بعيدًا عن صخبِ المدينة وازدحامِها
قريةٌ صغيرة تُطل على البحر، ويعيش سكانها بين أكناف أمواجه
فيكون نسيمُ البحر أولَ ما تستنشقه رِئتا المولود، ويتعلم اﻷطفال السباحةَ قبل المسير، ويغدو قدَرهم أن يصبحوا صيادين عند بلوغِ سن السادسة عشر.تحت سقف إحدى بيوت تلك القرية طفلٌ كبر وصيادٌ جديد على وشك أن يولد.
"محمد بنيّ قُم أدِّ صلاة الفجر، بنيّ إذا لم تنهض اﻵن ستفوتك صلاة الجماعة"
قالت اﻷم بشيءٍ من القلق وهي تهزُّ ابنها محاولةً إيقاظه
نهض الفتى وبدأ يفرُك عينيه
"إنَّه اليوم، أليس كذلك؟"
سأل الفتى بعينين تبرقان حماسةً، فأومأت اﻷم باﻹيجاب مع ابتسامةٍ حانيةقفز الفتى من سريره وتوضَّأ استعدادًا للصلاة، ثم استبدل ثيابه وارتدى ثياب الصيادين من بنطالٍ واسع وسترة وقبعة تقي أشعة الشمس
"هل أنت مستعد؟"
قال اﻷب يرمق ابنه بنظرةِ تحدٍ
"تمام الاستعداد"
أجاب الفتى بابتسامةٍ تشق وجهه
"هل جهزتِ معدات الصيد؟"
سأل الرجل امرأته
"لقد فعلتُ عزيزي مسعد"
أجابت امرأته مع ابتسامة عذبة، فابتسم مسعد ثم خرج من المنزل.توجه محمدٌ نحو والدتِه وعانقها
"أدعو الله أن تبليَ حسنًا"
قالت الأم تربت على ظهر ابنها
فابتسم لها محمدٌ وقبَّل يدها، ثم تَبِع والده الذي خرج قاصدًا المسجد بغيةَ تأديةِ الصلاة
"أنظروا لقد أتى الصياد الجديد محمدٌ بن مسعد"
قال أحدُ الرجال مشيرًا لمحمد
"أحقًا؟ لقد كبر ابنك يا مسعد"
خاطب رجلٌ آخر والد محمد
"دعونا من التباهي ولنسرع بالمسير؛ حتى لا تفوتنا الصلاة"
قال مسعد موسعًا خطواته حتى وصل المسجد
***
"السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته"
قال اﻹمام وهو يلف عُنقه نحو كتِفه اﻷيسر، فتَبعه المصلُّون، ثم بدأ الجميعُ بترديد أذكار ما بعد الصلاة حتى فرغوا منها، وقاموا قاصدين البحر؛ حتى يبدءوا عملهم باصطياد اﻷسماك.
"اتبعني يا محمد، أعرف مكانًا جيدًا للصيد"
خاطب مسعدٌ ابنه مشيرٍا له بأن يتبعه، فامتثل محمدٌ
وصل محمدٌ ومسعد لجزءٍ هادئٍ من البحر، لا يعكِّر هدوءه أي أمواجٍ عاتية
فصعد كلاهما للقارب، ثم أبحرا نحو عرض البحر
لم يكن مسعد صيادًا واسع الرزق مع أنه كان يتضرع إلى الله يومياً حتى يوسع في رزقه."سأستعمل السنارة، واستعمل أنت الشبكة، إنها أسهلُ في الاستخدام بالنسبةِ لصياد جديد"
قال مسعدٌ مناولًا ابنه الشبكة، فأمسكها الفتى وتهيأ لبدء الصيد، وألقى بالشبكة في البحر، ثم همس بكلماتٍ استثارت اهتمام مسعد على الرغم من أنه لم يتمكن من تفسيرها
ألقى مسعدٌ سنارته بعد أن وضع بها طعمًا، ثم انتظر كلاهما سويةً، فالصيد مهنةٌ تستلزم الصبر.
***
بعد حين بدأت شبكة محمدٍ تُسحب ﻷسفل، فسارع بسحبها خارج الماء ليجد اﻷسماك تتقافز بها تطلب العودة للماء
عندها أمسك محمدٌ باﻷسماك وبدأ يضعها بوعاءٍ يحوي ثلجًا الواحدةَ تِلوَ اﻷخرى، ثم أعاد إلقاء شبكته مرةً ثانية
"لقد أحسنتُ تدريبك بالفعل!"
مدح مسعدٌ ابنه بابتسامةِ إعجاب
"إنَّما هذا من فضل الله، يليه تدريبك يا أبي"
قال محمدٌ في أدب
"ويبدو أن أمك أحسنت تربيتك أيضًا"
علق مسعدٌ والضحكةُ تشق وجهه، فابتسم محمدٌ وعاد كلاهما للصمت ينتظران اﻷسماك أن تقترب من قاربهما.
أنت تقرأ
خير بداية
Short Storyأحيانًا تنتهي أمورُ ومشاريعُ حياتنا بنهايةٍ غير مستحبة ولا نعلمُ ما السبب الذي جعلها تصل لهكذا نهاية من يعلم...ربَّما تكون البداية في حد ذاتها خاطئة! لكل من يعاني من النهايات الغير مستحبة هذه قصتي لخيرِ بدايةٍ لكل أمرٍ ومشروع شكرًا لمعلمة اللغة الع...