( خلف الأبواب المغلقة الكثير من الحكايا ، بعضها مكرر وبعضها نظنه درباً من خيال ، كل ابن آدم خطاء ولكن من منا سيلحق بركب التوابين !! )
أغلق باب سيارته خلفه بانزعاج من ذلك السائق الغبي الذي يصر علي قيادة سيارة سيده .. هكذا هو جده علي الدوام يفرض سيطرته علي كل الأمور المحيطة به كما الأشخاص .. زفر بضيق وهو يرمق الأخير بنظرة اعتذار لما سيلاقيه حتماً من عقاب بسبب فعلته .. ولكنه يحتاج للبقاء بعيداً عن أجواء القصر الخانقة ، دوماً كان قصر جده الذي قضي فيه طفولته كحمل ثقيل يجثم فوق أنفاسه .. الا انه فور وفاة والده قرر تركه خلفه والبقاء بجوار والدته التي لم تتقبل تحكمات والد زوجها الراحل في حياتها كما أبنائها ، هو فقط من كان أجبن من مخالفة أوامر جده الصارمة عمار ،، أخاه الأصغر وسبب عودته القسرية .. ترقرقت الدموع في عينيه وهو يتذكر مشهداً لن ينساه ما حيا .. جثة أخاه المتفحمة راقداً أمامه بلا حراك علي أحدي طاولات المشرحة .. قبضتاه اعتصرتا مقود السيارة بقهر علي فقده .. ولكنه توقف فجأة مجفلاً وهو يشعر بذلك النصل البارد الذي لامس عنقه ،،،،
- " أسرع ، ولا تلتفت خلفك ، لو أصدرت صوتاً فقط سأنحر عنقك ولن أبالي صدقني "
اتسعتا عيناه بصدمة تداركها علي الفور وهو يقول بثبات بينما يحاول النظر لمهاجمته في مرآة السيارة الجانبية ،،،،
- " من أنتِ وماذا تريدين ؟ "
- " ششش تابع طريقك نحو الصحراء أنا فقط أريد محادثتك لا أكثر فلا تدفعني لتصرف أرعن قد يودي بحياة كلانا "
لم يستطيع التعرف علي مهاجمته بسبب الوشاح الذي تلف به وجهها الا من عينيها ، كما أن لكنتها الغريبة عن لكنة سكان بلدته لم تفوته بالطبع .. هو لا يخافها بكل تأكيد ولكنه قرر الإنصياع لرغبتها عله يفهم سبب ما تفعل رغم الخوف الذي لم يفته في نبرة صوتها .. الصمت كان رفيق طريقهما الوحيد الا من نظرات خاطفة اختلسها للمرآه من وقت لآخر .. توقف أخيراً ليقول بنفاذ صبر ،،،،
- " هل ستجيبيني الآن ؟ "
لم تنطق ولكنها أزاحت سكينها عن عنقه وقفزت برشاقة علي المقعد المجاور له .. تأمل عيناها الواسعتان مختلفتا اللون بتدقيق وبداخله يقسم أنه قد رأي تلك العينان من قبل .. أغمضت عيناها لوهلة وبيدها الحرة أزاحت طرف الوشاح عن وجهها بينما لازال سكينها مصوباً نحوه .. اتسعتا عيناه بصدمة ، انها هي ولكن كيف ؟ ظل يحدق بها وعيناه تتوحشان قبل أن يضرب يدها الممسكة بالسكين لتسقط أسفل مقعدها .. ارتجفت بفعل الصدمة وهي تميل بجسدها تبحث عنها ولكن جسدها تخشب وهي تسمع صوت سحب الرصاصة في ماسورة سلاحه .. رفعت عيناها نحوه وهي لازالت علي وضع جسدها المائل دون حراك .. أغلق السيارة أوتوماتيكياً ولازال سلاحه موجهاً نحوها وبصوت قوي هدر بها ،،،،
