Different life | حياة مُختلفة

3K 149 55
                                    

نظرتُ اليها بجواري وقلبي مضطربٌ جدًا ، لا أُصدق بأنني في طريقي الى المنزل! اجل المنزل! يا لها من كلمة غريبة انطِقُها ولا اقصدُ فيها الميتم ، اعني لقد اعتادَ الميتمُ ان يكون منزلنا ولكن لا اعلم هذا شعورٌ مختلف ، مألوفٌ وقديم ولكن يبعثُ على الرهبةِ قليلًا ، بالطبع لن اتذمر على تركِ ذلك المكان فأيُ مكانٍ سيكون افضل ،وان تنتهي كل تلكَ الكوابيس والمسؤولين عديمي المسؤولية يبدو جيدًا للوهلةِ الاولى ولكن لا يزال مجهولًا! ماذا ان كانت هذة المرأة كاذبة او مُعتلة! بالطبع تحدثَت اليّ مراتٍ عدة قبل ان تأخذني الى هنا ولكن اعني طوال التسعة اعوام الماضية التي تغلبُ عليها المرارة في ذلك الميتم تم اخباري بأن لا عائلة لي بعد وفاة والديّ في حادثِ بينما كانا قادمينِ لإقلالي من الحضانة ثمُ تظهرُ هذة المرأة فجأةً من العدم وتخبرني بأنها تُريدُ ان تكونَ عائلتي؟ لماذا مازلتُ افكرُ بالامر ، ليس وكأنني لم أفكر بكل هذا من قبل ، اجل كان من الافضلِ ان اخرج من ذلك المكان اضافةً الى انهُ ان ساءت الاحوال يمكنني الهرب صحيح؟ اجل سأهرب مازال يمكنني العودة للميتم او تدبر امري بأي شكل من الاشكال.

