في مكان ما وزمان آخر غير هذا الزمن شهدت اعظم قصة تحمل في طياتها معنى البر الحقيقي ,تبدأ قصتنا في منزل متوسط الحجم وليلة كاحلة الظلام... بدأ يعلو صوت صهيل الاحصنة يصحبه صراخ إمرأة متألمة تان بألم وكأنها تصارع في معركة خاسرة لا محاله ,...وأب يخرج في فزع ولهفة باحثا عن من يقله ليجد طبيبا لينقذ حبيبته وزوجته ونصف روحه التي لطالما عاهدها الحب والوفاء منذ ان وقع قلبه اسيرا في عشق عيناها ...كانت تنازع آلام المخاض لتضع مولودها الاول ,.. كم كان مشهد بالغ العظمة حين نرى أُماً تتألم وكان عظامها تعاني لتتحمل ولكنها بدلا من ان تناجي ربها ليرحمها من معانتها تدعو لطفلها ان يأتي الى الدنيا سالما حتى تشعر بنبضاته ولو للحظة ....مرت عدة دقائق ليعود الأب بالطبيب الى منزله الذي اتشح بالصمت القاتل... ,ركض الأب كالمجنون الى زوجته ليجدها شاحبة ,باردة, مغمضة العينين وما هي إلا لحظات حتى أعلن الطبيب عن وفاة رفيقة حياته ومحبوبته وصعود روحها الى خالقها .....ولكن لحظه ,, بدأ يعلو صوت صراخ طفل بالبكاء , انه ذاك الرضيع القاتل في نظر الأب فلماذا يحيا هو وتموت هي ؟؟انه مجرد قاتل شرير ، شيطان رضيع اخذ من بين يده اعز واخر ما كان يملك في تلك الحياة ... كان ينظر له والنيران تشتعل بداخله ... ماتت غاليته ...ذهب حب حياته ...
مرت الأيام وبدأ الرضيع يعلن عن حاجته للطعام بصراخ حاد ومؤلم لمن يسمعه إلا ان الأب كان يمقته ولا يطعمه الا القليل الذي يبقيه حيا ليكمل تعذيبه الذي لم يطفى نيران ألمه يوما ...
مرت السنوات على هذا الحال . الطفل يعذب ،يحرم من الطعام والشراب لليال طوال بلا سبب مقنع . يفترش أرض الإسطبل في العراء .ينام مستمعا الى سيمفونية مؤلمة للأذان من صهيل الاحصنة المزعج ،ليستيقظ صباحا ليجاورهم اغلب النهار وينظف قاذوراتهم وحده .يجلد بسوطهم عند اصغر خطأ يمكن ان يصدر من طفل لم يتعدا الثامنة ....استمر الحال حتى بات يألف وجودهم ويشتاق لأصواتهم المزعجة ...
تمر الايام على هذا الحال ويصبح هذا الطفل البائس شابا يافعا. ومع زيادة عمر الشاب كانت تزداد قسوة الاب الحزين والمجروح ويكبر جحوده والمه ..تتنوع طرق تعذيبه الجسدية والنفسية ..الاهانات القاسية والسباب الازع .... كان اشد وجع يشعر به الشاب هو نعته بقاتل امه ...
كان يستيقظ الشاب يوميا قبل شروق الشمس ويبدأ بأعمال التنظيف وإعداد الطعام وخدمة عجوز متنمر يحقره . ولكنه لم يشتكي ابدا . كيف لشاب ان يلاقي كل هذا العذاب منذ نعومه أظافره ان يعطي كل هذا الحب والبر والشفقة .. فقد كانت الابتسامة لا تفارق شفتاه ..ذكر الله وشكره لا ينقطعان عن لسانه ،طاعته وخشيته من المولى لم تنقص شبرا واحدا ....
. وفي احدا الليالي جاءه نبأ بأن والده تعرض لحادث شنيع أفقده القدرة على السير .. هنا شعر هذا الشاب بالضعف للمرة الأولى ، شعر وان ظهره قد كسر ... أن أمانه وإن كان وهماً بخياله قد ضاع..