- " اعتدلي "
كالفأر الذي سقط بكامل أرادته في المصيدة لم تجد بداً من الإعتدال ومواجهة ذلك الغاضب .. كم يشبه أخاه ! ارتجفت رغماً عنها عندما قاطع تأملها المرتعب به وهو يقول ،،،،
- " أنتي رؤي أنا أعرفك جيداً ولكن كيف وبنفسي دفنت جثتك منذ أيام ؟ "
إحتضنت نفسها بخوف وهي تحرك رأسها بنفي سريع ودموعها تلتمع في مقلتيها بينما هو يتابع بغضب أعمي وهو يفتح باب السيارة ،،،
- " هيا للخارج "
وكأنها قد وجدت صوتها أخيراً ، تشبثت بمقبض الباب بجوارها لا إرادياً وهي تقول بخوف بينما تتلفت بعيناها في المكان حولهما ،،،،،
- " لا لا أرجوك قد تكون مراقب "
- " ماذا ؟ "
كان ذلك هو صوته الساخر قبل أن تستوقفه هاتفة بصدق استشعره ،،،،
- " أنا لا أعلم فيما فكرت انت ولكن اقسم لك ان ذلك الحادث لا دخل لي به "
تأملها بشك وهي تتابع شارحة ،،،،
- " لو كان لي يد في ذلك الحادث هل كنت لآتيك بنفسي وأحاول الحديث معك ؟ "
نظر لها باستهانة من أعلي رأسها لأخمص قدميها ،،،
- " لا أعلم فمن هي مثلك قد تفعل أي شئ لأجل المال "
لم تجبه ولكنها وقفت نصف وقفة وهي تميل بجسدها علي المقعد الخلفي الذي باتت فيه ليلتها السابقة متناولة حقيبة جلدية سوداء يلاحظها للمرة الأولي .. كان يطالعها بتساؤل سرعان ما أجابت عنه وهي تعود لجلستها السابقة فاتحة للحقيبة بثبات ظاهري ليطالع الحقيبة الممتلئة عن آخرها بالنقود .. عقله كان يدور في حلقات مفرغة إذا لم يكن المال هدفها فلماذا خاطرت بالحديث معه ؟ قاطع شروده صوتها الخافت ،،،
- " لو كنت أريد المال لما أتيتك عمر"
- " ماذا تريدين إذن ؟ "
نكست رأسها والدموع تعود سريعاً للتجمع في مقلتيها ثم همست برجاء ،،،
- " أريد هويتي "
ظهر التساؤل الحائر علي ملامحه المتغضنة فاستطردت ،،،،
- " أنا حالياً كالعنقاء التي تنتظر البعث من جديد ولكن أين الرماد ؟ "
لم يفهم معني كلماتها رغم سنون عمره التي تجاوزت الثلاثون لذا سألها بدون تفكير ،،
- " ماذا تعنين ؟ "
مدت يدها في الحقيبة لتخرج له هوية تحمل صورتها ولكن بإسم مغاير لما رآه علي عقد الزواج الذي حضره بنفسه وهي تقول بحنان لم يغفله ،،،،
- " تلك كانت احدي خادمات القصر ، فتاة في مثل عمري وكذلك هيئتي الظاهرية وإذا أردت أن تعرف البقية فرجاءاً اسمح لي بذلك فوذرها يثقل عاتقي "
لم يشعر بنفسه أمام كلماتها ونبرتها تلك الا وهو يومئ برأسه ايجاباً و يعيد سلاحه لموضعه
ابتسمت شاكرة قبل أن تسرح بمقلتيها في البعيد وتبدأ في الحديث ،،،،
