الفصل الثاني

117 18 0
                                    

كانت جالسة في غرفتها أقرب للظلمة من النور، دخلَ الصغار ليغمروا بعناقات بسيطة تخللتها أصوات القبلات من الجدة البدينة، ويعقبها بعض الرذاذ المتطاير ليحط فوق وجناتهم بقرف.

ارتأت الأم التوجه نحو المطبخ لطهو وجْبة الغداء، استوقفها صوت ساره.
_مَاما أين ألعابي؟ واثقةٌ أنني حشرتها في الحقيبة السوداء.
_وضعتهَا في الجيب الخلفي للحقيبة.
ردت الأم مع ابتسامة طويلة.

قالتها وهي تنصرف لعملها وتراقب أطفالها كل مرة وتكرر نظرة مجسدة قانون: 
ابتسامة ظاهرة، وعيدٌ يغلفه تحذير؛ لضبط شعوذة الأطفال خارج المنزل.

وبصوت ثخين مليء بالحنان قالت الجدة:
_لِنلعب سوية، مارأيكم ياصغار؟

هتف الجميع وبنبرة توحي باتفاق مسبق:
_نعم، نعم جدتي.

تحركت ببطء نحو سجادتها الخضراء المطرزة يدوياً بخطوطٍ سوداء؛ لتفرشها وسط الحجرة وما لبثت حتى امتلأت بألعاب ساره فتقاسمها الجميع.

قسمت الأدوار وراحت الأسرة الإصطناعية تمثل سيناريوهاتها بكل عزم. أوحت سارة كما لو أنها دخلت مطبخها وبدأت تعد طبقها المفضل.

فيما أخذ رامي دور الزوج الموظف، دس في جيبه القريب لقلبه قصاصات ورقية تمثل دور النقود، متأبط حقيبة ملئها بالملفات الفارغة.

أما سِنان فقد لف حول خصره ملاءة سارة التي اعتادت ان تجمع داخلها حاجياتها الظريفة، ممثلاً كما لو أنه وسط سوق كبير ليبتاع شتى الخضار.

فيما راحت الجدة تخاطب ساره عن نفسها وأحوالها فتجيب الأخرى وفي يديها مجموعة سمكات صغيرة الحجم، على مقربة منها ادوات طبخ صغيرة، مقلاة، قدر كبير يتوسطه آخران صغيران وثلاجة تكبر السمكة الواحدة بفارق بسيط.

بدأت سارة تنفذ مشهد تقطيع رؤوس الأسماك ومن ثم غسلها ورشّ بعض الملح فوقها، كل ذلك بمراقبة مكثفة من الجدة عينان مسدلتان مرهقتان تتحركان ببطء مع ابتسامة عريضة وتساؤل يعتمل داخلها.

كان مطبخ الجدة أشبه بالمربع الصغير، تتوسطه طاولة زرقاء داكنة من حولها خمسة كراسي كُسرت بعض أجزائها لتبقى جثث مبتورة تنتظر النهاية بفارغ الصبر، خزانة صغيرة مليئة بالأواني القديمة، مع لمسات الغبار المنفرة في كل مكان.

أكملت الأم مهمتها وافلتت العقدة التي عقدتها وسط ظهرها الموصولة بمريول المطبخ. رفعت خصلات شعرها الأسود المسدلة على عنقها؛ لتنادي بصوت أقرب للشدة من لين:

مّـــــقـلاة جـــدّتــــــيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن