المقدمة

92 3 2
                                    

في مكان رغم ازدحامه بالمارة هنا وهناك..إلا أنه يغلب عليه طابع الهدوء..تجلس وهي تستند بيديها على الحائط القصير..ولم تصل قدميها إلى آخره..فضلت تحرك قدميها في الهواء بحركة عشوائية..بينما كان يستند بيديه بجانبها ينظر امامه..يلتزم الهدوء هو الآخر..وكأن المكان قد فرض سيطرته على كل شيء..مما أتاح لها الفرصة لإعادة طرحها لسؤالها المباغت الذي يقطع سكون تلك اللحظات القصيرة التي لم تجمعهما سوى لدقائق وجيزة:

-مازالت لم تجيب على سؤالي..أي ما أخبرتك به يتماشى معي ؟؟
..بمعنى آخر!!..ماهو الشيء الذي تعتقد أنه يشبهني اكثر؟؟!!

بدئت تراقبه تحاول استنتاج الإجابة من خلال تعابير وجهه..بينما هو باغتها بابتسامة سخرية تعبر عن مدى استخفافه بامرها..رغم أنه أكثر شيء يعنيه..ويعده من قائمة أولوياته..ليلتفت لها ويحدق بها ليجيبها بنبرة تعكس ما يعتلي بداخله:

-التفاح

-التفاح؟؟؟!!!

لتصيح به بصدمة بسبب إجابته..هل يعقل أن يكون بذلك البرود..حركت رأسها يمينا ويسارا لتستوعب ما قاله منذ ثواني لتقول بنبرة يملأها الشك:

-سيدي..هل أنت جائع!!..أجلس بجانبك منذ ما يقارب ساعة أنتظر إجابتك وفي النهاية تقول تفاح؟؟!!

ليقهقه عاليا ليتسع ثغرها وهي تراه لأول مرة يضحك بهذا الشكل..ليبدو الأمر وكأنها تتحدث لشخص آخر سبق ولم تعرفه..عاود النظر إليها يبتسم ويقول:

-هذا صحيح..فكما تعلمين..هناك أنواع شتى من التفاح..يختلف شكله وحجمه ولونه..لكنه يقع تحت نفس المسمى..التفاح..وانتي أيضا ما رأيته خلال الأسبوعين الماضيين يجعلني أتأكد من أنك فعلا تشبهينه..فرغم تعدد شخصياتك..إلا أنك مازلتي تحملين مذاق التفاح..الحلو والحامض

ليشع وجهها خجلا بسبب إطرائه لها..فتكسو وجنتيها بحمرة زادها براءة وطفولة..هذه المرة الأولى التي تستمع اذنيها لكلمات تجعلها تنصهر كالجليد..وتتمنى أن تختفي الآن..

ليكسو وجهها الحيرة إثر سماعها له حين قال:

-ولكنك تختلفين عن التفاح العادي

-لم أفهم!!..ماذا تقصد؟؟!!

ينظر إلى السماء وكأنه يسترسل إجابته من مكان ما:

-تمتازين عن غيرك من التفاح بامتلاكك لبحيرتين صغيرتين سمائيتين اللون يطلق عليهما عينان..فلا وجود لتفاحة ذو عينين زرقاوتين بهذا الشكل الذي يثير رغبة الغوص بهما والابحار إلى أبعد نقطة عن هذا العالم بلا عودة ابدا....

ليردف ما ان نظر إليها ووجدها غارقة في غياهب الافكار:

-وبما انك شيء مميز..فيجب أن تمتلكي اسما مميزا كصاحبته...
"نصف التفاحة الزرقاء"

لتقول بنبرة غضب واشكت على الانفجار:

-ولماذا النصف وليس تفاحة كاملة؟؟!!

-وهذا هو السبب

لتشهق عاليا ما إن اقترب منها وقسم وجنتها اليمنى..فيصبح لونها أكثر إحمرارا..لتنظر له بغضب يتخلخل قسمات وجهها لتقفز من فوق الحائط تقف أمامه وترفع رأسها إلى أن كاد أن يتحطم عنقها من شدة ارتفاعه..ووضعت يدها في خاصرها لتقول بغضب مماثل بما يعتلي بداخلها:

-يبدو حقا أنك جائع يا حضرة المحترم

لينتهي هذا اللقاء بكلمة زلزلت كيانها ما إن شعرت بصدقها:

-ما اروعك...

نصف التفاحة الزرقاء *Where stories live. Discover now