- " انا فتاة عادية مات والدها مؤخراً بعد أن أنهت عامها الأخير في الجامعة ، كالكثيرات من بنات جيلي البائس لم أجد عملاً لألتحق به فبقيت في المنزل وحيدة أصرف من معاش والدي البسيط ، كانت لي جارة في نفس عمري سافرت منذ سنتان برفقة زوجها الذي يعمل في إحدي الدول العربية .. جميع فتايات الحي الفقير الذي أسكن به كانوا يحسدونها علي ما آلت اليه أمورها .. لأفاجأ بها تتصل بي لمواساتي علي فقدي وتدعوني للعمل برفقتها في الخارج "
كان يتابع حديثها بصمت مطبق الا ان عيناه كانتا تتفحصانها بتدقيق عله يتأكد من صدق حديثها وللعجب قد فعل .. ولكن استوقفه سؤال جعله موضع الطرح قائلاً ،،،
- " ولكن الزيارة لأقارب الدرجة الأولي فكيف ؟ "
ابتسامة ساخرة شقت ملامحها وهي تجيبه بخفوت ،،،
- " لقد ذهبت بدعوي من رب العمل نفسه وهو يحمل جنسية البلد لذا ... "
وتركت جملتها معلقة ليومئ بتفهم وهو يقول بفضول لم يحاول اخفاؤه ،،،
- " وماذا حدث "
- " بعثت لي بشاب ساعدني في انهاء اجرائات السفر، حتي تذكرة سفري لم ينساها ، بالطبع لم تفتني نظراته ولكني توقعت ان تكون مجرد نظرات اعجاب شاب بفتاة ، سافرت ليستقبلني رب عملها كما أخبرتني سابقاً لانهاء بعض المعاملات الخاصة بالمطار ، طلبت منه مهاتفتها وفعل بالطبع حتي أطمئن .. اصطحبني لمنزل كبير لأقابلها ولكني فوجئت بها تخبرني بلا مبالاه بأن من تزوجها كان عضواً في جماعة تعمل في الدعارة .. وبمجرد وصولهما طلقها وتركها في عهدتهم ، تخبرني عن الرفاهية التي تعيش بها الآن ورغبتها في انضمامي لها "
اتسعت عيناه بصدمة ولكنها لم تنتبه لصدمته وهي تتابع ،،،،
- " بالطبع رفضت وقررت الانصراف والإلتجاء لسفارة بلدي ، الا انني فوجئت به يلوح أمامي بثبات بورقة كانت صك عبوديتي الذي وضعت عليه امضائي بحماس وأنا أظنه مجرد إجراء للسفر، والذي ينص علي أن ذلك البغيض هو كفيلي ولا يحق لي التصرف دون الرجوع اليه ، بكيت وتوسلت وامتنعت عن الطعام الا ان كل ذلك لم يردعه .. حتي أتي يوم وجدت ذلك المقيت يستدعيني ، لم يكن الرفض رفاهية لمثلي فساقني أحد رجاله كالشاه نحو بهو محبسي الكبير لأجد شاباً يقاربك شبهاً ينتظرني بصحبته "
قبض علي كفها المتوسد حجرها بانفعال لم يقصده قائلاً بغير تصديق ،،،
- " اتعنين ان أخي كان يتردد علي أماكن كتلك ؟ "
ايماءة تبعتها بابتسامة ساخرة وهي تستطرد وقد عادت لذكري أول لقاء جمعها بعمار ،،،،،
فلاش باك
دلفت للغرفة بعد دفع ذلك البغيض لها بنية الإعتراض تماماً ككل مرة .. طالعت نخاسها يجلس بأريحية وأمامه جلس شاباً في نهاية العشرينات علي ما يبدو ولكن علامات البذخ والثراء ظاهرة عليه بلا التباس .. احتضنت نفسها لا إرادياً تواري تلك القشعريرة التي دبت في جسدها ، كان يتأملها بغرور فطري و أريحية مغيظة قبل أن يشير لنخاسها بالإنسحاب ، وكذلك فعل !
انكمشت علي نفسها متراجعة حتي التصقت بباب الغرفة الموصد خلفها عندما ترك جلسته وبدأ في التقدم منها كفهد يهم بالانقضاض علي فريسته .. ابتلعت ريقها بخوف ودموعها تنساب علي وجهها لتقول بصوت متحشرج من أثر البكاء ،،،،
- " أ أرجوك سيدي أعدني لبلدي ، اعتبرني اختك هل تقبل أن يمسها رجل لا تحل له ؟ "
رفع احدي حاجبيه من جرأتها ولكنه قرر التسلية قليلاً وهو يقول بصوت خافت بينما يميل بجسده عليها وكأنه يخبرها سراً ،،،،
- " ولكني لا أخت لي "
- " أرجوك "
رجائها الباكي وذراعاها الملتفان حول جسدها بحمائية جعله يسألها بشك ،،،
- " هل تعنين انكِ بتول ؟ "
أومأت برأسها بسرعة رغم حمرة الخجل التي لم تخطئها عيناه الخبيرتان ليتفحصها بصمت لدقائق قبل أن يقول فجأة ،،،
- " أتقبلين الزواج مني ؟ "
فرغت فاها ببلاهه وهي تتأمل ملامحه الصارمة القريبة جداً منها لتقول بغير تصديق ،،،
- " م ماذا ؟ "
إلتفت وهو يشيح بيده قائلاً بسيطرة ذكورية ،،،
- " أنا ألقي بعرضي مرة واحدة أما القبول وإما ... "
ثم التف ليواجهها وهو يقول مشيراً بسبابته نحو باب الغرفة خلفها ،،،
- " واما اتركك له ، القرار قرارك وأمامك دقيقة واحدة للرد "
هل يمزح ؟ أيخيرها بين الزواج من فارس خرج من أحد كتب الأساطير وبين حياة الظلام تلك "
أومأت فرحة ايجاباً دون رد ، غير واعية لتلك النظرة الظافرة التي ارتسمت علي محياه ،، متناسية تماماً سؤالاً كان يجب أن تطرحه علي نفسها .. ما الذي يدفع شاب كامل المواصفات كذاك لعلاقات مشبوهة كتلك !!!!
قاطع ذكرياتها صوته وهويقول بفخر لم تخطؤه أذناها ،،،
- " اذن لقد أنقذك أخي من نهاية مأساوية مؤكدة "
ثم شرد وهو يتذكر كلمات أخاه عنها يوم عقد قرانهما الذي لم يحضره سواه ومدير أعماله و صديقان له كشهود .. يومها سأله بجدية ان كانت تلك احدي نوبات تمرده علي جده ولكنه نفي بصرامة وهو يؤكد له انه يود أن يبدأ في تأسيس حياة مستقرة وان من هم في مثل عمره لهم الكثير من الأبناء .. وقتها لم يجد بداً من دعم أخيه الذي يعلم جدياً ما قد عاناه مع رجلاً بجلافة جده ومشاعره الثلجية التي طالما مقتها ،،،
قاطعته بابتسامة ساخرة ،،،،
- " لا تتأمل كثيراً عزيزي فكم من جلاد رسم ببراعة دور الضحية "
عقد بين حاجبيه بشك وهو يقول ،،،
- " ماذا تعنين ؟ "
- " ستعرف "
ثم استطردت ،،،
- " بعد ان انصرف الجميع قبض علي يدي بعنف أجفلني وهو يسحبني لخارج المنزل ، تحديداً نحو غرفة ملحقة بحديقة القصر .. تأملت المكان حولي بصعوبة مع تلك الإضائة الحمراء الخافتة .. غرفة كبيرة جدرانها سوداء ودرجة المكيف بها كانت ادني من المعتاد .. أو الرعب الذي دب بأوصالي وأنا أتأمل محتويات الغرفة كان السبب ! "
متي ستكف تلك المرأة عن اطلاق الألغاز ، هكذا فكر ولكن الإجابة الصاعقة كانت أسرع مما توقع عندما وصله صوتها المرتجف وكأنها تذكرت شعورها السابق ،،،،،
- " وقتها عرفت ان فارسي المغوار ما هو الا رجلاً مريض ، سادي النزعة ، بني تلك الغرفة ذات الجدران الكاتمة للصوت وملأها بأدوات تحقق له متعته الجسدية المتطرفة ، وعندما سألته بخوف بعد ليلتنا الأولي الدامية لماذا اخترتني ، أجابني ببرود بانني كنت فرصته للتمرد علي جده واخماد الشائعات التي تناثرت حول كونه لا يقرب النساء ولم يعرف أحد بعلاقاته كأمثاله من نجوم المجتمع المخملي "
عيناه استحالتا للون الأحمر تزامناً مع جحوظهما الواضح من شدة الانفعال الا انه لم يستطيع ان ينكر اطمئنانه علي حال اخيه عندما علم بإقباله علي الزواج رغم سرعته وقد لاحظ عليه العديد من الأعراض التي تغاضي عنها .. فتلك الحادثة التي شهدها بنفسه في مراهقتهما لن ينساها ما حيا .. حينها رأي أخاه يخنق احدي القطط مستمتعاً بصوت موائها المستغيث بينما عيناه تلتمعان بنظرة أثارت الرعب في نفسه ، عدم شعوره بالذنب أو تأنيب الضمير علي أخطاؤه ، حبه للسيطرة ووسوسته القهرية بالنظافة والتنظيم ، معاملته السيئة لخدم القصر أمام الآخرين وتعمد تهديدهم ، كل تلك اللمحات من الماضي كانت تتتابع في عقله دون هوادة ، نعم شك في طبيعة أخيه العنيفة ،الا انه لم يتوقع ان يصل الأمر لتلك الدرجة .. إعتصر عيناه بغضب أعمي وهو يعي للتو أنه وللأسف يصدقها .. قطع صمته وهو يقول بصوت لا حياة فيه ،،،،
- " تابعي "
إستندت برأسها علي المقعد مغمضة العينان بينما يصله صوتها وكأنه قادم من واد سحيق ،،،،
- " لاحظت أن صراخي كان فيه متعته المتطرفة لذا ليتوقف عما يفعل حرمته منه ، كنت اتعاطي مخدراً قبل الذهاب معه للغرفة كي لا أشعر بما يفعله بي .. وقتها كان ينفعل ويتمادي في تصرفاته المريضة حتي انني كنت اخرج من الغرفة دامية الجسد "
- " وماذا عن وجهك لم الاحظ عليه أيه علامات للتعذيب "
أومأت ايجاباً وهي تجيبه بموضوعية ،،،
- " لكي لا يعرف أحد ما يفعله بي "
أومأ لها بصمت قبل ان يقول ،،،
- " وماذا فعل عندما لم يجد عفواً متعته معك ؟ "
حركت كتفيها بلا مبالاه ،،،
- " لم يعد يقربني وكم كنت ممتنة لذلك خاصة واني زوجته ببلد غريب ، له فيها نفوذ وعلاقات كما انه ابن من ابنائها اما انا فلا .. لذا لن ينقذني احد أو يستمع لي "
رغم ضيقه الواضح من استسلامها ، خضوعها الا انه اومأ بصمت ولكنها قرأت سؤاله في عينيه فاستطردت ،،،،
- " كان يحضر العديد من النساء ويخبرني باستمتاع انني لست بامرأة ترضيه كما يفعلن ،، لم ابالي ، بل في الواقع كنت أشعر فقط بالإشفاق علي من تقع بين براثنه ، حتي أختفي فجأة يومان كاملان دون أي خبر عنه .. لن انكر راحتي لغيابه الا ان ما حدث بعدها كان المفاجأة "
عادت بذاكرتها لذلك اليوم الذي نالت فيه حريتها وخسرت هويتها ،،،،
فتح باب الغرفة دون طرق ، توقعته زوجها الذي لا يهتم بالذوق ولا قواعده لتفاجأ بمدير أعماله .. همت بتوبيخه علي فعلته الا انه اقترب وإمارات التوتر بادية علي ملامحه بينما يقول ،،،،
- " اتركي كل شئ الآن سيدي وجد قتيلاً ووحدك ستكونين المدانة لذا "
ثم وضع شنطة جلدية سوداء علي الطاولة أمامها وهو يفتحها قائلاً أمام نظراتها الذاهلة ،،،،
- " خذي تلك النقود وكذلك تلك الهوية وجواز السفر وعودي لبلدتك الآن "
بأنامل مرتعشة طالعت صورتها علي جواز سفر بإسم ليس لها ولكن مهلاً .. اذاك هو اسم الفتاة العاملة في القصر .. همت بسؤاله ولكنه دفعها لخارج الغرفة مقاطعاً تساؤلاتها .. وبعد ان ابتعدت عن المنزل لمحت الحريق المهيب الذي شب في غرفة الإعدام خاصته ،،،
الصمت كان جوابها بعد ان عادت من ذكرياتها بينما الصدمة التي توسدت ملامحه بأريحية وصدره كان يعلو ويهبط وكأنه في احدي سباقات العدو لفترة قبل ان يقول بصوت لاهث ،،،،
- " ه هل تعنين ان نايف هو من قام بتلك الفعلة ليتخلص منه ، ولكن لما وقد كان دوماً خادمه المطيع "
ثم ضرب رأسه براحة يده وهو يتذكر طلب الأخير بالإبتعاد وقد فقد رب عمله الذي لن يعمل مع سواه .. لقد اختفي منذ تلك الليلة ولم يعد بعدها لذا قال بانفعال ،،،،
- " وماذا سنفعل كيف سنعيد رمادك يا سيدة عنقاء وقد اختفي ذلك اللعين "
التمعت عيناها باصرار وهي تقول ،،،
- " ولكن تسجيلات الغرفة لن تختفي فلا يعلم بأمرها غير اخاك الذي لم يكن يوماً ليمنح ثقته الكاملة لشخص "
قبض علي ذراعيها بانفعال وهو يقول بغضب لم يستطيع كبحه ،،،،
- " هل تعنين ان اخي كان يصور تلك الأفعال المشينة "
أخفضت رأسها وهي تحركه ايجاباً دون كلمات فاستطرد بتساؤل ،،،،
- " طالما أخي لا يثق بأحد فكيف عرفت انت بموضوع التسجيلات "
رفعت عيناها الغريبتان نحوه بإصرار قبل أن تقول بتأكيد ،،،،
- " لاحظت انه بعد نومي يتسلل من الغرفة والقصرغارقاً في سكون قاطنيه لذا تتبعته لتلك الغرفة تحت السلم والتي لا يدخلها سواه ، أما مفتاحها فستجده في سلسلة مفاتيحه التي لم تكن لتفارقه "
هدر من بين اسنانه ،،،
- " اولا تعلمين انها قد ذابت بفعل النيران تلك الليلة ! "
- " ولكنك تستطيع كسرها ان أردت "
إجابتها السريعة والواثقة جعلته يطالعها بغموض قبل ان يرفع هاتفه ويطلب رقم ما وبعد ان انهي الاتصال التفت لها وهو يقول بإرهاق لم تغفله ،،،،
- " سننتظر هنا للمساء وسيقابلنا عامل النجارة حينها عند باب القصر الخلفي "
***
وقفا أمام باب الغرفة المفتوح بعد انصراف العامل بتردد .. يناظران بعضهما البعض ثم يحيدا بنظراتهما نحو الغرفة التي فور اضاءة مصباحها ظهرت لهم العديد من الأجهزة وشاشة ضخمة معلقة فوقها علي الحائط .. ابتلعت ريقها ولكنها حسمت أمرها قاطعة ترددهما معا وهي تدلف للغرفة التي أغلقها عمر خلفهم بهدوء .. كان يتأمل ظهرها وهي تعبث بأناملها برشاقة علي جهاز الحاسوب المتصل بالشاشة ليقول بدهشة ،،،
- " كيف عرفتي استخدام تلك الأشياء "
ابتسمت له لأول مرة رغم ما يعتمل بنفسها ابتسامة صادقة وهي تقول ،،،
- " أنا خريجة حاسبات ومعلومات عمر ليس بالأمر الجلل "
انهت ما تفعل وهي تبتعد ممسكة بجهاز التحكم عن بعد حتي توقفت فجأة وهي تطالع التاريخ في أعلي الشاشة لتقول بحماس ،،،،
- " هذا هو تاريخ الحادث "
بدأت في تسريع اللقطات حتي لمحت باب الغرفة يفتح ويدلف منه زوجها برفقة سيدة يبدو من هيئتها انها من سيدات المجتمع المخملي .. لم تعي للصدمة التي ارتسمت علي ملامح الأخير وهو يتأكد من هوية المرأة ليصرخ قائلاً ،،،،
- " انها زوجة أشهر رجال الأعمال الذين نتعامل معهم "
أومأت بصمت وهي تحاول تدارك حرجها والمشاهد المشينة تتتابع أمامهما علي الشاشة ، وكلما ازداد ارتفاع حاجبي عمر مما يفعله اخاه زاد تورد وجنتاها ولكنها لا تملك حقاً رفاهية الخجل في تلك اللحظة .. لذا توقفت عندما شاهدت المرأة تدفعه عنها بعنف وهو مصر علي تقييدها .. صراعات من طرفان انهتها هي وهي تسحب أحد الأسياخ الحديدية وتغرزه بعنف في صدره .. الصدمة المرتسمة علي وجهها وهي تنقل بصرها بين جثته وبين سلاح جريمتها الذي ألقته بخوف وهي تجلس القرفصاء ملتصقة بأحد الجدران تنتفض رعباً ولا يستر جسدها شئ .. بعد فترة هدأت قليلاً لتزحف علي ركبتيها حتي وصلت لحقيبتها لتسحب هاتفها منها وتطلب رقماً ما متحدثة باقتضاب قبل ان تنهيه وتعيد ارتداء ملابسها .. دقائق ودلف من توقعا تماماً ،،، نايف ، حديث قصير تبعه خروج المرأة راكضة ونايف يغلق باب الغرفة وكأن شيئاً لم يكن .. ساعات طول تلتها حتي توقفت عن تسريع الأحداث وهي تلاحظ دلوفه ساحباً تلك المسكين التي شهقت وهي تلتفت تداري وجهها بين راحتيها عندما طالعت سيدها المضرج بدمائه وقبل ان تزيح يديها كانت رصاصة غادرة من سلاح نايف الكاتم للصوت تستقر في صدرها .. لتسقط صريعة بجوار سيدها .. ألقي سلاحه بجوارها وأخذ في نثر السائل سريع الإشتعال ثم تلاه بعود ثقاب أنهي ما بدأه به والتفت مغادراً ،،،،،
***
بعد أيام
خرجا من المخفر بعد الإطلاع علي التسجيلات و انتهاء التحقيقات الخاصة بالقضية وقد تم القبض علي السيدة ، ووعد الضابط المسؤول بالوصول لنايف بعد ان علموا بمغادرته للبلاد .. التفتت له بعيناها المتباينتا اللون ترمقه بنظرة امتنان لا يعرف هل من حقه بعد ما فعله أخاه أن يسعد بها ولكنه بادلها الابتسام علي ايه حال وهو يقول ،،،،
- " ما خطتك الآن رؤي "
ترقرقت الدموع في مقلتيها وهي تنظر لجواز سفرها الذي تحصلت عليه أخيراً بعد ان أهدت تلك المسكينة السلام في مرقدها لتقول ،،،،
- " سأعود لوطني "
بلهفة لم يعرف سببها هتف بينما عيناه تتأملان الراحة البادية أخيراً علي ملامحها المرهقة ،،،،
- " تستطيعين العمل معي ان أردت "
حركت رأسها نفياً وقد اتسعت بسمتها لتشمل وجهها كله ،،،،
- " لا عمر ، لقد تعلمت الدرس هذه المرة ولن أكرر أخطائي ، أن أجوع في أمان بلدي لأهون علي من أن أعيش بلا حقوق في بلد غريب "
مد يده منتوياً السلام عليها فقبضت عليها بامتنان ،،،،
- " أشكرك عمر لأنك أهديتني الرماد الذي سأنبعث منه بعد طول رقاد "
رد لها ابتسامتها بأخري وهو يقول بينما يشد علي يدها ،،،،
- " بل أنا من أشكرك يا عنقاء نفضت عني رماد تدثرت به لسنوات طوال "
همت بايقاف سيارة أجرة ولكنه لم يمهلها وهو يقول ،،،
- " سأقلك الي المطار "
إستوقفته باشارة من يدها وهي تجيبه ولازالت محتفظة بابتسامتها ،،
- " لا "
عقد بين حاجبيه باستفسار أجابت عنه علي الفور بخجل فطري أصبح لها كامل الحرية في التمتع به أخيراً ،،،
- " شكراً علي التذكرة ولكني لا أحب لحظات الفراق لذا ... "
ثم استوقفت سيارة اجرة لمحتها بينما تحادثه .. فتحت باب المقعد الخلفي وقبل أن تجلس التفتت له تستكمل جملتها المعلقة ،،،،،
- " الي اللقاء عمر "
وبدون انتظار رده كانت تحتل المقعد خلف السائق ، غافلة عن نظراته التي تشيعها بأمل هامساً ،،،،
- " الي اللقاء قريباً جداً سيدتي العنقاء "
![](https://img.wattpad.com/cover/130614127-288-k429444.jpg)