كانت لحظةً عابرة، جزءً قصيرًا جدًّا من الزمن، ولكنها أشعرته أنه يعيش الدهر كلَّه، ذلك حينَ التقت عيناهما.
عسلٌ ذهبيٌّ التقى زرقةَ البحر.
–
كانَ واضحًا أنَّه يعيشُ حرارةً لا تطاق، تستطيع معرفة ذلك برؤية سترته المخلوعة والمرميَّةِ على كرسيٍّ خلفه، وخيوط أشعة الشمس المتسللة من النافذة المفتوحة، والفرن النافث لهبًا. في الحقيقة، تستطيع معرفة ذلك من قطرات العرق في جبينه فقط. ولكنَّ ذلك لم يعني كونه يعيش وقتًا عصيبًا، فقد كان يبتسم.
كسرت يده بيضتين معًا في آن واحد (واعْلَمْ أنَّها مهارةٌ يفخر بها)، ثمَّ نثرتْ قليلًا من مسحوق الخبز والفانيلا، بعض الطحين وإضافاتٍ منه. كان يعمل بتناسق تام، أمرٌ يوحي لكَ كيف أنَّه اعتاد على هذا المطبخ كما اعتاد المطبخ نفسه عليه.
بعد خلطِه للمزيج ووضعه له في حاويةٍ يغطيها القصدير، أدخله النار بعناية. عندها فقط وصله صوتُ مُدَرِّبِه ورئيسه في نفس الوقت مناديًا "يومارين!”، ما جعله يترك كعكته نازلًا السلالم الخشبيةَ للأسفل.
أعادَ كُمَّيه المطويين إلى وضعهما مُغطِّيًا يده قبل أن يرمي رئيسه نظرةَ تساؤل.ليجيبَه "الطلب المعتاد من سيِّدِ الفئران، طلب ت من أحد أطفال الحيِّ تذوقه بدلًا منك كونكَ مشغولًا، لذا لا تقلق".
قطبَ يومارين حاجبيه، لم تسكن في قلبه راحةٌ تجاه سيد الفئران ذاكَ ولا لأحدٍ من فئرانه، ولكنه أومأ مطيعًا مع شعورٍ بالمرارة بعد سماع موضوع التذوق، "من الغريبِ أن يطلبَ يومَ الثلاثاء، لم يسبق لي أن أحسستُ بوجوده في هذا العالم غيرَ يومِ السبت، نهاية الأسبوع"، عبَّرَ عن ريبته بينما يحمل سلَّةَ الكعك، واكتفى رئيسه بهزِّ كتفيه إجابةً على تلكَ الريبة.
"على أيَّةِ حال، لا أضمن لكَ وصولي قبل الغروب إلى هنا، قد أمرُّ بالـ"برج" في طريقي"، هزَّ الرئيس رأسه بينما تحركت قدماه إلى حيث المطبخ "أنتَ وبرجكَ المسحور ذاك" تمتم متذمِّرًا قبل أن يختفي ظلُّه من عيني يومارين.
–
كانَ يومًا مشغولًا كبقيَّةِ أيَّامِ منتصف الأسبوع في ريماقرارفان، مدينةُ الحياة. حيثُ ارتفعتِ الشمس في الأفقِ تعلو الناس وخطواتهم المبعثرةَ في كلِّ مكان، تعلو طيور النافذةِ، تعلو الشوراع والبيوت الصخريةَ التي شكِّلت كنصفِ دائرة، تعلو البرج الذي علا بدوره ما حوله.
لا يهمُّ في أيِّ مكانٍ توقفت خطواتكَ في ريماقرارفان، حتمًا ستقع عيناك عليه، ذلك البرج الشاهقَ ذا العشرة طوابق الذي توسَّطَ المدينة. هناكَ يقالُ أنَّه مطافُ هؤلاك الذين لم يعطوا ثقتهم، أولئك السُّذَّج.
كان برجًا ضخمًا، مختلفًا عن المباني الحجريَّة نصفِ الدائريَّةِ حوله، اسطوانيًّا مبنيًّا من الحجر الألمع، لا يقربه أحد. إلَّا الفضوليُّون وهم قليلٌ إلى شخص.
أنت تقرأ
أتعرف كيف تخبز كعكة؟ |
Fantasyكانت لحظةً عابرة، جزءً قصيرًا جدًّا من الزمن، ولكنها أشعرته أنه يعيش الدهر كلَّه، ذلك حينَ التقت عيناهما. عسلٌ ذهبيٌّ التقى زرقةَ البحر. -