(قصه الملاك الاعرج قصه قصيره للدكتوره\منى المرشود)
خرجت إلى هذه الدنيا من أول لحظة ... و أنا معوقة.فالقدر كتب علي منذ لحظة دخول هذه الدنيا نمطا خاصا من الحياة ، مختلفا عن حياة الناس العاديين و برغم التقدم في الجراحة ، و رغم العمليات الخمس التي خضعت لهاحتى الآن ، ألا أن عيبا في رجلي جعلني أسير عرجاء .في بداية طفولتي و صباي ، لم أكن أشعر بأي نقص . كنت أسير بعرج ملحوظ جداو لكن هذا لم يكن يعني لتفكيري المحدود الشيء الكثير .زميلاتي في المدرسة كن يرددن علي الأسئلة حول رجلي و مشيتي الغير طبيعيةو كنت أجيبهم ببراءة الإجابة التي حفظتها من أمي :" الله يريد ذلك "و كبرت ، و كبرت معي أفكاري و توسعت نظرتي للأمور .بدأت أحس بالضيق من نظرات من هم حولي و أعينهم المتسائلة ، الساخرة أحياناو المشفقة أحيانا أخرى لكن جهوي كانت موجهة بشكل كبير نحو دراستي ، و التي كنت متفوقة فيها .كانت والدتي دائما تحمسني و تشجعني و تأمل أن أصبح طبيبة ذات يوم .و كنت أفكر في أنني قد أكتشف علاجا لحالتي بنفسي مستقبلا .الحلم بالاتحاق بكلية الطب أصبح هاجسي ، فأنا أحق من أي ٍ من زميلاتيبهذا المجال ، لكوني أكثرهن تفوقا .تخرجت من الثانوية و عقدة العرج لا تعني لي الكثير ، ألا أنه حين تقدمتللالتحاق بكلية الطب ، رفضت ، بسبب العرج .لكم أن تتصوروا كيف وقع الخبر على نفسي ... و كيف تحطمت في ذلك اليوم .تم قبول ثلاث زميلات أخريات - كنت أنا أكثر تفوقا منهن ، الأمر الذي أشعرنيبالغضب منهن .قلت لإحداهن ذات مرة :" هذه الكلية فاسدة الذمة ! إنها لا تعرف كيف تختارمنسوبيها ! إنني جديرة بالقبول أكثر من غيري "و كان ردها : " طبيبة عرجاء ! كم هذا مضحك ! "و انفجرت ضحكا ...انفجرت ضحكا و هي لا تعلم ... أي شيء قد فجرت في داخلي .هل علي أن أحرم مما أحب فقط لأنني عرجاء ؟؟انتهى الأمر بي إلى دراسة التمريض البسيط في أحد المعاهد الأهلية.بعد تخرجي ، عملت في أحد المستشفيات ، و لم أدع فرصة لأي شخص لأنيسألني عن سبب عرجي .عملت في عيادة أحد الأطباء الجراحين ، و الذي لاحظ بطبيعة الحال عرجيالمخجل .و كان هو أول شخص سمحت له أن يسأل عن حالتي هذه .الطبيب كان ماهرا و حذقا ، و قد ذكر لي أنه عالج حالات مشابهة .ولد أمل لم يكن موجودا من قبل في الشفاء ، و كبر في داخلي ، و تعلقتبه للحد الذي أصبح هاجسا مسيطرا علي ليلا و نهارا ...و للحد الذي ... و دون شعور مني ... أغرمت بذلك الطبيب ...كان رجلا أعزبا و محبوبا من قبل الجميع .لقد أصبح لحياتي طعما آخر ...هل تعرفون ما يحدث للفتاة عندما تغرم ...؟أجريت لي عملية أوليه تحت إشراف هذا الطبيب الحبيب ، و لم تنجح .أتذكر كيف أنه بقي فترة طويلة في غرفتي ، يواسيني و يشجعني و يوعدبمحاولة من نوع مختلف .كان يتحدث و لم يكن يهمني ما يقول ...كنت فقط أود الاستماع إلى صوته ... و أشعر بقربه ... كم كنت أهواه ...لم أشفى من حالة العرج ، لكن الأمر لم يغير الكثير بالنسبة لي ...بل تمنيت أن أبقى عرجاء ليجري لي العملية تلو الأخرى ... و يبقىقريبا مني .رأيت أن لله حكمة من خلقي عرجاء ، ألا و هي أن ألتقي بهذا الطبيب .فشكرا لله .كل هذا ،و هو لا يعرف ما أخفيه في صدري و لا أجرؤ حتى على التفكيربكيف تكون ردة فعله ... لو عرف أنني واقعة في حبه .بعد فترة ليست طويلة ، التحقت بمستشفانا مجموعة جديدة من الأطباءو الطبيبات ... و دهشت حين رأيت زميلتي تلك من بينهم .و بحكم ظروف العمل ، اجتمع حبيبي و تلك الطبيبة .كثيرا ما كنت أراقب اللقطات التي جمعت بينهما ، و أسترق السمع إلى أحاديثهما و التي لم تكن إلا عن أمور العمل .هكذا سارت الأمور إلى أن تفشى خبر أرسلني إلى الهاوية ...حبيبي قد عرض الزواج على تلك الطبيبة ... و الأمور تسير نحو الربط بينهماتزلزلت الأرض تحت رجلي العرجاء ... لم أتمالك نفسي ...ذهبت إلى حيث يمكنني الاتقاء بها ، و بقيت في انتظارها فترة طويلة ، تاركةعملي بلا منجز ...و حين رأيتها ، أعربت لها عن رغبتي في الحديث معها . استغربت هي الأمرفنحن لم نكن على وفاق منذ زمن ...و في إحدى الغرف وقفنا في مواجهة بعضنا البعض .سألتني :" ما الأمر ؟ "قلت مباشرة ، دون تأن أو مقدمات ، فالسؤال كان واقفا منذ ساعاتعلى طرف لساني أمنع خروجه بعنف : " هل حقا ستتزوجين الطبيب ؟ "رفعت حاجبيها اندهاشا و استنكارا ، فهي لم تتوقع سؤالي هذا .كررته عليها مرتين ، ثم أجابت : " و هل يعنيك الأمر في شيء ؟ "شعرت بانهيار شديد ... لم أتمالك الدموع التي قفزت من مقلتي رغما عنيقلت : " نعم ! فأنا أحبه ! "للحظات بقيت صامته ، ثم سألتني : " و هل يعرف هو بذلك ؟ "قلت بخجل و أمل :" ليس بعد .. لكنه يعرف أنني أقدره و أعزه كثيرا. و هو يهتم لأمري و علاجي "قالت :" تعنين أنه يحبك ؟ "تمنيت لو كان واقعا أكتشفه هذه اللحظة ! لكنه كان حلما ...أجبت :" ليس بعد ! "قالت :" و لماذا تخبريني بهذا ؟ هل تريدين مني أن أرفضه ، و أوصيه بخطبتك ؟ "الدماء تصاعدت إلى وجهي و أصبحت أتعرق بغزارة و أتنفس بقوة .كانت عيناي تجيبان بـ نعم ! و لكن عينيها كانتا تضحكان ...قالت : " إما أن تكوني حمقاء أو فاقدة الوعي ! و هل تتوقعتين مني أن أفعل ذلك ؟ أم تتوقعين منه أن يتركني ليخطب ممرضة عرجاء ؟ "و استدارت لتغادر الغرفة .في تلك اللحظة ، قُتلت الفتاةالخيرة التي بداخلي ... و ولدت الشريرةالعرجاء .أسرعت الخطى إلى القيم حيث أعمل و أنا لا أرى شيئا أمامي . كانت الدموع تملأ عيني . لا أذكر كيف وصلت إلى العيادة و أغلقت الباب و أجهششت بكاءا مريرا .بعد قليل فتح الباب و دخل الطبيب .رفعت رأسي فإذا بنظراتي تصطدم به . و في الحال توجم وجهه و قال :: " أأنت على ما يرام ؟ "وقفت ... مسحت دموعي و قلت في آخر محاولة لي لإنعاش الفتاة الخيرة المحتضرة في داخلي :" دكتور ... ألم تشعر بأنني أحبك ذات مرة ؟ "تغير لون الطبيب من هول المفاجأة و التي لم تكن لتخطر له على بالو اضطربت تعابيره ، و لم يعرف ما يقول .قلت :" هل يعني لك ما ذكرته شيئا ؟ "بصعوبة قال : " أنا آسف و لكن ... "و لم يتم الجملة . و أنتهت الفتاة الخيرة بداخلي دون أن تسمع للجملةتتمة ما ، و كانت المرة الأخيرة التي ألتقي فيها مع ذلك الحبيب .خرجت من فوري من العيادة و من المستشفى و لم أعد ثانية . فصلت منعملي بسبب تصرفي اللا مبالي ، و لم أكترث .والدتي بدأت تقلق على حالتي الغير طبيعية و لكني لم أكن أصارحهابما يدور في رأسي و قلبي . بدأت حياة مختلفة ، فأنا العرجاء ، و لا يمكن أن أعيش كبقية الناس .كنت أراقب الفتيات من حولي ... و أحقد عليهن . جميع قريباتي و صديقاتيو زميلاتي قد تزوجن . في البداية كنت أحضر حفلات زفافهن لأستمتع بوقتي الضائعبلا هدف و لا معنى ... لكني مع مرور الوقت ، كرهت حتى التواجد و الظهوربعرجي المخجل أمام الأخريات . و لم علي الذهاب ؟ و مهما فعلت فإنني لن أنجح في حذب اهتمام أحد ... لأنني العرجاء .نسي الناس جميعا العرجاء . نسيوا أنها انسانة أيضا . و لديها ما لديهم من المشاعر و الاحاسيس . العرجاء أيضا تحلم بالزواج ... بأن تحظى بزوجتحبه و يحبها .. و أطفال ترعاهم و تحضنهم و تعني لهم أجمل و أجل معنى : أماتجاوزت الثلاثين من عمري و أنا لا أزال بنتا عرجاء في بيت أبيها . هل لكم أن تتخيلوا كيف كنت أشعر ؟المفاجأة كانت حين طرق باب بيتنا شاب ما ... طالبا الزواج مني .لم أصدق . هل هناك من يفكر بي في هذا الكون ؟ تعلقت بهذا الحلم أشد التعلق . أخيرا صار بمقدوري أن أحظى بشريكلحياتي ... و بيت ... و أطفال ... مثلي مثل أي امرأة على الأرض .لكن هاجسي كان ... هل يعلم هذا الشاب أنني عرجاء ؟و في واقع الأمر كان يعلم ، كما كان متزوجا ، و لديه عدة أطفال ، و يكبرني بعشر سنين .هذه الأمور جعلت والدي يقرر رفضه ، محطما بذلك حلمي الواهم ، و أملي الأخيرأنا الآن أصبحت أحقد على جميع نساء العالم ، إضافة إلى والدي .قررت أن أعود للعمل ليس لأنني أحبه أو أرغب به ، بل لأنني أريد أي شيءيبعدني عن بيت أبي . و عدت للعمل في مستشى آخر . و بدأت حياتي تنتعشبعض الشيء . لقد كنت العزباء الوحيدة بيت زميلاتي في العمل . لذا ، حقدتعليهن . و لكنني وجدتها فرصة لإثارة اهتمام الرجال ، فلا رجل يهتم بامرأةمتزوجة . بدأت أنحرف عن مساري بزاوية تتوسع مرة بعد أخرى . فالدنيا لم تمنحني زوجاواحدا أتهنى معه ، إذن فلتدع لي المجال لإثارة اهتمام كل هؤلاء الرجال تعويضا .الهدف الأول كان احد موظفي الاستقبال ، و الشهير بميله للنساء . و رغم أنه كان متزوجا ألا أنه لا يفتأ يلاطف هذه أو تلك ، و لا يغض بصره عما يجب عض البصر عنه . كنت أتحين الفرص للتحدث معه . و كم كان مسرورا ! لابد أنهظن أنني معجبة به ! كم كرهته و بغضت فيه ميله الحقير إلى المرأة . أية امرأةو كل امرأة .تنقلت في اهتمامي المزعوم من رجل لآخر ، و عندما حاولت إحدى زميلاتي لفت انتباهي إلى أنني أحيد عن الطريق السليم تدريجيا غضبت منها و صرخت :" ألست ِ امرأة متزوجة ؟ إذن من الخير لك أن تهتمي بأمور زوجك لا أموري "بدت عقدة البقاء عازبة واضحة علي . و لكن ، إذا فشلت الطرق العادية فيمنحي زوجا ما ، فسأبحث عنه بنفسي حتى أجده . هكذا كنت أفكر .و شيئا فشيئا ، بدأت أتبادل الرسائل مع بعض زملائي . و لأن بداخلي امرأةنعم امرأة فقد نجحت في تعليق قلوب بعضهم بي . كان ذلك يشعرني بالزهو و الفرح . فأنا امرأة قادرة على جذب اهتمام الرجال رغم كوني عرجاء . و كنت أسخر من زوجاتهم ، اللواتي لا يعرفن بأن أزواجهم الأغبياء واقعونفي شباكي الخبيثة . أنا امرأة يهواها الرجال ، إذن سأنجح في ايجاد الزوج الذي أريد . هذه الأمور كانت تحدث دون أن يعلم بها والداي . كنت أفكر في أنني سأعاقب والدي على جعله إياي أعيش حتى هذه السن دون زوج . لو كان يهتم بأمري كما يجب ، لكان سعى لتزويجي بشكل أو بآخر .و لكن و بما أنه فشل ، فسأنجح أنا .توالت الأيام و الشهور ... حتى التقيت برجل أعزب . شعرت بفرحة قصوى فهذا هو مبتغاي . و سيكون ضحيتي التالية .كنت قد اكتسبت خبرة لا بأس بها في فن جذب الانتباه خلال الشهور الماضية ،و عرفت ما يحبه هؤلاء الرجال في المرأة ، و من أي طريق يمكن لي أن أتسللإلى قلوبهم . و استخدمت كل مهارتي و كيدي و خبثي للإيقاع بهذا الرجل .لقد كان أصغر مني سنا ، و أعزبا ، جاهلا بعالم النساء ، و لذا فدخوليإلى حياته جعله يحس بأشياء لم يكن يحس بها مسبقا ... أشياء جميلة ... لا يمكن مقاومتها ...لم يعد يرى العرج الذي أعاني منه ... لقد أصيب بغشاوة ما ... و تعلقبي بجنون ... لقد نجحت نجاحا مذهلا . الآن أستطيع الحصول على زوج لي . اتفقنا على أن يأتي لخطبتي من والدي ، و سرعان ما كان في بيتنا .لقد فعلت الكثير ... و بذلت جهودا خلال الشهور الماضية من أجل إيجاد زوج ليفكيف تتوقعون أن تكون ردة فعلي حين يرفض والدي هذا الرجل بحجة أنهيصغرني سنا ؟أصبت بانهيار شديد ... ذهبت الى المستشفى و أخبرت زميلي بأن يعاود العرضلا يمكنني أت أتخلى عنه بهذه البساطة ، كما لا يمكنه هو الآخر .و استجاب لطلبي ، و عاود التحدث إلي أبي . كانت والدتي تقول :" إنه مشترٍ للفتاة ... إلى متى سننتظر ؟ لنقبل به خيرا من بقاء ابنتنادون زواج ! "لكن والدي - لحكمة لا يعلمها إلاالله - رفض العريس مجددا لنفس الحجة ،و كأنه يخبىء لي عريسا أفضل في أحد جيوبه .ردة فعلي هذه المرة كان سيئة ، بل هي الأسوأ على الإطلاق . تجرأت و تحدثت معه ، دون خجل ، و أخبرته بأنني لم أعد صغيرة و أنني أرغب في الزواجمن هذا الشاب . و لكن والدي لم يكن يشعر بما أشعر به ، فهو ليس امرأة عرجاء تجاوزت الثلاثين من العمر ، و لن يكون كذلك ذات يوم .ألا يشعر بأنني بحاجة لزوج كبقية النساء ؟لم أستسلم لهذه النهاية ، رغم أن زميلي رضخ للأمر الواقع و رضي بالنصيب ،و عندما شعر بأنه لا سبيل أمامنا للزواج بدأ بالابتعاد ، و لكني بقيتأطارده و أفرض وجودي في حياته . يجب أن أستخدم أسلحة قوى قبل أن يفلت من يدي .و لكن ...بعد فترة ... بدأ يسأم من مطاردتي له ، و الحاحي على الزواج . بدأ حبهو تعلقه بي يضعف شيئا فشيئا إلى أن اختفى . قال لي في آخر لقاء بيننا :" اعتقد أن نظرة والدك كانت صائبة ، ففارق السن بيننا يجعل تفكيرنا مختلفامن الأفضل أن نبقى هكذا "صدمتني جملته ، كيف يمكن أن نبقى هكذا ؟ أنا أريد أن أتزوج منه . هذا ما كنتأسعى إليه منذ مدة طويلة . ألا يكفي أن القدر قد حرمني من الصحة و جعلنيأعيش عرجاء ، أيحرمني أيضا من الزواج ؟ كل ما أريده هو زوج يشاركني الحياةهل تعجز الأقدار عن توفير رجل واحد لي من بين ملايين الرجال ؟لماذا خلقت امرأة مادامت أحشائي لن تنجب أطفالا ؟؟؟قلت له : " لا يمكن أن نبقى هكذا ! فأنا أريد أن نتزوج و ننجب الأطفال و نعيش حياتنا "قال :" لا تخشي ! فأنا لن أتركك بعد زواجي . بل سأستمر حبيبا لك "و أطلق ضحكة خبيثة .امتلأت سمائي بالسحب السوداء ... و غشيت عيناي ... فقد اكتشفت أنه كان يسخرمني طوال الوقت . صرخت :" أيها السافل ! "أجاب :" أليس هذا ما تودينه ؟؟ "كان أقرب ما وصلت إليه يدي تلك اللحظة هي عبوة تحتوي على مادة كاويةالتقطتها بسرعة ، و بشكل مفاجىء دلقت ما حويته باتجاه وجه زميليفأصبت عينيه ...أصيب زميلي بالعمى في إحدى عينيه . و بحروق مشوهة في وجهه .أنا الآن امرأة عانس و عرجاء و منحرفة و مجرمة أقضي فترة عقوبتيخلف القضبان ...و أول شيء سأفعله بعد خروجي من السجن ... هو نشر قصتي هذه على الناس لأسألهم : من المسؤول ؟؟؟