ميزة قواعد أهل الحديث
من علامات الرسوخ في العلم -التي تميز بها أهل الحديث-: جمع المسائل الكثيرة المتناثرة في قاعدة واحدة أو ضابط واحد، وهذا من بركة الكلام.
وما كان كذلك؛ فهو سيد الكلام وأعلاه؛ ولذا وصف الله سبحانه كلامه بالبركة، فقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾.
ومن معاني البركة فيه: أن الآية لفظها بليغ موجز، ولم تزل الأجيال تِلوَ الأجيال تستخرج المعاني منها -ولم تنفد أو تقارب-؛ ولذلك لا تشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد...
وهذه آية واحدة: مَن عقلها وعرف معناها؛ لم يشكل عليه من أحكام الأموال شيء؛ وهي قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾.
وآية أخرى: من عقلها لم يَفُتْه من أحكام الإسلام شيء، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
ومن الأمثلة على هذه البركة: ما ذكره الله تعالى -عن صاحب مدين أنه قال لموسى عليه السلام-: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
ففي هذه الآية من الأحكام الفقهية -فضلاً عن غيرها- ما يلي:
1- اشتراط الولي في النكاح. مأخوذ من قوله: ﴿أُنْكِحَكَ﴾.
2- أن الأب مقدم في الولاية. مأخوذ من قوله: ﴿ابْنَتَيَّ﴾.
3- اشتراط رضا الولي. مأخوذ من قوله: ﴿أُرِيدُ﴾.
4- عرض الولي موليته على الأكفاء.
5- لا تشترط طول المعرفة بعد توسّم الصلاح والتقوى.
6- عدم الجمع بين الأختين. مأخوذ من قوله: ﴿إِحْدَى﴾.
7- اشتراط تعيين المعقود عليها. مأخوذ من قوله: ﴿هَاتَيْنِ﴾.
8- نظر الخاطب إلى المخطوبة. مأخوذ من قوله: ﴿هَاتَيْنِ﴾.
9- جواز نظر الخاطب لأكثر من واحدة سويًّا، إذا كان عازماً.
10- رضا الزوجة. مأخوذ من سماعهما وسكوتهما.
11- عقد العقد بلفظ النكاح. مأخوذ من قوله: ﴿أُنْكِحَكَ﴾.
12- اشتراط الصداق، مأخوذ من قوله: ﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي﴾.
13- صحة الصداق المؤجَّل والمقسَّط.