طفولة

25 0 0
                                    

كان من اكثر ايام الربيع صخبا.. ليس بصوت عصافير وزقزقتها. ولكن بصخب مطر و ريح صرصر عاتية. استقبلته الدنيا استقبال الضيف غير المرغوب فيه.لكن وسط كل تلك الضوضاء كان تجسيدا للهدوء المطلق.. لا صوت يعلو عن صوت شهيق و زفير صادر من جسده الضعيف.
قدم لدنيا كل ما فيها اختبارات واستحقاقات. اكثر ما يصبغ لونها القاتم قلوب و نفوس تجيد الخداع و المكر. لكي تنجو..نعم فقد كان امتحان بقاء يجب ان يجتازه او يتألقم و يتكيف معه.
كانت امه محبة لقراءة الروايات و حكايات الزمن الجميل.. فقد رأت لهذا الرضيع مستقبلا و تطلعت لكي يتقلد مناصب الحكمة و القيادة.فكانت حريصة على اعطاءه لقب يشمل كل ما هو جميل و طموح.. فإرتأت ان تلقبه ب "الفؤاد"و لم تكن تدري ان لقبه سيكون اكثر الاشياء التي جعلت منه يغرق في بحر المآسي و الألم.
حرصت على تلقينه كل ما هو جميل و يتماشى مع اسمه الذي سيصبح لعنته.
كان فتى كله حيوية و نشاط. كان كل من يراه يأسر ب خفة روحه و حلاوة طلته. كان هم والدته احاطته بكل ما هو راقي و رائع.
كان غلاما بعينين سوداوين سواد حبات توت بري،واسعتين وسع المحيط تأسران كل من يسقط نظره عليهما. بوجه بشوش ابيض منير انارة قمر في ليلة بدر كامل. شعر فحمي مسدل على جبهته و كتفيه. ابدعت أمه في جعله يتزين باحلى الالبسة المتاح لصغار في سنه.. كان لباسه المفضل سروال مخملي ازرق اللون بحمالات و قميص صوفي ابيض منزلي الصنع من انامل امه المحبوبة. و حذاء خفيف بلون ازرق سماوي و خطوط بيضاء.. كانت ابتسامته كشعاع امل يجعل القلب يسبح في محيط فرحة و التفاؤل. اسمه على كل لسان منذ ان تطأ قدمه خارج باب المنزل.
عائلة متكونة من اخوين اكبر منه سنا و ابويه فقد كان اخر العنقود و لذلك حضى ب عناية خاصة. كان اقرب اليه اخوه الاكبر سنا فقد كان لا يفارقه الا وقت نومه او وقت الدراسة التي كان يعتبرها اخوه عقبة تحول بينه و بين قضاء وقت برفقته. رغم ان الاعتناء برضيع ليس سهلا على بالغين فما بالك من طفل ذو اربع سنوات.
كانت عائلة محورها الاهتمام و التفاهم. فقد كان يسود الهدوء في العلاقة فلم تكن الام مقصرة في الاعتناء بالاطفال الثلاثة وزوجها.. و لم يبخل الأب بأي جهد في حق عائلته. رغم كونه دائم الاشتغال باعتباره المسؤول الاول عن المبيعات في شركة وطنية. فقد كان منصبه يشغل جل وقته. لكن كان يستغل كل فرصة و كان يتيح ولو دقيقة من وقته ليقضيها مع العائلة. كان دخله يضمن حياة كريمة لهم. لذلك كان الام تقتني كل ما هو دو جودة و قيمة للمنزل و للاولاد من ملابس او اثاث.
وكما يقال فدوام الحال من المحال. و لكل شيئ بدأ نهاية محتومة. و هذه هي حال الدنيا مطبات و هبات ريح لم تشتهيها اي سفينة.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Apr 07, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

محنة الألف كلمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن