أدركت يومها انني ساحارب وحيدة وسط هذه العاصفة ، جلست انتظر قدومه لليوم الثاني نحو مكتبي ، انتظر ان يذلني ويضيف الى نصره نصرا اخر ، والى هزيمتي هزيمة اخرى تُدمي قلبي . ولكنه يعرف بنقاط ضعفي ،واليوم ليس بالموعد المناسب ليراني!
اكثر الامور صعوبة هي الاعتياد على امر ما ، ولعلني فسدت معنويا من كثرة الراحة التي لم تحرك طرفا من طموحي لتحقيق اهدافي ! حتى انها لم تحفز فيّ تحقيق رغبة امي في تحقيق مستقبلي بسهولة وهذاامر مشين!
كنت قد اقسمت ان اكون سندا لها وتراجعت رغبتي وبانت على انطفاءٍ نهائي لولا تذكّري لوعدي لها . كل ما انا عليه الان من جهدها ، وكل ما ساكونه مستقبلامن جهدها كذلك ، لذا تلك الامور التي تذكرني بمدى مللي من رتابة حياتي تذبل فور قطعي لوعدي لها . لن اقف وسط الطريق مكتوفة الايدي فقط لأجلها !
أما اليوم فأنا انتظر بمكتبي الجديد قدومه او حتى ظهوره ، انتظره وقد ضربت كل امال امي عرض الحائط . امر مخزي ومؤسف ولا اعلم ما الحل ؟
ولكنه يعاند ولا يظهر لي الا على بعد امتار بقامته الطويلة وببذلته الرصاصية .يتجاهلني بكل برودة ، وكأنني أنا التي اخطأت في حقه !
بعد لحظات كانت قد حانت لحظة الاستراحة ، لم يكن علي سوى الامتثال لطلب زميلتي في العمل ريم بأن ارافقها الى الغذاء ، هذا الطلب يُعرّي من حقيقةٍ أخرى ألا وهي عجزي عن صرف عملاتي المالية التي أملك بكل اريحية ، او لنقل كما كنت معتادة !
كنت قد رسمت مخططاتي عن كيفية التعامل مع مصروفي الليلة الفائتة ، لكنني فشلت اليوم في ان أُنجح ولو القليل منها في حضرة ريم التي ما إن جلست على الطاولة حتى إنقضّت على لائحة المأكولات ،والتي طلبت اغلى طعام في اللائحة .كنت قد خططت ان اقلل من كل البذخ الذي عوّدني عليه ابي قبل ان تنقلب به قفة الحياة وتجبره على عيش حياة التقشف بسبب الازمة الاقتصادية !
ما كان مني سوى ان اطلب مثلها وادفع في آخر المطاف مائة درهم مغربية تكفيني في ملأ بطني باشهى الخضروات والفواكه التي احبها لأسبوع ! لم أرضى حينها ان أوضع في موقف مذل وان تأخذ زميلتي عني نظرة الدنيوية ،لا تزال غريبة عني كما أننني أقسمت ألا اشارك اسراري اي احد فما بالكم بنقاط ضعفي .
لم يزدني هذا الغذاء الا بآسة ، ففي كل مرة اتذكر غرضا كان ينقصني عليّ اقتياته ، أتدارك مدى حجم غبائي في أن أُظهر نفسي على ريم !
كنت اعلم ان الحياة هنا ستكون صعبة ، لكنني ما تخيلتها متوحشة هكذا . الحياة هنا للاقوى قبل كل شيء ولا يجدر الا لمن يملك الحيلة مجابهتها ، أما أمثالي من الضعاف أو من على وشك أن تتقطّع بهم السبل فهاهنا الغابة التي لا تقل وحشية عن الغابات الحقيقية .
-آنسة عبير ،السيد مُرابط يطلبك الى مكتبه الرئيس في الحال!
اخرجتني من أفكاري موظفة الاستقبال بنبرتها المتسرّعة وبلهثاتها المتسارعة التي لم تزدني الا حيرة من أمري.هكذا نحن في اوقات الجدية ، أيعقل أن يُخاطب احدهم الآخر بهذه النبرة المُهلعة ؟
كنت متيقنة أن بقائي هنا لهذه المدة أمر عجيب ، وبأن نهايتي محتومة ها هنا !
---------------------------------------------
-هل أنت متأكد من أنها الشخص الذي تصفه ؟
أطرق في صمت مقلق ، كنت أحسبه جادا في أموره العاطفية ، لمن قوته هذه بائتبالاتطفاء فور سماعه لإسمها مني . ما ظننته أن يكون كتوما هكذا معي ، ولعله الآن يتلم كم هي الحياة صغيرة وبأنه كان إيجابا عليه أن يُخبرني بكل صغيرةوكبيرة في أمور العمل !
