الثّانويّة في بلدتهم يعتبر إنجازا عظيما ، خاصّة بالنسبة للفتيات ، لذا لم أيّ جهد في مشاركة فرحتهنّ مع الجميع .

تذمّرت الشّابة طويلا ثمّ نهضت مكرهة نحو الحمّام من أجل الاغتسال ، لتنزل بعدها إلى المطبخ حيث وجدت الجميع متحلّقا حول طاولة الفطور .

ألقت التحيّة الصباحيّة ،ثمّ إتّخذت مقعدها المعتاد  المقابل لواادها ، الذي كان يرمقها بنظرة مريبة منذ قدومها .
خيّم الصمت على المكان لأوّل مرّة منذ سنين ، فلم تخلُ جلساتهم الصباحيّة من قبل من الأحاديث و النّكات  .

حمحم الأب لينتبه له الجميع ، ثمّ وجّه كلامه نحو أليسيا : " حسنا ابنتي ، ها قد حصلتِ على شهادة ختم التعليم الثانوي . و الآن ، مالذي تنوين فعله ؟ "

تركت ملعقتها فورا و وجّهت نظرة سريعة لأمّها و أختها ثمّ أجابته بلهفة مبالغة : " لقد بحثت البارحة أنا و صديقاتي عن أقرب جامعات الفنون في البلاد و اخترت أقلّها تكلفة . سأدرس في مجال الموسيقى ، و في ظرف ثلاث سنوات أكون قد تخرّجت من هناك و سأجد عملا في ..."

لم يتركها لتكمل كلامها و صاح لتنتفض هي الأخرى في مكانها :

" ماذا ؟ عن أيّ موسيقى تتحدثين ؟ أظنّ أن سهر البارحة قد أثّر على عقلك كثيرا فأصبحت تنطقين بالتّفاهات ! "

وقف فجأةً و وجّه إصبعه ناحيتها مهدّدا : " ستذهبين إلى جامعة التّدريس في البلدة المجاورة ثمّ ستعملين معلّمة هنا ، في مدرستنا ، فهذه المهنة الوحيدة التي تناسب النّساء . و إن أبَيْت هذا ، فتمكثين في البيت لبقيّة حياتك . و أنا أنصحك الخيار الثّاني لأنّه أفضل لكِ و لنا جميعا . مفهوم ؟ "

لم تقو أليسيا على الكلام من شدّة تفاجؤها و خوفها من ردّة فعل والدها القويّة  لذا اكتفت ، مرغمة ، بالايماء .

بعد خروج رجال العائلة ، أبوها و أخوها ماركوس ، كانت السّاعة تشير إلى الثّامنة ، و هي ليست فترة أليسيا المفضّلة في اليوم ، إذ أنّها دائما ما تكون للتنظيف و ترتيب البيت .

" دور من اليوم في غسل الصّحون ؟ " سألت جينا شقيقتها أليسيا ببرود .

" دوري أنا .. و كالعادة ، دائما ما يكون نصيبي أكبر عدد من الأواني !" تذمّرت الأخت الكبرى في طريقها للمطبخ و شرعت بعدها في تنظيف أوّل كأس كان أمامها .

تبعتها الأخرى بعد أن شغّلت الراديو لكي لا يصيبهما الملل أثناء آدائهما للأعمال المنزليّة . أخرجت كرسيّا و انشغلت بتقطيع الخضر  مدندنة مع الأغنية الموضوعة .

" هل فكّرتِ فيما قاله أبي قبل قليل ؟ " سألت جينا شقيقتها مرتدية نظرة الشّفقة .

" حقيقةً ، لم أتفاجئ تماما من موقفه إذ أنّ إحساسي قد أخبرني بأنّه سيرفض من البداية  ، لذا ، فقد اتّخذت قراري منذ زمن طويل ."
أجابتها بنبرة واثقة أربكت أختها التي سارعت بالسّؤال متوقّعة أسوء الاحتمالات " و ما هو ؟ "

و ما إن أنهت آخر حرف حتّى صدح الرّاديو حذوهما بأغنية صاخبة تلاها إعلان عن أكبر مسابقة غناء ستجوب كلّ البلاد بحثا عن أفضل الأصوات .

إلتفتتا إلى بعضهما البعض في نفس اللّحظة لكن جينا سارعت بتوجيه نظرة محذّرة إليها قائلة : " إيّاكِ و التّفكير بالأمر ! "

غير أنّ الأوان قد فات فقد صرخت أليسيا بنفس حماس الصّباح : " تمّ تغيير الخطّة ! أوّلا ، سأشارك في هذه المسابقة . ثانيا ، سأربح . ثالثا ، سأصبح مشهورة و سيتقبّل أبي الأمر فور أن أجْني الكثير من الأموال . ما رأيك ؟ أوَتدرين ماذا ، سأبدأ بالاستعداد من الآن ، عليّ أن أكون جاهزة قبل يوم الأحد ."

أسرعت بالخروج من المطبخ لكنّها عادت فجأة لتقبّل أختها بمرح و توشوش في أذنها : " جيني ، يا أفضل شقيقة في العالم ، بالطّبع لن ترفضي غسيل الأواني الباقية . أنا أعدك بأنّي سأشتري لكِ سيّارة فور تسلّمي لأوّل مرتّب ."

تنهّدت الأخرى و قالت مستسلمة :" لن تتغيّري أبدا يا ألي ! "

-------------------------------------------------------------

أهلا ! ها قد عدت مع رواية جديدة و مختلفة تماما عن الأخرى .

سيكون التّنزيل بهذا النّسق : يومي الاربعاء و السّبت .

ما رأيكم في البداية ؟
إذا أعجبتكم لا تبخلوا في تشجيعي 😚

 My Journey || رحلتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن