العوده بالزمن

87.7K 806 100
                                    


نهار الثلاثاء وبسبب أجتماع هام, تأخرت جاسيكا في المكتب , لذلك عادت الى شقتها مسرعة ليتسنى لها أن تستحم وترتاح قبل وصول برودي , ولكنها أستغربت حين وصلت أن تجد الباب مفتوحا , فقد كانت متأكدة من أنها أقفلته جيدا في الصباح , دخلت بحذر.
أمر غريب! رائحة( الروستو) تملأ البيت , تساءلت : ترى هل هو برودي , وصل باكرا فأقنع البواب أن يعيره المفتاح الذي بحوزته؟
تقدّمت ببطء , وأذا بسيدة شقراء تستوقفها عند زاوية المطبخ فبادرتها:
" جاسيكا , وصلت في الوقت المناسب!".
صرخت مذهولة :
" جوردانا , ماذا تفعلين هنا؟".
" مفاجأة! توم أخذ فرصته , عهدنا بالأولا الى أمي وأبي , وها نحن في رحلة لمدة أسبوعين".
قبل أن تصحو جاسيكا من صدمتها , عانقتها جوردانا بحرارة , لكن جاسيكا سألتها من دون أنتباه:
" كم ستمكثان هنا؟".
" نحن في طريقنا الى مامفيس لنزور جوستان ثم ننتقل الى نيو أورليان , لنقضي بعض الوقت مع أهل توم , قررنا أن نمضي ليلتنا عندك لقد طال البعاد , لم نشاهدك منذ عطلة الميلاد".
وأقتربت جوردانا لتتفحص معالم شقيقتها جيدا:
" كم تغيّرت يا جاسيكا!".
أمعنت النظر في وجهها لتستدل الى التغيرات التي طرأت على مظهرها , ثم هتفت وكأنها كشفت سرها الخفي:
" لا بد أن في حياتك رجلا".
بلعت جاسيكا ريقها ولم تشأ أن تخفي الحقيقة :
" أجل هناك رجل".
" ستخبريني بكل شيء , تعالي معيالى المطبخ , أنني أحضر العشاء , روستو مع البطاطا والجزر ".
أرادت جاسيكا أن تتخلص من هذه المواجهة الصعبة فقالت:
" أريد أن أستحم وأرتاح بعد عناء يوم طويل".
" توم في الحمام ,عليك أن تنتظري , بالمناسبة القهوة جاهزة , بأستطاعتك أن تصبي لك فنجانا , أنا أهتم بترتيب الطاولة".
الله! كم تغيّرت جوردانا! بدت أكثر جمالا من الماضي , لقد أضفت الأمومة الى محياها مسحة من النضوج وهالة من الفرح.وشعرها الملون بالصباغ الفضي صفّفته بشكل تبرز معه أستدارة وجهها ونضارة عينيها الخضراوان.

ولكن ! كيف يتاح لجاسيكا أن تخرج من هذا المأزق الحرج؟ ما بها صامتة فلا تجد كلمة واحدة تقولها؟ وسألت جوردانا:
" كيف حال الأولا؟".
" بخير, جولي مضطرة لوضع مقوّم لأعوجاج الأسنان , أنها مغتاظة , تماما كما حصل لك في الماضي".
بدت جاسيكا شاردة , لا تصغي الى حديث شقيقتها , وراحت تفكر : أين هو برودي الآن ؟ هل من وسيلة لتتصل به فتنبئه بقدوم توم وجوردانا؟ ينبغي أن تمنعه من المجىء بأية طريقة.
أيقظتها جوردانا من شرودها:
" جاسيكا ما بك هل تسمعين؟".
فأجابت مرتعشة:
" عذرا أظنني كنت أحلم".
" لا بأس, لكن قولي لي من هو الرجل الجديد في حياتك؟ هل أعرفه؟".
وضحكت جاسيكا قليلا وهي تجيب:
"من الأفضل أن لا تعرفيه".
أرادت أن تتهرب قدر المستطاع لكن توم ظهر في الوقت المناسب ليعفيها, وان الى حين , من الأجابة العسيرة , حتى الآن لا أحد من عائلتها , بأستثناء خالها , على علم بعلاقتها العاطفية , ثم أنها تجهل ردة الفعل عندهم , خاصة شقيقتها التي عرفت برودي عن كثب.
" مساء الخير يا جاسيكا , كل مرة نراك فيها , تبدين أكثر جمالا".
وعلّقت جوردانا مازحة:
" ربما لأنها وقعت في شباك الحب".
" كيف حالك يا توم , أنني سعيدة بكما".
وأستطردت جاسيكا واصفة أرتباكها عندما وجدت القفل مفتوحا:
" في الواقع ,لم أتوقع حضوركما في هذا الوقت, عندما وجدت باب شقتي مفتوحا , كدت أتصل بالبوليس , ظننت أن أحدا خلع الباب ودخل".
" أنها فكرة جوردانا , أردت الأتصال لأعلامك بقدومنا لكنها أصرّت أن تفاجئك بهذا الشكل".
" هل علم جوستان أنكما مقبلان لزيارته".
" جوردانا مصممة أن تفاجئه هو أيضا".
وتمنت جاسيكا عليهما أن يتصلا بع مسبقا لئلا تساوره المخاوف التي تبادرت الى ذهنها , راح توم يتحدث عن برنامج رحلتهما الى نيو أورليان والأمكنة الأثرية التي سيقصدانها والأقارب الذين سيزورانهم , بينما جاسيكا في أضطراب واضح , وكان الوقت يمضي بسرعة دون أن يخطر لها أي حل , كيف تتصل ببرود؟ وتذكرت أنها نسيت سؤالا مهما كان يفرض بها أن تطرحه منذ البداية:
"كيف حال أبي وأمي؟".
أجابت جوردانا وهي تتابع تحضير الطعام:
" أنهما بخير , والدي رافق توم في كانون الثاني الى مباريات الغولف , أصبح يستمتع جدا بهذه اللعبة ويمارسها من حين لآخر , أما والدتك فهي مشغولة هذه الأيام في تطريز غطاء للمائدة".
هذه المعلومات العائلية , لم تكن لتهدىء روع جاسيكا فأعصابها تزداد تشنجا وركبتاها ترتجفان.
فجأة قرع جرس الباب فكاد قلبها يتوقف عن الخفقان , وهمهمت قائلة:
"أنا أفتح الباب".
تمالكت أعصابها جزئيا وهرعت نحو الباب , هذه المرة لن تشرعه كالعادة لبرودي , فتحته بحذر وقد ظهر الأضطراب جليا على محياها ,وبادرته بصوت منخفض:
" حدث ما لم يكن في الحسبان , أنني في مأزق , لا أستطيع مرافقتك الليلة".
عقد برودي جبينه مستفسرا :
" ما الأمر؟".
ولم تثنيه ملاحظتها عن دفع الباب بغية الولوج الى الداخل , لكنها قطعت عليه الطريق مضيفة:
" أتاني زوار من غير ميعاد , كان بودي الأتصال بك ,لكن...".
وعلا صوت جوردانا وهي تتقدم نحو غرفة الجلوس:
" جاسيكا , هل لديك علبة فطر؟".
هكذا تشابكت نظرات برودي وجوردانا , فأبتسم لها بدافع المعرفة السابقة , واذا لم تخف معاني هذه النظرات العاطفية على جاسيكا , تراجعت بضع خطوات مضطربة.
وجاءت كلمات برودي تقطر رقة وعذوبة:
" جوردانا! غير معقول , أنك تزدادين جمالا مع تعاقب السنين".
" برودي هايس؟ أكاد لا أصدق عيني".
تقدم منها , أخذ يدها وقبّلها أحتراما ثم قال:
" بعد هذه الغيبة الطويلة , لا أصدق أنك تتذكرينني".
وتساءلت جاسيكا : ما معنى هذه الأبتسامة العريضة التي أعتلت ثغر شقيقتها وهي تثبت ناظريها على برودي؟ كانت تعتقد أنه سوف يثير عصبيتها . فأذا بها على العكس تراها سعيدة جدا بهذه المصادفة , وها هي تؤكد له:
"لم أنسك أبدا يا برودي".
وكادت جاسيكا تفقد صوابها , الأثنان لا يشعران بوجودها وكأنها وضعت على الهامش وسط هذا اللقاء الحميم.
أستأنفت جوردانا الحديث مبدية رغبة قوية في أستطلاع أخبار برودي دفعة واحدة.
" كيف قضيت هذه المدة؟ أين كنت؟ ماذا كنت تفعل؟".
وخرج توم من المطبخ فأعترته الدهشة وهو يرى زوجته تتحدث بأهتمام الى رجل غريب , لكن جوردانا أسرعت الى تقديم الرجلين...
" هل سبق أن تعرفت الى زوجي توم؟".
ثم التفتت الى زوجها قائلة:
" أنه برودي هايس".
أوضح برودي:
" لا أظن أننا ألتقينا من قبل".
قال توم:
"أذا لم أخطىء , أنت صديق قديم لجوردانا ".
فعلّق برودي على فكرة الصداقة المزعومة مازحا:
" عبثا حاولت أن أستميل جوردانا , لكنها كانت يومها واقعة في غرمك!".
كادت جاسيكا تصرخ لتضع حدا لهذه المهزلة فبرودي الأمس تغير ولم يعد ذاك الفتى الذي يقرع باب آل ثورن متوسلا الى جوردانا أن ترافقه , أنه هنا من أجلها فقط, ولكن , لماذا يتناسى وجودها ويعير كل هذا الأهتمام الى شقيقتها؟
بقي السؤال الأهم بالنسبة لجوردانا فسألت برودي بفضول:
" ولكن, ما الذي أتى بك الى هنا".
ولم يتح توم له فرصة الجواب فسأل بصراحة:
" ألست أنت الرجل الذي دخل الى حياة جاسيكا؟".
وبدت الدهشة واضحة في عين جوردانا , هل ما يزعمه زوجها صحيح؟ يا لسخرية القدر! هل قدّر لشبكة برودي أن تصطاد احدى فتيات ثورن؟ وسألت برودي بلهفة:
" هل انت على موعد مع جاسيكا؟".
" أجل , بما أنك تسأليني , ينبغي الأعتراف بالحقيقة , لقد تواعدنا على تناول العشاء معا".
ثم رمق جاسيكا بنظرة كأنه يدعوها للأنضمام اليهم , والأشتراك في الحديث , وأستأنف موضحا : ( الآن على الباب, أبلغتني أنها ألغت الموعد).
فقال توم :
" جاسيكا لم يكن من داع لألغاء الموعد بسبب وجودنا؟".
فبررت جاسيكا موقفها:
" أنا ليلة واحدة , غدا لن يعود بأمكاني الأجتماع بكما".
وأعتذرت جوردانا:
" ما كنا نحسب أننا قد نخرب مخططاتك ... في كل حال ستبقى بضيافتنا يا برودي , الروستو في الفرن وهو يكفينا نحن الأربعة".
لكن جاسيكا أعترضت مثيرة دهشة شقيقتها وصهرها:
" برودي كثير المهام , أذا أعفيناه من ضيافتنا , نؤدي له خدمة كبيرة فيصبح بأمكانه تصريف بعض الأعمال في مكان آخر".
لكن برودي عارضها بصراحة وقال:
" لقد نظّمت برامجي مع درو بشكل يخوّلني أن أبقى طليقا من الآن حتى ظهر الغد".
وحاولت جاسيكا أن تخترع له سببا آخر للأنصراف:
"أنا متأكدة من أن هناك حسابات ينبغي أن تلقي نظرة عليها".
وعلّق توم على ملاحظتها:
" لا يمكن أن نصل الليل بالنهار في العمل , لا تصغ اليها يا برودي , أمكث معنا للعشاء".
وألتفت برودي اليها قائلا:
" خسرت الجولة , الأكثرية تربح , أذن سنبقى".
وتظاهرت جاسيكا مكرهة بالأرتياح لبقائه فقالت:
" سوف نكون سعداء أن شاركتنا العشاء".
لكنها في الواقع , كانت تريده أن ينصرف , أو بالأحرى أن يبتعد عن شقيقتها , وتابعت معللة موقفها:
" كنت أعتقد أن هناك أعمالا ضرورية بأنتظارك".
كانت جوردانا تريد أن تجمع أكبر قدر من المعلومات عن برودي فراحت تكثر الأسئلة:
" كيف تم اللقاء بينك وبين جاسيكا؟".
فأجابها بلهجة متّزنة وكأن الذكريات لا تحدث فيه أي أهتزاز .
" ألتقينا عند منعطف الشارع منذ شهرين تقريبا".
ثم أبتسم وهو يرمقها بنظرات معبّرة:
" كانت صدفة, لأول وهلة ظننتها جوردانا ولم أميّز الفرق الا بعد بضع دقائق".
وتنهدت جاسيكا وهي تفكر أن الفضل يعود الى شقيقتها فلولاها لما لفتت أنتباه برودي , وأذ شعرت بالخيبة من هذا التصور, أنسحبت معتذرة لتهتم بالطعام".
في المطبخ بدأت الشكوك تخامرها , ما الذي دهى جوردانا؟ فعوض أن تلحق بها لأعداد المائدة فضّلت الجلوس مع برودي وتوم ؟ ترى, هل ما زال يحن الى الماضي ويتوق الى التعويض عن مغامراته الفاشلة؟ ثم لماذا ينهش الحسد قلبها؟ هل هذه الخواطر مبنية على أساس من الصحة , أم أنها مجرد أوهام تستولي على عقول العشقين؟
ولحقت جوردانا بها لا لتشاركها في العمل فحسب ولكن لتستقصي معلومات أضافية عن برودي:
" لا شك أنه ناجح في أعماله".
كانت تريد أن توافيها جاسيكا بتفاصيل حياته الحميمة , لكنها غيّرت الموضوع سائلة:
" من منا سيحضّر الصلصة؟".
" أنا بالطبع".
وأستأنفت جوردانا الحديث عن برودي:
" أنه حقا رجل جذاب".
لكن جاسيكا ذكّرتها بمواقفها الماضية من برودي هايس:
" يبدو أن نظرتك تبدّلت بالنسبة اليه".
وقبل أن تعطي شقيقتها الفرصة للجواب , حملت طبق الروستو الى غرفة الطعام , وقالت لصهرها:
"توم أنت تقطع الروستو".
خلال العشاء أستأثر برودي وجوردانا بالحديث وهما يسترجعان ذكريات الماضي , وقلما أشترك توم بتسجيل بعض النقاط الهامشية , أما جاسيكا فتفاقمت هواجسها التي حاولت أخفاءها بالخدمة , تارة تقدم الطعام , وطورا الفاكهة ثم القهوة , وأحسّت نفسها كالخادمة المنسية , بعدها أخرجت جوردانا من حقيبتها ملف الصور داعية برودي لتأمله:
" هذان أبني وأبنتي , أصبحا في عمر الشباب , أنهما في زهوة دائمة , يذكرانني أيام كنا في عمريهما وكنت تقصد بيتنا لنزهة في السيارة".
وأجابها برودي مازحا:
" يومها أوقفتني عند أسفل الدرج ولم تسمحي لي بالتقدم خطوة واحدة... في كل حال أنا لا ألومك , لم يكن لك مصلحة مع فتى قذفت به المدينة على قارعة الطريق!".
" أنت مخطىء يا برودي , لم تخطر أبدا هذه الفكرة على بالي , لولا وجود توم في حياتي لقبلت بالتأكيد دعواتك المتكررة".
هال جاسيكا أن تسمع هذا العتاب والتبرير الصريحين , فأعتذرت مضطربة .
" أرى من الأنسب أن أبدأ بغسل الصحون".
وأعترضت جوردانا :
" نغسلهما فيما بعد".
فأصرت جاسيكا :
" أفضل الآن , لقد أصبحت الساعة متأخرة ".
وأراد برودي أن يحسم الجدل:
" جاسيكا معها حق , لقد تأخر الوقت , لا شك تريدون أن تدردشوا منفردين بأمور عائلية , وعليّ الأنصراف".
بينما هو خارج , رمق جاسيكا بنظرة تدعوها لمرافقته حتى الباب , ثم ودّع جوردانا وزوجها متمنيا لهما رحلة سعيدة , ولحقت به جاسيكا لترافقه حتى المدخل الخارجي , عند العتبة مدّ يده الى جيبه وأخرج منها علبة وسلّمها لها قائلا:
" هذه لك , لم أستطع تقديمها خلال العشاء".
ألتقطت يداها الباردتان هديته بدون أن تفارق نظراتها وجهه , كان بودها أن تعاتبه , أن تقول له : خذ هديتك الى جوردانا فهي تشغل بالك أكثر مني , لكنها حبست أنفاسها وأمتلكت أعصابها , وهو يضيف:
"أنه عقد من اللؤلؤ , ليس بوسعي البقاء لأقدمه بيدي".
فأجابته بأختصار:
" شكرا لك سأفتحها بنفسي".
وأنصرف قائلا:
"سوف أتصل بك".
عندما رجعت الى غرفة الجلوس سألتها جوردانا مستفسرة:
" ما الذي تحملينه بيدك؟ هدية؟".
" أجل".
" حسنا , أفتحيها, ألا تريدين أن تعلمي ما في داخلها؟".
كانت جاسيكا تفضل أن تؤجر فتح العلبة , لكنها وجدت نفسها مضطرة للأستجابة الى رغبة شقيقتها , حلّت الشريط ورفعت الغطاء , فهتفت جوردانا بأعجاب:
" عقد لؤلؤ, أنه رائع!".
وسأل توم:
" ما هي المناسبة التي دعته لتقديم هذه الهدية؟".
" ليس هناك من مناسبة فبرودي يجلب لي الهدايا بأستمرار ".
أبتسمت جوردانا مهنئة:
" أنك محظوظة مبروك".
ثم ألتفتت الى زوجها ممازحة:
"هل كنت تجلب لي الهدايا يوم كنا نتواعد على اللقاء؟".
" لم أكن أريد تدليلك!".
ثم أضاف وهو ينظر مليا الى اللؤلؤ :
" من أين لي المال الوفير لأغدق عليك بالهدايا الثمينة كهذه!".
بعد ذلك أنهمرت الأسئلة على جاسيكا , عن علاقتها ببرودي , عن مشاريعها المستقبلية , فكانت تارة تجيب وطورا تغفل الحقيقة الى أن أستولى النعاس على صهرها فتمنت لهما نوما هنيئا

مغرور برجولته  +18(مكتمله)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن