مثل كل يوم رتيب ، أستيقظ لأتناول فطوري على عجلة ومن ثم أتجهز لمدرستي التي ما توقعت يوماً أن أشتاق لها! كنت الابنة الكبرى في عائلتي المكونة من خمسة أفراد ، فكان أخي الصغير زين لم يتجاوز الثامنة بعد ، بينما أختي زهرة كانت في العاشرة من عمرها لذلك كانت مسئوليتي هي إيصالهم لمدرستهم واصطحابهم منها كل يوم ، كون عائلتي لا يمكنها توفير مصروفاً خاصاً للحافلة وخصوصاً بسبب محاولتهم توفير تكاليف جامعتي المستقبلية ، فكوني في آخر سنة دراسية يستدعي الكثير من التحضيرات الضرورية لدراستي ومستقبلي.
على أي حال اليوم كان مميز! إنه عيد ميلاد صديقتي العزيزة كوثر؛ لذلك رجوت أمي أن تتولى أمر اصطحاب زين وزهراء من المدرسة اليوم، ورغم انشغالها بالكثير من الأعمال الشاقة والتي اعتادتها لتساعد أبي في توفير مصاريفنا اليومية فلم تكسر بخاطري وقبلت على شرط ألا أتأخر.. تعرفون عادات الأمهات يقلقون كثيراً ، وأعتقد أنكم تعرفون كيف هي آذان الأبناء؟ فهم يملكون آذاناً اسطوانية مفتوحة الطرفين فما يدخل من طرف يخرج من الآخر ! وهكذا أنا ، لا أهتم بالتفاصيل الدقيقة.
ذهبت بعد المدرسة مباشرة لكي أبتاع هديةً تليق بجمال كوثر ، وبينما كنت أتجول في السوق سحرت عيناي أقراطٍ فضية اللون ، أردت شرائها بشدة إلا أن معرفتي بثمنها الباهظ نهاني عن دخول المتجر حتى واستمررت بالمشي حتى وقعت عيناي على أحد الأساور التي كانت معروضة في مقدمة أحد المتاجر ، بدى لي لونها الوردي لطيفاً وما زادهم جمالاً هو التخفيضات المعروضة!.ابتعت السوار وطلبت من البائع وضعه بعلبة وتغليفه، ثم اتجهت مباشرةً للمنزل وبدلت ثيابي إلى ثيابٍ أنيقة إلى حدٍ ما حسبما أعتقد! لم أعتقد أنه يجب أن أضع مكياجاً أو ما شابه لأنه حسب قول كوثر ستكون حفلة صغيرة تضم أفراد العائلة فقط.
حملت حقيبتي الصغيرة وأسرعت إلى منزل كوثر ، لأنني أردت أن أكون مقدمة أول الهدايا! في الواقع لم يكن منزل كوثر عادياً فقد كان أشبه بالقصور كونها من عائلة ثرية ولكن مع ذلك هذا الثراء لم يعكر نقاء قلبها ، عيناها كانتا بحراً ، لطالما مازحتها قائلة أنني لو كنت رجلاً لكنت قد وقعت في أسر جمالها الاستثنائي منذ النظرة الأولى.
قرعت جرس الباب ففتحت لي لبنى ، وهي خادمة المنزل وأحد أصدقائي الذين عرفتني كوثر عليهم ، كانت لبنى سيدة في الأربعين من عمرها وعلى الرغم من كبر سنها إلا أن عقلها يجاري عقول الشباب وحبها للناس نقي مما جعل عائلة كوثر تقدرها وتجعلها محل ثقة. رحبت بي لبنى بحرارة وعانقتني قبل أن تنادي كوثر التي أتت ركضاً لتعانقني.
قالت كوثر والبسمة لا تكاد تفارق وجهها"سعدت حقاً لمجيئك! كنت أعلم أنك ستأتين وتساعديني في التحضير للحفلة." نظرت مطولاً لها قبل أن أرد معبرة عن انزعاجي "بالتأكيد تعلمين فبعد كل الرسائل التي أرسلتها لي ورصيد المكالمات التي أضعتها بالرجاء ، لا مجال للشك بكوني سآتي ."
ضحكت ثم شدت يدي وأخذت تجولني في الأرجاء ، كان المنزل معد بالكامل ومجهز من أجل حفلتها فعرفت أنها لم تكن تحتاج للمساعدة فعلاً بل فقط أرادت تواجدي معها قبل حضور أي أحدٍ آخر فمازحتها قائلة "من أين سنبدأ إذن؟ أسنفرقع البالونات على الحائط أم نقص الشرائط الملونة المعلقة في السقف؟ أو لربما نفجر قالب الكيك؟"
أجابت ضاحكة "بل سنبدأ بقص شعرك الأثري!"
هي دائماً تسخر من شعري لأني أحب إطالته ، لربما حصل هذا بسبب هوسي بشخصية ربنزل!
-جوري؟ أنتِ هنا يا عزيزتي!
جاء صوت رقيق من خلفي والذي ميزته فوراً فالتفت لأسلم على والدة كوثر 'حنان' ، هي امرأة في غاية الجمال والرقة ككوثر تماماً.
-أهلا خالتي ، كيف حالك؟
-دعينا نأجل المقدمات لبعد حين أما الآن فاتبعيني رجاءً.
اعترضت كوثر مباشرةً وأرادات رفقتي إلا أن أمها رفضت وطلبت منها التجهز للحفلة فلم يبقى سوى القليل على حضور المدعوين.
-ماذا هناك يا خالة؟
-مفاجأة بسيطة سأحضرها لكوثر وأحتاج مساعدتك.
أجبت بحماس "وما هي؟"
ابتسمت حنان ومن ثم فتحت أحد الأدراج وأخرجت منه قرص (فيديو) قائلة : هذه هي المفاجئة! عندما أعطيك الإشارة أريدك أن تأخدي كوثر للشرفة حتى يتسنى لي نقل مشغل الأقراص وعرض هذا الفيديو.
كدت أسأل عن محتواه حتى غمزتني وقالت لي "أعرف بما تفكرين! هو فقط يحتوي على بعض ذكريات طفلتي" فعرفت مقصدها بالضبط ، بالتأكيد كوثر ستتحول لطماطم حين ترى صورها المحرجة من الصغر تعرض أمام الجميع.
-اتفقنا ، هذا من دواعي سروري!
كنت أضحك حتى قالت لي حنان أمراً جرحني قليلاً ، فقد طلبت مني أن أرتدي فستاناً قدمته لي قائلة أن هذا سيليق بي أكثر من الذي سأرتديه، في الواقع لقد فهمت أن المدعوين ليسوا فقط من العائلة وربما هم من أصحاب الشركات ولا يجوز أن تكون صديقة كوثر المقربة في لباس رخيص ، تمنيت لو كنت ساذجة ولم أفهم ذلك ، فقد أثر ذلك كثيراً بي .