عروس الشوق
-1-
تنهدت بغير اطمئنان , لن تسمح لتلك أن تأخذ مكانها , لم تخضع نفسها لنظام تدريب قاس جدا فوق المتوقع لتسمح لغيرها أن تفوز وتحظى بهذه الفرصة ..
انتسبت لهذا النادي لأنها تعشق الباليه ..
عائلتها كانت متفهمة لرغبتها ومشجعة لها , لذلك لا يوجد ما يحد من طموحها لأن تكون الراقصة الأولى في هذه المسابقة التي ستقام على مستوى البلد ..
لقد سجلت الموسيقى التي سيرقصن عليها وتدربت عليها في البيت مرارا وتكرارا حتى أصبحت تلقائيا تشعر بجسدها يميل متوحدا مع اللحن ..
ارتفع رأسها بحدة ما أن سمعت ضحكة ريما مع همام ..
هذا فوق احتمالها ..
إنها تحبه وبجنون ولم تكتشف ذلك سوى من أشهر رغم أنه يدربهن منذ سنة تقريبا , كانت مغيبة فيه , تنظر له بهيام , غالبا ما يكون عاري الصدر ذو شعر كثيف يجذب نظرها وخصره نحيل ...
نظرت لخصرها الذي بالكاد موجود من شدة نحولها .. يزيدها بالقليل فقط ..
وطوله..
هربت منها تنهيدة هيام تراقب طوله الفارغ المتناسق كما كل شيء فيه حتى وجهه رجولي بامتياز ..
أنف ذو كبرياء مرفوع وحاجبين كثيفين مع عينين بنظرات حادة جارحة حين يغضب وكم فكرت أن نظراته أحيانا كالرصاص حين يوجهها نحو أحدهن إن أخطأت , عضت شفتها لتخرج من أحلامها البسيطة تنظر لريما تزداد التصاقا به بينما يمسك ذراعيها بعفوية لا يظهر على وجهه أي شيء ..
حسنا ..
حركاته عفوية يقوم بها مع الجميع لكن ريما لا .. حركاتها ليست عفوية أبدا
إنها تتعمد ذلك , ما هي فرصتها أمام ريما !
إن جئنا للحق فريما شقراء ساحرة بعيون ملونة وجسد أكثر نحولة منها , ولكن ليس أكثر ليونة لقد قال همام ذلك ذات يوم ..
نظرت للمرآة الممتدة على طول الجدار بقربها , ونهضت عن الأرض تمسك العارض الذي يساعدها على الرقص , لتنسى ريما الآن وتركز في التدريب , وحده ما سيجعلها تقف مكان ريما الآن , فالجميع ينر أن يختارها ..
أحنت ذراعها بيأس بعد أن كانت قد رفعتها لتبدأ الرقص ..
لا فرصة لها أبدا ..
*هيا أوار ليس هذا وقت الكسل ..
هدر عن بعد لتنظر له مجفلة بينما تابع تأنيها
*أنت متوقفة عن التدريب منذ عشر دقائق , وغدا ستخضعن لاختبار اللجنة وهي من جميع المحافظات , لن يخترن الجميع منكن هي واحدة فقط ولكن ذلك لا يعني أن تظهر الباقيات فاشلات ..
وأوقف الموسيقى , ليجمعن في نسق واحد كما اعتدن بينما وقف أمامهن يضع ذراعيه على خصره مشددا
*أريد لجنة الغد أن تحتار في من تختار .. سأرشح اليوم ثلاثة منكن ليؤدين الامتحان امام اللجنة والآن هيا نسق ...
اجتمعن خلف بعضهن تمام حتى ليخيل للناظر أنهن واحدة فقط..
*يدين .. أعلى ..
وارتفت الأيدي في ذات اللحظة ليقول بصرامة
*أريدكن بجعة واحدة من تحيد عن النسق ستخرج ..
وابتعد عنهن ليصدح صوت الموسيقى بينما هن ينتظرن أن يقف مكانه يعطي إشارة البدء ..
وبالفعل بدأن الرقص وهو يراقب بعينيه الحادتين ..
بينما يتمايلن أمامه كجسد واحد ..
*ماريا أخرجي ..
قال ذلك لتعلو شهقة الفتاة لكنها بالفعل خرجت من النسق بليونة دون أن تؤثر على أداء البقية ولم تكد تخرج حتى قال مجددا
*روز اخرجي ..
تبعتها روز على الفور لتقفا متعاطفتين مع بعض يراقبن أداء الرقصة والجميع عينيه على ريما ..
حتى أوار حبست أنفاسها وارتجف جسدها بخوف , تشعر وكأن قلبها أصبح بين قدميها وينبض في أذنيها فما أن سمعت صوته حتى قبل أن تتبين ما يقوله كانت قد انهارت أرضا فاقدة الوعي !
*أوار ..
صرخ باسمها ما أن رآها تميل بينما ذراعيها معلتقان للأعلى , وتمكن من الوصول لها قبل أن تقع على الأرض ..
ضرب خدها بخفة عدة ضربات
*أوار افتحي عينيك هل أنت بخير ..
للحظات فقط وفتحت عينيها ترفرف بهما لتجد نفسها بين ذراعيه وكفه على خدها بينما رأسها مستقر على فخذه ..
*هل أنت بخير ؟؟
سألها ما أن تأكد أن تنفسها أصبح منتظما فأومأت بنعم تكاد لا تفهم ما حصل لها
سألها بحزم
*ما الذي حصل كيف فقدت وعيك هل حصلت من قبل ؟؟
فتحت فمها وأغلقته عدة مرات فقال بحزم حان
*روز أحضري الماء ..
وبالفعل قفزت لتحضر الماء وريما اقتربت تسألها
*هل أنت بخير ؟
هزت أوار رأسها بنعم ..
ورفعت نفسها لتنهض عن فخذه الدافئ , وهمست ما أن وجدت صوتها
*لا شيء , لقد توترت حد الجنون ..
تناولت زجاج الماء من روز شاكرة لترشف منه عدة رشفات لتسمع صوت همام
*توقعت أنه كذلك وهذا ليس جيدا أوار ..
التفتت نحوه بقلق متخوفة ليكمل بلا مبالاة
*لقد كنت أنت وريما ورزان على نفس النسق وقد اخترتكن للأداء أمام اللجنة ..
سكت قليلا ينظر للفتيات حوله بتركيز
*إذا لم تتغلبي على توترك قبل وصول اللجنة سأختار لينا ببعض التدريب ستصبح ممتازة ..
ونهض عن جلسته يوجه كلامه لها
*ارتاحي بضعة دقائق ..
وصفق بيديه متجها للموسيقى فوقفت ريما ورزان ولينا في نفس النسق بينما روز وماريا جانبا قربها وأعاد تشغيل الموسيقى من جديد لتبدأن الرقص ..
وتركهن مقتربا من ماريا وروز يشير لهما بالاقتراب منه وقد جلس على كرة مطاطية متسامحا معهما
*لقد خرجتما تماما عن النسق لكن ذلك لا يعني الفشل في الواقع فقط وبالقليل من التركيز ستصبحن أفضل طالما اخترتن رقص الباليه عليكن أن تصبحن أنتن النغم, أشار لهما لغرفة زجاجية ملاصقة لغرفتهم الحالية
*ابدأن التدريب على حركة البجع وحدكما سأعود لكما قريبا ...
ابتعدتا , فأشار لأوار بالاقتراب , فنهضت مسرعة تتجه له ليسألها
*هل أنت متأكدة من قدرتك على المشاركة ..
وبلهفة هتفت
*نعم صدقني كان مجرد توتر ولن يتكرر ..
ابتسم لها يشير لها أن تنضم للنسق وانضمت بالفعل ..
ليقف يتأملهن للحظات وقد انسجمن بالفعل , لذلك ابتعد بخفة دون أن تنتبهن لخروجه متجها للغرفة الثانية مكملا تدريب الفتيات ..
أما هي فمجرد ابتسامته أعطتها دفعا للأمام مبعدة عنها التوتر لتتمايل وتقفز منسجمة مغمضة العينين لا تشعر بما حولها ولا حتى بتوقف الموسيقى وتوقف البنات وحتى همام يراقبها من خلال الزجاج وقد بدت كورقة تحركها النسمات وبالكاد تمس الأرض لتحلق مع نسمة أخرى من جديد ..
شعر بنبضة غادرة ضربت جدار صدره فأوجعته ..
مراقبتها كانت سحر ..
حتى تلك العقدة الصارمة التي انحلت لتطير متتابعة مع حركة رأسها وكأنها شلال وصل للحافة وبدأ يتدفق ..
لتقف ضاحكة وقد غطى وجهها تبعده عن عينيها لتقول شيئا ما ضحكن عليه , بينما ساعدتها ريما على جمعه مجددا أعلى رأسها , فانتبه لنفسه وقد انجذب لها أكثر مما يجب , فعاد لروز وماريا المنبهرات مثله بما حصل ليسمع صوت روز تهمس
*محظوظ عمار ..
وكأن كهرباء سرت على طول عموده الفقري من الاسم فتظاهر بأنه يعبث بشيء عله يفهم من عمار هذا لتقول ماريا
*انسي , أوار لن تفكر به أبدا , عمار مغرور وهي لا تطيقه ..
هزت روز كتفيها بلا مبالاة تحرك جسدها استعدادا للتدريب
*لكنه يفوز في كل مرة لا تنكري أنها خرجت معه عدة مرات رغم ممانعتها ..
*معك حق ..
همست ماريا ورفعت صوتها تكلم همام
*هل نعود للتدريب ..
بقي لعدة لحظات يحاول استيعاب ما سمعه , ليهز رأسها بنعم ويخرج من الغرفة متجها للاستراحة فهو الآن يحتاج فنجان قهوة داكن ومر بالطبع ..
إذن أوار تخرج مع أحدهم ..ويدعى عمار ..
إن كانت لا تطيقه فلم تخرج معه ..
رشف من القهوة بينما عقله يعمل ويعمل ..
لقد دخلت في دماغه هذه الفتاة ولن يسمح لها أن تهرب من محيطه ..
وعاد منظر شعرها يتراقص وكأنه أمام عينيه .. لحظة مد يده متوقعا أن يلمسه , كم بدا ناعما ..
قطب غاضبا .. إن هناك عمار ..
لا بأس منذ اليوم لن تجد مكانا حتى لنفسها في حياتها سيجتاحها ويحتل كل مكان منها حتى قلبها سيحتله ويجلس على عرشه ..
أوار تلك أواره ..
