الفصل الأول

359 26 36
                                    


الصمت هو اللقب الذي يطلق على الميناء في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؛ حيث يتسم بأن يكون خالياً بعد الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .

صوت عجلات حقيبة السفر ذات اللون الأبيض والزخارف الحمراء هو ما قطع سكون الميناء ، لترفع صاحبتها رأسها بثقة لا تليقُ بغيرها إلى سائق سيارة الأجرة الذي يبدو في أواخر العقد الرابع من عمره ، إذ ان الشيب الذي اكتسح شعره ، والتجاعيد التي احاطت عينيه ، وابتسامته النقية كنقاء زرقت عينيه جميعها امور منحته هاله من الراحة لكل من حوله وهذا سبب اختيار جميلتنا له ، لتقول له بابتسامة تنافس في نقائها ابتسامته بلكنة بريطانية بحته : شكرا لك يا عم على حمل امتعتي الثقيلة
لينظر لها بابتسامة قائلاً  : لا شكر بين الأب وابنته 
ويغادر بهدوء كما جاء .

لاحظ قبطان السفينة الوحيد في هذا الميناء وجودها لينزل إليها ليعرف مطلبها بعد أن لمعت عيناه بمكر شديد ، ولأن الجميلة الهادئة حذقة فقد لاحظت تلك النظرات والابتسامة الصفراء  ، لن تنكر انها شعرت بالخوف من نظراته الا انها لم تظهر هذا على ملامحها الفاتنة .

قال لها بنبرة غريبة فظة : سننطلق بعد دقائق أن كنت مهتمة ، وأود إعلامك أن لا سفينة أخرى هنا في هذه الساعة إلا سفينتي، فدعيني انقل امتعتكِ إذا أردتِ أن تشاركينا رحلتنا فأنا لا أريد تضييع وقتي إن سمحتِ يا آنسة .

نظرت للسفينة بضياع لجزء من الثانية ثم نظرت له بثقة عندما تذكرت والدها لتقول بهدوء عكس العاصفة التي بداخلها  :  اتمنى ان لا تُفسِد أحد الأغراض عند حملها فهي مهمة

ضحك ضحكة إستمتاع عند سماعِه لجملتها وقد فهم إهانتها له ويقول بخبث شديد : سنرى آنستي سنرى
لا تنكر خوفها منه فهو يبدو مختلاً لكن استُبدِل شعور الخوف بالاستغراب حين صعدت السفينة ووجدت على متنها اربعة أشخاصٍ فقط !!!
شابان أحدهما اشقر بعيونٍ زرقاء كزرقة سماء الريف في أحد أيام الربيع  وبشرةٍ بيضاء صافية كبشرة الاطفال ، يحاول السيطرة على طفلة صغيرة تبدو مشاكسة عكس ملامحها البريئة التي من حقها أن تخدعك بسهولة ، بعيونٍ خضراءَ واسعة وشعرٍ احمر اشعث إلا أنه شديد الجمال مع النمش على أعلى وجنتيها وانفها ، تحمل بيدها قطة بيضاء من النوع الشيرازي بعيونٍ خضراء كعيون صاحبتها .

أما الشاب الآخر فهو جذاب بشكلٍ لا يوصف حيث كان طويلاً أبيض البشرة ، وشعره اسودٌ فحمي يضاهي الليل في سواده ، أما عن عيناه فآهٍ من عيناه ذات النظرات العسلية أو ما تسمى باللوزية التي ترآها في بعض الأحيان خضراء يانعة وفي بعض الأحيان ترآها بلون العسل الذهبي محاطة بالرموش الكثيفة والطويلة !!!

أما بالنسبة للشخص الرابع فهي فتاةٌ شديدةُ الفتنة وعندما اقول فتنة اقصد ذلك الجمال الأسطوري بعيونها ذات اللون الازرق الداكن وشعرها الاسود الطويل الحريري وشفتين كرزيتين لوناً وشكلاً ، وبشرتها شديدة البيضاء كبياض الثلج أو ربما أكثر !!!

جميع الأنظار اتجهت إلى تلك الفتاة الغريبة التي صعدت على متن السفينة بعيون عسلية لوزية ناعسة تشبه عيني الفاتن الهادئ على متن هذه السفينة ، وشفتين ورديتين مكتنزتين صغيرتين كحباتِ توت لا يمل الإنسان من النظر إليها ، وانف شامخ صغير يليق بشموخ صاحبته ، أما أكثر ما لفت انتباه الجميع دون سواء ليس جمالها الفائق الذي جعل ذات الجمال الأسطوري تشعر بالغيرة منها بل هو قطعة قماش تضعها على رأسها ، نعم هي بالنسبة للبعض قطعة قماش أما بالنسبة لها فهي حجاب يعني الستر والطاعة والفخر والاعتزاز وغيرها الكثير من الأفكار التي لن يفهمها الكثيرون  !!

تنوعت المعاني التي تحملها تلك النظرات فتلك ذات الجمال الأسطوري كانت تنظر باستحقار واستعلاء وغيرة تحاول إخفائها ، أما صاحب النظرات الهادئة فكان ينظر بهدوء ، أما صاحب العيون الزرقاء كان ينظر باستغراب ، أما صاحبة الشعر الاشعث فكانت تنظر بانبهار شديد !!!

لم تبالي تلك الفاتنة بالنظرات الموجهة لها وهذا ما نال اعجاب بعضهم هنا فمنهم من ظهر هذا على تعابير وجهه ومنهم من استطاع إخفائها بحرفية ، واتخذت مكاناً لها على سطح هذه السفينة المشؤومة كما اسمتها في عقلها وجلست تنتظر القبطان لتعرف غرفتها حتى تعيد ترتيب أفكارها لوحدها .

قطع سكون السفينة صوت القبطان قائلا : سوف ننطلق الآن
تقدمت له بهدوء قائلة : اين غرفتي لو سمحت
نظر إليها قليلا ثم أردف بصوتٍ عالٍ ليسمعه الكل : جميع الغرف بالاسفل ، فل يختر كل واحدٍ منكم غرفة

حمل كل واحدٍ منهم امتعته الضرورية فقط وتركوا الباقي على سطح السفينة ، وذهبوا ليرتاحوا أو ليناموا في غرفهم .

فتح عيناه الذهبية ثم نظر إلى ساعة يده ، لينهض متذمراً لأن شروق الشمس قد فاته ثم ارتدى ملابسه وخرج إلى سطح السفينة ليستمتع بمنظر البحر في الصباح الباكر ، لكنه شعر بأن السفينة لا تتحرك لذا قرر أن يسأل القبطان عن خطب السفينة  ، وسار بخطاه الهادئه والواثقة لكنه توقف عندما رأى ......

ضياع | Lostحيث تعيش القصص. اكتشف الآن