ذاكرة سجين (الحكم النهائي)

1.3K 34 12
                                    

يحملق عينيه يمينا وشمالا فيقع بصره على عائلته الصغيرة يطلق ابتسامة بريئة نابعة من قلبه ،كل من في القاعة يستدير ليرى من ذا الذي ابتسم له السجين ،محكمة ....يقولها القاضي فيصمت الجميع منتضرا حكمه النهائي هدوء تسبقها ارتجافات اطراف ودموع بالعينين عرق متصبب و وجوه تكاد تخلو من الوانها شفتاه اصفرة وهالات سوداء ارتسمت حول عينيه معلنة عن همه الذي بلغ عنان السماء
سمع حكم القاضي فتعالت الاصوات بالقاعة من محتج عن قلة حكمه الى من يقول انه مضلوم اما هو فقد استرجع شريط حياته بأكملها انزل راسة لتقابل عينيه القدمان وتبعثر شعره ليحجب تفاصيل وجهه عن كل من اراد رؤية ملامحه الحزينة لم يعد يسمع اي صوت ،عيناه تذرف دموعا لا واعية يعض على شفتيه بقسوة كي لا يخرج اي شهقة لا واعية بعد تواني معدودة يبتسم ابتسامة ذات مغزى كبير يمد يده لتمسح دموع عينيه الهاربة ،يتحسس مذاق الدماء بفمه ،ليئتيه الشرطي بهيئته المهيبة ليلبسه اصفاد بيديه
ينطلق المسجون بخطوات متناسقة تدل على قوة شخصيته وحدة طباعه ،نضراته كانت قاسية متوعدة ولكنها مطمئنة كونها تنعمة بإبصارها لعائلتها الصغيرة
لم يكن يأبه لنضرات من حوله ولا حتى لكلماتهم المتناثرة كان كلام القاضي يعيد نفسه بكل ثانية بين ثنايا عقله وجدران رأسه الذي لم يعد يستوعب ذاك الشعور المريب لا يوجد سوى صوة ذلك الملعون وهو يعلن له السجن لسنتين
وهمه كان ان كيف سيقاوم من دون عناق صغيرته وكلام زوجته الذي يجعله صبور بل ايتحمل من دون توأمته التي بمجرد بضع كلمات تجعله يستشعر النعيم ،ابناء اخيه اولئك الذين حسبو انه سندهم الوحيد بعد رحيل ملكهم المزعوم
خرج من القاعة مع مجموعة من رجال الشرطة يهرولون متلاحقين اما هو فمن بينهم ينشر شعورا غير مفهوم فهناك من يحسبه مجرما خطير وهناك من يستشعر برائته فترجف جفونها معلنة عن دمعة شفقة ستسيل
دخل مركبة خاصة بالمساجين ليقلوه بعد ذلك للجسن المدينة المركزي ،تفكيره طول الطريق كان بكيف سيعيش وحيدا هناك من دون عائلة كيف سيصبر وحيدا، من سيحمي عائلتها التي افنى حياته لأجل راحتها من سيقف جوار صغيرته الطائشة طالما اعجبتها تهورات والدها ورددة بضع كلمات هي ان الابن شبيه لأبيه خائف من ان تصبح خلفه شبيهة له ،يفكر كيف سيكون حال عائلته بالمجهول الذي سيكون بعد بضع ايام وشهور ،وكيف سينعت الجميع صغيرته بإبنة المسجون
توقفة المركبة معلنت عن الوصول للمكان الموعود نزل الجميع ،يوصلون السيد المرموق لزنزانته النتنة فيرحب به من كان يصبره بأنه سيتحرر من هذا المأزق قبل سويعات معدودة قبل حكم القاضي الذي لن نستطيع ان نفهمه ان كان عادلا ام ضالما فالسيد المحترم لم نفهم حتى الان ان كان هو الجاني ام الضحية
بخطوات متناسقة دخل ،كبر في سنه لكنه لا يزال محتفضا بكل مبادئه التي لا ادري كيف اصفها هل اقول انها مبادئ اجرامية ام افضل اني اصفها بكونها محترمة قد اختلطت علي الكلمات ولم اعد استطيع فهمه وطبيعة جرمه المشهود ان كان اراديا ام انه كان تحت ضغوط، او ان القانون لا يحمي المغفلين ،كان ذكيا ام غبي لكن تصرفاتها تدل على امتزاج كلا الصفتين ،كيف هو إن عقلي لم يعد يستطيع الصمود محتال ام انه مجرد شخص احتالو عليه ورموه بفوهة البركان ،هو حقا مضلوم ام انه بحق ضالم يستحق الجزاء
استند بفرش سريره واعتدل اغمض عينيه
جواد رجل يشرف على دخول سن الخمسين عينان عسليتان توهمان من يراهما انه كان فاتنا بشبابه ولا يزال ،شعره الطويل قليلا اسود ممتزج بخصلات اكتست بشيبها، بشرة سمراء فاتحة لحية مستوية دليل على انه مهتم بمضهره وبشدة ،عضلاته المفتولة القوية لا تزال على حالها رغم انه سيصبح بالخمسين بعد بضع شهور معدودة
شخصيته قوية هو حقا طيب القلب ذو حنية ،ذكي لا ادري كيف سأصفه اجده هكذا حقا ام انه يجب علي ان اصفه من وجهة نضر شخص ليس قريبا منه
اغمض عينيه اقنع نفسه انه نائم واانه يشعر بالتعب حتى اخذه شبح الضلام حيث لا يدري فغطا في سبات عميق ينسيه كل ما حدث في حقيقته يأخذه لعالم من من احلام كان يريد ان يعيشها في واقعه ولم يكن له الشرف ان يعيشها

ذاكرة مسجونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن