أنا شخصٌ ما !
بقلم : ميكائيل كوردالكي ننجح علينا اولاً ان نؤمن بأننا نستطيع
كان تومي حاد الطباع وإنفعالي ومع ذلك كان هناك شيءٌ ما مميز حولهُ قد لامسَ قلبي . كان يملك اشد إحساس للدُعابة قد رأيتُه على الإطلاق في طفلٍ في الثامنة من عُمره . كان افضلَ صديق لإبنتي جيني في الصفِ الثاني .
قالت جيني " هذا صديقي " كما دَفعَتهُ امامي لتقديمه .
رَكلَ كُتلة تراب خيالية من الوحل وعيناهُ لا تُقابل عيني .
" حسناً حسناً تومي " إبتسمتُ " هذهِ الكُتلة الكبيرة من التراب التي رَكلتَها بالتأكيد تجذب إنتباهك اليسَ كذلك ؟" مَزحتُ .
فجأة عيناهُ الغامقة تلألأت وقابلتني و ركلَ الارض مرة اُخرى .
صَرخَ " خُذي هذا انتِ كُتلة تراب قديمة " إنكسر وجههُ بإبتسامة رائِعة .
ركلتُ الارض و صَرختُ " اجل ! انت كُتلة تراب قديمة !" تومي و جيني مُتصدِعَين بينما معلمة صعدت لتقديم نفسَها . إبتسمت لي وبعدها اعطت تومي نظرة باردة .
عنفَت المُعلمة " لا هُراء اليوم ايُها الرجُل الصغير ".
ذَبلَ وجهُ تومي وتدلَت اكتافُهُ بينما مشى بعيداً. واضِعاً يداهُ في جيوبهِ و إستدار وقابلَ عيناي . لن انسى تلك النظرة . كانت نظرة يأسٍ كُلي .
شكرتني المرأة كثيراً عندما عرَضتَ عليها ان اُصبح " اُم الغُرفة " لفصلِها الدراسي . كان هذا واحداً من افضل القرارات التي اخذتُها . خَبزتُ البسكوت وتعلمتُ الحِرف و مضيتُ بكُل الرحلات الميدانية و اصبحتُ مُنجذبة لتومي . كان ولداً مُميزاً من اليوم الذي اخذ فيهِ الخطوة الاولى في روضة الاطفال . لم استطِع فهمه . كيف يُمكن للحياة ان تكون مؤشرة لفشلهِ في الصف الثاني ؟ وجدتُهُ ليكون مُتألق ومُحبب ولكن قلبي فار بالكامل عندما رأيتُ إسلوب الفشل المكتوب على حياته .
تذكرتُ بألم ما يشبه شعور ان اكون بسنِ الثامنة وان يستدير والدي تجاهي يوماً ما بوجههِ المُلتَوي ويصرخَ بوجهي " لن تبلُغي ايَ شيء !" كِدتُ اشعُر بموجات صدمة الماء البارد تجري عبر اوردتي .
رأيتُ الاسلوب المماثل في حياة تومي واقسمتُ بأني سأفعلُ كل ما بوسعي لأتأكد ان الكارثة التي اصابت حياتي المُبكرة لن تحدُث لهُ . اصبحتُ بطلتهُ ، ساعدتهُ في دروسهِ كل يوم . ضحكتُ و حلمتُ معهُ .
" اوه لن اُصبح اي شيء " كان يقول " والدي لا شيء و جدي لا شيء . سأكون لا شيء ايضاً . اودُ ان يبقى هذا في عاىلتي ". وبعدها ضحك . ذُهلتُ ولكني لم اُفكِر ان هذا كان مُمتعاً . كان هذا حقيقياً .
اول رحلة ميدانية رافقتهم كانت مُشرقة جداً . قبل ان نُغادر المدرسة و مرة في الباص حَذرت المُعلمة تومي " لا مُزاح الان . المرة الاولى التي تَخطيها خارج الطابور ستكون الرحلة الميدانية مُنتهية لك !"
سمعتُ تومي يتمتم " حسناً ، هناك تذهب رحلتي للقُبة السماوية ! انا محكوم عليهِ بالفشل ".
" لا تومي انتَ لستَ محكوماً عليهِ بالفشل " همستُ " سوف ترى القُبة السماوية ! سأكىن هُناك معك !". إستدار بعيداً و حَدقًَ بحقول السباق من جانب . عندما توقفنا للغداء ، تلقى تومي إنذارهُ الثالث . حاولتُ ان اُنيرَ مزاجهُ بقول " لا بأس سأبقى مع تومي ". ضحكتُ بهستيرية بينما اشاحَ تومي بنظرهِ بعيداً وقابل الحجر . اكلَ بصمتٍ جالساً بجانبِ واحدٍ من اولاد الصف الثاني .
ثم وجدتهُا. كنتُ تماماً فوق الطاولة . مسح الفتى الجالس بقرب تومي الكتشبَ بقميص تومي ذو العلامة التجارية الجديدة . ومضت إضاءة في عينا تومي بينما دفعَ الفتى من المقعد علو العُشب .
" تومي !" صرَخت المُعلمة " حذرتُك ايُها الرجلُ الصغير ! انت محرومٌ من القُبة السماوية ! سوف تنتظر في الرُدهة حتى يذهب الجميع خلالها ! إبتسامة سِر إنطلقت من وجه مُرتكب الجريمة .
صرختُ " إنتظري إنتظري ". لم يكُن خطأ تومي . هذا الفتى الآخر مسح الكتشب على قميصهِ . لا يجب ان يُعاقبَ تومي ! الفتى الاخر هو المُخطأ . يحتاجُ تومي ان يرى القُبة السماوية " اردتُ لتومي ان يرى القُبة السماوية .
نظرة عينان زرقاوان قاسية " لا !" قالت " تومي يعلمُ افضل . لن يكون هناك شِجار ! عليهِ ان يتعلم ! " شعرتُ بالبشاعة . ماذا يُمكن ان افعل ؟
بينما نحنُ محمولين على الباص ونُكمل رحلتنا . بحثتُ عن المرأة خارجاً توسلتُ وناشدتُ . رجاءً . رجاءً! رجاءً! اي نوع من العقاب ولكن الفشل لن يجدي نفعاً . كان عقلُها مصطنع . فسرت مدى " سوء ملف تومي ". ورجوعاً لروضة الاطفال ! كان ذُريةً سيئةً . لم يقُم بأي شيء . او ان يكون اي شيء . تَبردَ دمي مُتذكرةً نبؤة والدي .
لا املك اي فكرة لمُعالجة هذه الحالة . تطوعتُ لأبقى في رُدهة القبة السماوية . حثتني المُعلمة على الإنضمام للأطفال وهي تبقى مع تومي . لا ، طمأنتُها . اردتُ البقاء مع تومي وبعد كل هذا سيكون لدى الاطفال الآخرين الكثير من الاسئلة لها للإجابة . لم اُخبرها ولكني اردتُ البقاء مع تومي .
جلسنا انا وتومي على المقعد في الرُدهة لوقتٍ طويل دون كلام . بعدها بدأ بالتكلم " لا اذكُر أني قُمتُ بعمل شيءٍ قط في حياتي كُلها آنسة جَي ".
وضعتُ ذراعي حولهُ وقُلت " اعرفُ كيف هو هذا الشعور ". نظر لي تومي بعينا حُب . عدا اطفالي كانت هذه تجربة جديدة لي .
" تومي ، كنتُ تماماً مثلكَ عزيزي . مثلك تماماً . لم انجح في اي شيء قط ، ولكن حياتي مُختلفة الان " تَوقفتُ وانا انظُر لعيناه بقناعةٍ عميقة .
سألَ " ما الذي تغيرَ آنسة جي ؟".
" حسناً تومي " بدأتُ " إنها بسيطة جداً " اعطاني نظرة تُخبرني انهُ كان مُتمسك بكُل كلمة . " لم استطِع تغيير الناس من حولي . لا مُعلماتي ولا زُملائي في الصف ولا والدتي ولا اي شخصٍ اخر ، لذا غيرتُ نفسي ".
بَدت عينا تومي حائرة ثم بدء الفهم بالإنفجار عليه ! لم ارَ ابداً مثلَ الإدراك المُفاجئ في عينا اي شخص صغيرٍ جداً . استمرينا بالتحدُث واخبرتُ تومي كل شيء حول ذلك اليوم عندما اصبحتُ لا شيء واخبزتُهُ ماذا كانت الكذبة . اخبرتُهُ أني علِمتُ أنني شخصٌ ما لأن الإله الرائع يقول أني ادليتُ بروعة . اخبرتهُ ان الكثير من البالغين يقولون اشياء فضيعة تأتي من مخاوِفهم الخاصة بالفشل . اخبرتُهُ انهُ كان رائعاً ، شخصٌ ما مُميز بقوة لتغيير حياتهِ الخاصة . اوه ، اخبرتُ تومي الكثير في دلك اليوم رُبما اكثر مما اخبرتُ اي شخصٍ وتومي صدقني . بكل كلمة .
في اليوم التالي ذهبتُ الى مكتب مشورة المدرسة وتحدثتُ الى العامل الإجتماعي المنقول للمدرسة . نهض ليوضح السلطة القوية على مستقبل تومي . كان تومي قد اُعيد من الصف الثاني ووُضِع في صف التعليم الخاص .
اخبرتني معلمة الصف الثاني " انا لستُ متفاجئة . هو فقط لم يستطع ان يستمر في الصف العادي " اسقمتني وايضاً كنتُ مبتهجة لإمكانيات تومي الجديدة .
سمعتُ بعض الهمسات ان تومي كان" لافتً للنظر ويحصل على درجة أ " ذلك انهُ كان مقبول في برنامج الموهوبين والمتفوقين . والى ماذا كان نظامُنا التعليمي سيتقدم ؟ ابتسمتُ وقُلت انا لا املك دليل . رأيتُ تومي مرة واحدة فقط بعد هذا .
عندما كانت جيني بمنتصف الصف الثاني ، تركتُ زوجي المتعسف وهربتُ مع اطفالي الى ملجئ نساء . ماذا فعلتُ بحياتي ؟ ربما كان والدي مُحقاً .
اكُنتُ لا شيء ؟ شعرتُ بالخوف حيال المُستقبل وبعد اعلمُ أنني سأُقاتِل اي تنين فقط للحفاظ على سلامة اطفالي .
بعد بضعة اشهر اصبحنا بأمان . رجعتُ الى المدرسة الإبتدائية لنسخ من نصوص اطفالي وبينما كُنتُ اتمشى للمدخل سمعتُ صوت خطوات اقدام خلفي . قبل ان التفتَ حولي ، زوج من الاذرُع الصغيرة احاطت بي ضغطت عليَ بضيق . سمعتُ صوت تومي يُنادي " آنسة جي ! آنسة جي ! " عندما التفتتُ رمى بنفسِه على ذراعيَ . لقد نمى طويلً جداً ! كانت عيناهُ تُشِع وكان يضحك . لقد قابلَ عيني مرة اُخرى بنفس النظرة العاشٍقة ! " آنسة جي " صاحَ " كُنتِ على حق ! استطيع تغيير نفسي ! وفعلتُها ! انا سعيدٌ الان ، انا شخصٌ ما !"
دُموعٌ انبثقت لعيني وسقطت فوق شعر تومي البُني . مسحتُها بينما تقرفصتُ لأتأمل وجههُ . " نعم تومي ، انت شخصٌ ما ! لا طالما كنتَ شخصً ما ! " ضممتُهُ إلي وعيني مُغلقة و الرجل في المكتب خلفه .
هذا نفس المُستشار الرائع والمؤهل والذي يتقاضى اجوراً إبتسم لي واعطاني إبهامين مُتمنياً لي النجاح !
" عليَ ان اذهبَ آنسة جي ! اراكِ قريباً !" اعطاني تومي آخر عِناق وإستدار للذهاب . توقف منتصف خطوة ونظرَ خلفً اليَ " احبكِ آنسة جي !"
اختنقتُ وعيناي اعُميت بالموع " اُحبُك ايضاً تومي !"
بعدها إستدار و ركضَ خارِجاً من حياتي . بعد خمسة وعشرين سنة لاحِقاً انا لا زِلتُ مُندهشة بتأثيرِ ذلك الولد الصغير الذي وضعهُ بي و كيف قد غَيرَ نظرتي لِنفسي .
بينما كُنتُ اتمشى خارِجةً من المدرسة احمِل سِجلات اطفالي . خطوتُ الى اشِعة شمسِ حياتي الجديدة . على الرغم من نِضال شخصيتي المُقبلة ، شعرتُ بالأمل بالمستقبل . كل يوم مُنذ ان شعرتُ بصدى كلماتِ توم بقلبيد.
" انا شخصٌ ما ! انا شخصٌ ما !"