يحكى عن رجلٍ يُقالُ لَه "الرجل ذو الملاءة" يجوب الأرض بملاءة سريره تغطي جسده.
لمَ الملاءة؟
سأل عِدَّةٌ أطفال، فأجابت بومة المغرب "لأنه يحبُّ القراءة؛ والقراءة تحتاج استرخاءً، والاسترخاء يحتاج ملاءة"
لمَ يجوبُ الأرض؟
"بحثًا عن السيد قارئ" زفرت بومة المغرب ليتمايل بخار كوب القهوة في جناحها الأيسر للأمام، جناحها الأيمن قلب صفحة الكتاب المئة في حجرها.
رفعت نظارتها بريشتها الوسطى، بينما نظرت للمزعجين أمامها "والآن اخرجوا، أطفال البشر ينامون ليلًا ليكبروا، أم أني مخطئة؟" حتى لو لم تملك البومة حاجبين لتقطبهما، شفتين لتلويهما، شعر الأطفال بغضبها وهرولوا مرتعبين يخرجون من البيت.
حين عاد السكون، وصار صوت فرقعة حطب المدفأة، وصفير القدر في الفرن من المطبخ، وارتطام الملابس بجدران غسالتها أصواتًا مسموعة، وجدت بومة المغرب نفسها قادرة على الاسترخاء.
الجو باردٌ قارسٌ في الخارج، وكِبُر سنها ألزمها على تغطية نفسها بالملاءات وهي تجلس على كرسيها المفضل الهزاز أمام النار.
جيدٌ عدم نسيان أطفال البشر إغلاق باب كوخها -الذي بنته أعلى الشجرة، أثناء شبابها- قبل هربهم؛ فكرت ثمَّ عادت للقراءة. ريشها البُّنِّيُّ يتوهج مع النظارة الصغيرة عَكْسًا لألسنة النار.كبيرةٌ في السن
أذنها اعتادت على فرقعة الحطب، صفير القدر، وارتطام الملابس؛ لكن أمام صوتٍ قادم من أعماقها؟ قلبها تسارع في نبضاته. وسرعان ما التقطت عيناها أمرًا شاذًّا هن الأخرتان، فَظِلٌّ أسودُ ظهر أمام كُرسِيِّها.
وبومة...
أنفاسها بدأت سباقًا مع قلبها، فصدرها يرتفع ويتخفض أعلى وأخفض من العادة. قبضت رداءها بريش جناحها.
نظمي أنفاسكِ وأغمضي عينيكِ،
لا تموتي أمامي....نوبة ذعرها كتمت كل الأصواتِ حولها، فاختفت الفرقعة والصفير والارتطام. حتى الألوان تحولت للأبيض والأسود. جسدها شُلَّ وأفكارها في فوضى من الرعب، من الظاهرة التي حدثت أمامها. ومع ذلك، الصوتَ الشاذَّ خرقَ رأسها غير مهتم...
عودي للواقع؛ اسمعي...
وانظريعيناها مُجبَرة ("مِن الصوت" استنتج عقلها دون معالجة، دون تفكير. "الصوت" امتلَكَ قوَّةً افتراضية، سحبت أفكارها إجباريًّا إلى أرض الواقع) عادت لتنظر تجاه الهيئة السوداء. ولازال جسدها مشلولًا ذعرًا ليهرب.
تَنفَّسي
وكما انصاع عقلها لأمر الصوت في المرة الأولى، انصاع جسدها في المرة الثانية.
كمية كبيرة من الهواء اجتاحت رئتيها، شهيق عميق وزفير أعمق، وأهدأ.
ركَّزت أفكارها بعد هدوء قلبها على الشذوذ أمامها. "من.... ما أنت؟" صوتها العجوز أزداد اهتزازًا.