نص القصة

31 2 0
                                    


" شروق حمدي.. الابنة المتوعكة, مريضة سرطان الرئة, فى رحلة العلاج الصعبة الطويلة تلك, اكتشفت أننا فى الحقيقة عندما نقرر أن نعيش, وإن بلغنا شوطًا طويلًا قريبًا من النجاح, فإننا وإن كنا مستقلين للغاية فسندير وجوهنا لنخبر أحدهم كم واجهنا من مغامرات شيقة لنكون ناجحين, وعندما نهرب من أن يحمل همومنا أحد, نكتشف أننا بحاجة إليه أكثر من غيره..

نعم نعم.. أفكر فيم تقولون, يختار القدر بعض الناس ليجرب عليهم كافة الابتلاءات والاختبارات الحماسية, فى الواقع.. البلاء هو النقص الذى يكملنا, يعطينا دروسًا تجعلنا فى منتهى القدرة على التعايش, كما يعطي الكاتب فكرة القصة ثم يترك لشخصياته حرية التجول والتصرف ضمن سياق درامي محدد, فإننا نوضع ضمن ذلك العداد الدرامي وتُسجل ردود أفعالنا سلبية كانت أو إيجابية, وأعتقد أن أكثر الردود تكون سلبية تجاه المصائب, لذا.. مهما بلغ بنا قدر الاستقلال والقوة, ندرك فى محطة ما أننا نريد شخصًا ما يشاركنا ولو خطوة واحدة..

سؤالٌ عابرٌ فقط..

كيف تكون العلاقة الأكثر مثالية فى رأيك؟

صداقة.. أم حب؟

حقيقةً أنا لم أقع فى الحب يومًا, من يحب يبقى ثابتًا بمن يحب, لا يسقط, ولا يتزعزع إيمانه أبدًا بمن يرافقه حبه, ثم أن شغف الحب أضعف بكثير من دفء الصداقة لا يحتفظ بكسوره, بل يصنع منها قالبًا جديدًا وسفرًا جديدًا..

ولكنني لست مع كليهما, إننا نحتاج فقط إلى من يفهم جنوننا, وهدوءنا, يخاطبنا بما يناسب قلوبنا وعقولنا, لا يتركنا حينما نحزن لأننا نصبح سيئي الطباع, عندما نصرخ يأخذنا بلا معرفة مبرراتنا إلى جوار نبضه, يقبلنا بنظرة من عينيه الطيبة المحِبة, وعناق بابتسامة حنونة, يتقاسم معنا لحظاتنا ويشاركنا كل شيء حتى أخطائنا, ويمطر علينا من سماء الود أمطارًا من الرحمة, نحن نريد أبًا أو أمًا فى حكمتهما وقوة تجاعيدهما العظيمة, ومن ثم نريد ابنًا أو بنتًا فى ولائهما وطاعتهما واحتياجهما للمسة والديهما -ونحن نكون والديهما بحنانهما-, ثم نحتاج صديقًا أو صديقة, يشاركنا حياتنا الجنونية, أسرارنا البلهاء والخطيرة, بلا خوف وبلا شك, نحن نحتاج لمن نكون معه كالواحد الصحيح, نختبئ فيه ونظهر معه, ونخبئ كلينا من الدنيا كي نحتفظ بسعادة جنوننا وولائنا .... "

* * *

فجر التاسع عشر من ديسمبر 2016...

الصمت البارد, الفجر البائس, وبعض الارتعاشات, بضع حركات غير محمودة على هذا الفراش, أنفاس سريعة لا فاصل بينها, شهيق صعب وزفير مستحيل, صمت مستغيث, صوت الموت يقبع فى تلك الحجرة المعزولة, اندفعت السيدة الفاضلة "زينب" فى خوف إلى تلك الغرفة إثر ضربات أقدام ابنتها "شروق" سعياً لمقاومة المرض متسائلة فى فزع عما أصابها التى ظلت تضرب بقدميها ويديها على فراشها الصغير, تتقطع أنفاسها وتحتضر, يلتوى جسدها النحيل إلى الأعلى فى محاولة مستميتة لمصارعة ذلك الألم, مستنشقة دموعاً من قلة الحيلة, يندفع الطبيب "طارق" نحو غرفة مريضة سرطان الرئة "شروق حمدي" إثر صرخات والدتها المستغيثة ونقلها إلى غرفة الطوارئ مسرعاً وتوجها بقناع الأوكسجين, حتى شرعت أنفاسها المتراجعة تعود إلى مجراها مرة أخرى, هدأ جسدها الملتوى ومرضها المروع عن العبث بها, وهبطت روحها المحتضرة فى سلام مرة أخرى إلى جسدها النحيل المتهالك, وغفت أهدابها المتصارعة الدامعة بعدما ارتدت الدماء إلى جسدها ومحى ازرقاق وجهها, مر ما مر من الوقت, بضع ثوانٍ ثم بضع ساعات, حتى انقضى الليل بظلامه اليائس, وبدأت نسمات الصباح وأشعة شمسه تتخبط فى عينيها المليئة بالعروق الظاهرة بلونيها الأخضر والأزرق المشؤومين, وتلامست أصابع كفها المعلق بالمحاليل مع شقشقة الصباح المنير, وبدأت تستعيد "شروق" وعيها إثر نغمات الصباح وضوئه, وانقطع صمت الصباح بصورة مشوشة تعرضها عينا "شروق" لوالدتها "زينب" إلى جنب طبيبها "طارق" أمامها بنظرات مترقبة ونفس متلهفة, بدأت الصورة تتضح شيئاً فشيئًا أمامها, بدا صوت والدتها المتلهف وهو يتمتم قائلًا :

لكي تعيشWhere stories live. Discover now