راقبته في صمت بعد ذلك ، كنت أحلله من جديدوأنا أتسائل : هل يُعقل أن نتشارك كل شيء ؟
إقترب مني بعدها بخطوات مترددة قبل أن ينطق بترجي :أخي لا تُفسد علي حياتي حتى هنا أرجوك! تنهد في عمق ثم اكمل قائلا : لقدارتكبت اثما لن يغتفر الا بعدم مصادفتها !
طالعته بحيرة، هل هذا هو اخي الذي لا يرضى ان يطلب مني اي شيء؟
قلت له بسخرية : لم اعداعرف هل اضحك ام ابكي على ما اراه الان ؟!
نظر نحوي بغضب قبل ان يقول بعصبية :انا من اخطأ في ان يُفكر بمنح فرصةً ثانية لأن نكون متفاهمين ككل الإخوة ! . خرج بعدها وهو يرطم الباب ورائه بعنف تاركا إياي اصيح من ورائه
:عن أي إخوة تتحدث ها ؟
لكنه لم يجبني ولم يكن هو العائد لتوبيخي ، بل كانت هي من دخلت بعفوية نحوي وكأنها فصل ربيع مزهرّ بعد العاصفة التي تركها أمير هنا .
خدودها كانت مورّدة بمزيج من الخجل والحزن ، كانت كوردة توشك على الانتهاء من خريف لم يُشبعها ألا جفافا في ذاتها ، من يعرفها مثلي يعلم أن قلبها كان يخفق لشدة حزنها ويكاد يتوقف من شدة تحسرها ، ومن يراها يعلم انها تُداري لتُظهر مواطن قوتها ولكن ، هل بقيت بها اية قوة؟
انهارت على الكرسي أمامي وقد شحب وجهها ، كانت كعصفور ضعيف ضاعت به السّبل ، لكن عيناها كانتا مغرورقتين ببكاء محتّم ، تنتظرهي بفارغ الصبر فقط لأن تنفجر. هكذا هو أمير يترك وراءه كل الامور في وسطها دون ان يحلها ،يكسر ويحطم دون اي داع . وهكذا انا اجيء من وراءه لأرمم كل ما قام بكسره، ولا أفلح سوى بالتعلق ببقاياه المهجورة !
في هذه اللحظات لم اعد افقه عمل شيئ رغم معرفتي بكل شيء ،عِشت اوقات التردد في غيابها ، ولكنني الان اعيش توترا زاد من ترددي درجات في حضورها !
إستجمعت نفسي بألا اتركها دون ان اطلب ما يرد لها روحها ، قدّمت لها كوب عصير وقطعة شوكولاتة ثم جلست متظاهرا بالرزانة حتى بدوت كاللامبالي بحالتها المهدودة.
-لهل انت بخير الآن ؟
ارتشفت من كوب العصير بضع رشفات ثم ردت بصوت يرتجف : أنا بخير أشكرك .
كانت حالتها جد غريبة وهي ترد علي ببضع كلمات مقتضبة ، لكنني بادرت بفتح الموضوع قائلا :هل تعلمين سبب مجيئك الى هنا ؟
ردت علي دون تفكير : لأخرج ؟
اجبتها باستغراب : من أين ستخرجين ؟
-من العمل !
ابتسمتُ في سري ثم صححت لها : بل لاحولك الى مكتب آخر وأفضل من الفرع الذي تتواجدين به حاليا .
توقفت عن اللعب بأصابعا وهي تسمع مني ما أقوله قبل ان ترتخي ملامحها التي ظلت مشدودة طيلة جلوسها بالقزب مني ، كانت مراقبتها من القرب جد مريحة وتبعث في نفسي طاقة ايجابية ، لكنني كنت احتار اكثر من قلقها الظاهر على مُحياها ، أيعقل أن تكون قد علمت بحقيقتي ؟
لم تتركني احتار اكثر بسؤالها :هل يكون امير اخاك ؟
جحظت بعيناي في وجهها ، هذه تعرفت على الشبه بيننا بسرعة ، فكيف لها الا تعرفني ؟!--------------------------------------
مرحباً اصدقائي الاعزاء اتمنى ان تكون قصتي قد نالت اعجابكم ونال هذا الفصل استحسانكم ، استسمح على تاخري اللامقصود واعدكم بمواكبة كل الفصول ونشرها في القريب العاجل
YOU ARE READING
أنت تشبهني .
Romanceفي البادئ تبدو الرواية ضربا من الإنفصام !تُقيدنا في تسلسل طويل لكنها ستعيدنا ما إن نتدارك أنها مُحبكة في وسطٍ مُتضارب ! عبير تتفاجئ بحقيقةٍ مؤلمة وهي على وشك الإرتباط أخيرا بشريك حياتها أمير ، وبهذه الصدمة تتسائل مطوّلا ،هل كان لها أن تعرف جيدا وتُح...