توقفت سيارة الأجرة أخيراً معلنةً وصولنا الى المنزل المنشود الذي سنقطن فيه ، نظرتُ اليهِ ، يبدو منظرهُ مُهيبًا بكل تلك الاشجار المحيطة بهِ تحت المطر، وقديمًا ايضًا! ثلاثون عامًا رُبما؟ "هل ستطيلينَ النظر اليهِ من بعيد ام انك ستأتين؟" قالت طارقةً على النافذة المجاورة لي بصوتٍ يكادُ يُسمع بسبب المطر الغريز
فتحتُ الباب وخرجتُ حاملةً مظلمتي وتبعتها بسرعه الى الدرجات الثلاث الخشبية ووطأت على الدرجه الاولى لتصدرَ صريرًا ، حسنًا رُبما أربعون عامًا على الاقل
عبرتُ الباب بعدها ، المكانُ مُظلمٌ جداً حتى ضوء القمرِ محجوب بسبب الغيومِ
صدحَ رعدٌ بالخارج وومضَ البرقُ من جميع نوافذِ المنزل "سارا؟" ندهتها
"انا هنا ، لا شيء يدعو للخوف " جاء صوتها بعد أن قامت بتشغيل اضواء الطابقُ السُفلي اجمع
"اجل لا شيء يدعوا للخوف انا فقط كنتُ اتسائل اين انتِ"
أغلقتُ مِظلتي ووضعتها جانباً ، تفحصتُ الغرفة التي أقفُ على ارضيتها  ؛ أرائكٌ مُغطاه بملاءاتٍ بيضاء تميلُ للصفره ، أثاثٌ قديمُ الطِراز والكثير الكثير من الغبار في كل مكان "في الطابق العلوي ستجدين عدةَ غُرف ، لم اصل مبكرًا لتجهيز المنزل ولكنني قمتُ بتنظيف غرفتين فقط من اجل اليوم ، اضافةً الى ان بعضها كان مؤصدًا ولكن غدًا يمكنك المحاولة مجددًا واختيارُ ما تشائين منها بنفسك" قالت لي
"انا ممتنة لكِ" قلتُ لها
"لا بأس" صمتت قليلًا ثم استأنفت "لقد كان هذا المنزلُ لوالدكِ"
"لوالدي؟! لم اكُن اعلمُ انك على معرفةِ من عائلتي!"
"ليس عائلتك ، فقط والدك ، اضافةً الى انها لم تكنُ معرفةً تُذكر او بالنسبة لمسؤولي الميتم على الاقل" قالتها بينما ارتسمت على وجهها ابتسامة ربما يشوبها بعض الحزن
"هل كنتِ تحبينَ والدي؟"
"مالذي تهذين به! بالطبع لا! لقد كان كالأبٍ لي"
"هل انتِ يتيمة ايضًا؟"
"اجل ، كنتُ يتيمةً حتى اتى والدكِ الى الميتم ذات يوم وقرر ان يتكفل بدراستي الجامعية ، كان يطمئن على احوالي من فترةٍ لأخرى ، لم يكُن قريبًا مني جدًا ولكنه كان بمثابة العائلة الوحيدة لي"
عم الصمتُ قليلًا ثم قالت " قبل عدةِ أشهر وبينما كنتُ اعملُ وردني اتصالٌ من صديقة لي مُنذ ان كنتُ في الميتم ، قررت ان تعمل في نفسِ الميتم الذي كبُرنا فيه ، اخبرتني انها علمت ان في ميتمٍ آخر في نفس المنطقة ، فتاة تحمل اسم الشخص الذي ساعدني ، صُعِقت عندما علمتُ بهذا اذ انني لم اكن اعرف ان لديه اطفال"
"اذًا انتِ ترُدين له الجميل الان؟" سألتها
"لا أعلم ربم.."
"ليس عليكِ ان تفعلي هذا"
قاطعتُها
"الامر ليس انني اردُ الجميل فحسب ، فأنا اخترتُ ان اعمل في المنشآت الخيرية والتي تخصُ الاطفال على وجه التحديد لأنني اعلم مالذي يواجهونهُ هناك ، انا اعلم كيف تسير الامور خلفَ ابواب المياتم جيدًا ، عندما كنتُ في مثل عمرك كل ما اردتهُ هو الخروج ، ان يأتي احدهم ويخرجني من ذلك المكان ، اعتقدتُ انني افعلُ الصواب ولكن ان اردتي العودة الى الميتم فلا بأس سأتفهم"
تذكرتُ كل ما مررتُ به في ذلك الميتم المتهالك وشعرتُ بإنقباضةٍ في صدري "لا أريدُ العودة" اخبرتها وانا انظرُ لعينيها
" حسنًا ، اردتُ ان اخبركِ ايضًا انني لن أزعجك كثيرًا فأنا أعملُ معظمَ ايام الاسبوع وأحيانًا اتطوع للذهاب الى مناطقَ بعيدة"
" انا متأكدة انك لن تزعجينني ، انا ممتنة لك"
ابتسمتُ وحملتُ حقيبتي واتجهتُ للسلالم الموصلة للطابق العلوي ، اذًا لولا ان ابي قام بمساعدتها قبل سنوات لكنتُ الان ما ازال في الميتم؟ يا لسخرية القدر! ولكن الجيد في الامر انني لم اشعر بأي دلالة على كونها شريرةٌ ابدًا ومع هذا لن اتخلى عن حذري. وصلتُ الى ممرٍ يُفضي الى عدة غُرفٍ متجاورة ، ذهبتُ الى الغرفة المفتوحة ووضعتُ بها حقيبتي الصغيرة وعدتُ اتفحصُ الغُرفَ الاخرى
في نهايةِ الامر اخترتُ إحدى تلكَ الغرف ، سرير، منضدة ،وكرسيّ في الجهة المقابلة للسرير، اضافةً الى ان فيها شُرفة ونوافذ كبيرة! يمكنني ان اضيفَ اليها ما يُشعرني بأنها مكاني الخاص تدريجيًا ، هذا كافٍ بالنسبة لي
خلعتُ معطفي ووضعته على السرير وقمتُ بتوضيب حاجياتي وما إلى ذلك ،اتكأتُ على طرفِ النافذة  ونظرت الى الخارج لأرى الفناء الخلفي المُطل على بداية الغابة او نهايتها لا فرقَ في ذلك ، الليلُ والمطرُ الغزير يجعلانِ الرؤية رديئةً بعض الشيء من النافذة ، اشعرُ بالفضول حيالها ، من المؤسف أنني لن اتمكن من الخروج حتى يتوقف المطر
ولكن هذا قد يعطني الفرصة لأُريحَ جسدي المُنهك -الذي ماكنتُ لأُريحهُ لولا ان عاصفةً هوجاءَ قادمةً بالخارج- عُدتُ الى السرير القديم واستلقيتُ عليه بخفه
اذًا انا لديّ منزلٌ الان! كالسابقِ تمامًا! لا اعلمُ لماذا كنتُ متأكدةً دومًا بأنني سأبقى في دار الايتام الى ان ابلغ الثامنة عشرة واخرُجَ بنفسي ثم أعملُ بوظيفة جزئية لأُغطي نفقات الجامعة ، ليس وكأن الحال مختلفٌ كثيرًا الان فقد بلغتُ السابعة عشرة قبل شهورٍ قليلة الا انهُ حدثَ ابكرَ قليلًا وربما افضل قليلًا
على كُلٍِ ، لا حاجه للذهاب الى مدرسه منذ الغدِ مباشره ، لستُ مُستعده لمواجهة هذة الحياة المختلفة والتي لا تشبهُ حياتي ليلة امس ناهيك عن مُقابلة اشخاصٍ جُدد وكُثر.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 12, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

Daydream|أحلامُ اليقَظةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن