جلس نادر على الأرض الخضراء الممتده على طول النهر ليذاكر دروسه، لا يقطع سكون المكان سوى اصوت أمواج الماء المرتطمه وقد أَمِل في ذلك أنه سيساعده على انجاز فروضه.
لكن وأثناء قيامه بحل الواجب أخطأ في إحدى المسائل لذا قطع الصفحه التي كان يكتب فيها وقرر أن يبدأ من جديد ولما لم يجد بالقرب منه سلة مهملات قرر إلقاء الورقه المكوره في يده إلى النهر.
وبعد ذلك عاد نادر من جديد إلى مزاكرته لكنه شعر كأن هناك شخصًا ما بالقرب منه، رفع وجهه من الكتاب لينظر إلى الجالس بجواره، رجل عجوز غذا الشيب شعره وإحتلت التجاعيد تقاسيم وجهه، وكان يبدو على العجوز الحكمه والوقار، أما نادر فكان يعلو وجهه الإستنكار، فسأل نادر العجوز، من أنت؟، ومتى أتيت إلى هنا؟، لم أشعر بك وانت تجلس بجواري!!
لكن العجوز تجاهل نادر بأسئلته وبدأ يتحدث وهو ينظر للسماء قائلًا:
في أحد الأزمنة العابرة، كانت توجد قرية غنية، تسمى "قرية الماء"، كانت مزينة بالأشجار، والنخيل، والأزهار، فكان جميع من يزورها يتهلل قلبه فرحًا لجمال منظرها وروعتة، كما لم يكن يخفى على أحد سبب غنى القرية و إنتشار الخضرة فيها.صمت العجوز لبرهه ثم باغت نادر بسؤال هل تعرف السبب يا نادر؟
تعجب نادر كيف عرف العجوز إسمه، كما أنه لم يسمع عن قرية الماء تلك من قبل، لذا فهو لا يعرف السبب.
عندما لمح العجوز الجهل في وجه نادر أكمل حديثه قائلًا : السبب هو نهر الحياه، ذلك المورد المائي الذي أمده الله لأهل القريه كي يستخدموه لما ينفعهم. وبسببه أيضًا عرفت تلك القرية بقرية الماء.ثم تابع العجوز :
كان أهل القريه يستخدمون مياه النهر في شتى النواحي بشكل سليم: الشرب، اعداد الطعام، النظافه، كما كانوا يصطادون منه السمك ليبيعونه أو ليأكلونه و أيضًا إستخدموه كوسيله للنقل فقد قام أهل القرية بصنع السفن للسفر إلى البلدان المجاوره عن طريق النهر فهو أسهل وأرخص..لكن، تغير الوضع فجأه! قالها العجوز بملامح جاده وحدقتاه متسعتان على آخرهما كأنه متفاجئ . ثم تابع:
لقد أصبح النهر سلة نفايات ضخمة، حيث أن بعض من أهل القرية الكسالى كانوا يرمون قمامتهم في النهر وذلك أدى إلى تلوث المياه بشدة ، كما كانوا يسرفون في إستخدام المياه، ويهدرونها بلا سبب.
وكل ذلك أدى إلى تحول نهر الحياه من منبع للماء يجلب الخير للقريه إلى سلة نفايات ضخمه، فأصبح أهل القرية غير قادرين على إستخدام مياه النهر في أي شئ فالمياه ملوثه لا تصلح للشرب ولا لاعداد الطعام ولا حتى للنظافه فقد يمرض أحدهم لو إستخدمها، كما أن الأسماك الصغيره هاجرت النهر هي الأخرى وذلك لإنها لا يمكن أن تحيا في مياهٍ ملوثه،
حتى الأشخاص الذين كانوا يفضلون السفر عن طريق النهر أصبحوا يسافرون عبر الطائرات والسيارات، فرائحة النهر أصبحت كريهه للغايه ولم يتحملها أحد.قل لي يا نادر هل من الصعب على المرء أن يحافظ على مصدره الوحيد للشرب ؟؟ أقصد تخيل معي أنك الآن في الصحراء وليس معك سوى قارورة مياه واحده، ؟ هل من المعقول أن تلقي بداخلها القاذورات؟ هل من المعقول أن تهدرها أو أن تلقي بها بعيدًا؟ أجبني يا نادر لماذا تظل على صمتك؟!
أجابه نادر لقد فهمت من أنت أيها العجوز أنت ملاك النيل الحارس! إنك تنصح الأطفال الصغار ألا يهدروا الماء وألا يلوثوه لإنه مصدرنا الوحيد للعيش؟ أليس كذلك ؟!
تبسم العجوز وقال بلى إنه كذلك، لكنك لم تجبني هل من المعقول أن تلقي بداخل قارورتك الوحيده قاذورات؟
بالطبع لا ليس من المعقول. ثم قال بصوتٍ عالٍ وكله عزيمه: من الآن سأحافظ على المياه ولن أهدرها، كما أنني لن ألقي القمامه في الماء بعد اليوم.
النهايه...