الفصل الرابع

160 25 50
                                    

عندما ذهبت الى الطبيب كان الوضع هناك مزريا إلى أبعد الحدود، حيث كان يوجد أعداد كبيرة حقا من المرضى في غرفة الإنتظار،

هؤلاء لم يجدوا مسعفا لهم في المشفى بسبب كثرة أعداد المرضى و الجرحى فيها،

أما الطبيب كان يحاول جاهدا فحص أحد المرضى، لكن الفحص في الهواء كان يبدو أشبه بالتنقيب عن الماس أو الذهب لصعوبته، بالنسبة له على ما يبدو،

و ما إن يمسك سماعته أو أحد معداته ليحاول الفحص بها، كانت تطير في الهواء و كلما حاول أن يقترب فيها من المريض كان يهوي نحو الأسفل و يبقى المريض في الأعلى أو العكس،

بدا لي أن الطبيب لم يعتد على انعدام الجاذبية كما أعتاد الشباب من الناس، فهو رجل عجوز، و أعتاد العمل بهدوء طوال حياته.

طرقت على الباب بهدوء قائلا: "اسعد الله صباحك أيها الطبيب أنا من مدرسة الريحان في المنطقة المجاورة، إنني طالب ثانوية فيها و قد طلب مني أن أتي ﻷقدم المساعدة، فهل من شيئ استطيع مساعدتك به؟ "

فأجابني دون أن ينظر ناحيتي: "اهلا بك، أرجوك تعال بسرعة، و حاول جعل المريض الذي أمامي على مستوى مني حيث أقف، يجب عليه أن يبقى مستلقيا، و أنا ما زلت أواجه بعض المشاكل مع انعدام الجاذبية هذا، رغم خبرتي الطويلة في الطب إلا أنني أبدو عاجزا جدا هذه الأيام"

تقدمت على الفور و حاولت جعل المريض على نفس السوية في الإرتفاع مع الطبيب حتى يستطيع معالجته. كان المريض قد أصيب بجرح في ساقه، بسبب أحد السكاكين المتطايرة و التي لم يلحظها،

كما أن أغلب المرضى في الخارج كانوا متواجدين إما بسبب هذه الظاهرة أو بسبب ألام الأطراف أو بسبب عدم الشعور بها، الذي تسبب فيه إنعدام الجاذبية.

كان هناك حوادث أليمة شتى، لن أخبرك بها سأترك العنان لمخيلتك، عليك فقط ان تتخيل الأشياء في الشارع، و عدد تلك الأشياء، و أن تتخيلها جميعها تتطاير في الشارع، و أحدهم يمشي سابحا في الهواء محاولا باستماتة تجنبها، قد يحدث و أن لا يستطيع تجنب إحداها، هل تخيلت؟ ماذا تتوقع أن يحدث له؟ اطلق العنان لمخيلتك و حسب، و ستدرك ما أعنيه، فأنا لا أريد وصف تلك المشاهد لك، حتى يتسنى للأطفال أيضا قراءة قصتي.

أعتقد أنني أنهيت العمل مع الطبيب بعد ساعات عديدة و كان هو لا يستطيع اعتياد الوقوف و المسير بعد، لذا كنت أنا احضر له المعدات و أحاول جاهدا جعل مستوى الأرتفاع بينه و بين المريض متساوي،

قررت أن أقوم معه بجولة في التعليم بعد إنهاء عملنا، و هذا ما فعلناه بالفعل،

بعد أن أنهينا تضميد الجرحى و بعد أن إرسلنا المتضررين كثيرا، الذين ليس بمقدور الطبيب معالجتهم بمعداته البسيطة، إلى المشفى،

بدأت مع الطبيب تمرينات للتوازن و الوقوف في الهواء، و طالت مدة تمريننا إلى قبل حلول الفجر تقريبا، ثم عدت إلى المنزل منهكا، دخلت إلى المنزل و توجهت فورا إلى غرفتي، و نمت على هوائها في أقرب فسحة فارغة كانت بقربي.

في اليوم التالي إستيقظت على صراخ و عويل الناس القادم من الشوارع و كأنه كان يوم الحشر، نزلت مسرعا لأعرف مالذي حدث فوجدت مياه البحر تحيط المدينة من كل جانب، فتحت عيني على مصرعيهما و أنا أجد المياه قادمة نحونا بعواصف تسونامي ضخمة،

و استيقظت من النوم، لقد كانت ليلة طويلة بالفعل، مملوءة بالكوابيس، حمدت الله أنه كان حلما فقط، نهضت و وجدت غرفتي الرتيبة، المملة، و المرتبة ما تزال كما تركتها قبل النوم،

غسلت وجهي و كم شعرت بقيمة الماء حينها و بقيمة وجودي واقفا على الأرض كنت في كل خطوة أستشعر عظمة خلق الكرة الأرضية، و دقة خلقها و سبب وجود الجاذبية،

حيث تأكدت أنه لولا وجود الجاذبية على الأرض لما كنا لنستطيع العيش عليها.

تنفست الصعداء لأن الأرض كانت ما تزال كما هي و أن الجاذبية ما تزال موجودة و شعرت بالامتنان لوجودها. لأول مرة أحب حياتي و أشعر بالامتنان لأنها رتيبة،

كنت أتذكر ذلك الحلم و أسير في الشارع سعيدا أقارن ما بين الحلم و الواقع و أحمد الله على واقعي و على نعمة الجاذبية و على الكثير من النعم التي افتقدتها في حلمي.

و انتم ؟ هل استشعرتم قيمتها؟ :)

تمت بحمد الله

🎉 لقد انتهيت من قراءة أسبوع بلا جاذبية - One week without gravity 🎉
أسبوع بلا جاذبية - One week without gravity حيث تعيش القصص. اكتشف الآن