الحرب ليست إلا مدفعاً يصطاد حمامة السلم و غصنها الأخضر ، الحرب خطيئة يرتكبها الجمع باسم الفضيلة ...- اليوم الرابع بعد العاشر من أكتوبر و أشجار خريفه المنتحبة / العام السابع و ثلاثون بعد الألف و تسعمائة ما بعد الميلاد و بينما الحرب الأهلية قائمة حوافرها ...
- اسبانيا / برشلونة و كمال كنيسة ساغرادا فاميليا غير المكتمل حيث أحجار أنطونيو غاودي المتريثة في اصطفافها ...
طفل العاشرة يترنم أمام رخام عمود اخترق طيش قذيفة صدره حتى كان بالكاد يؤدي وظيفته كعمود ساند .
" أبانا الذي في السماوات ... " و لصوته مهما كان خفيضاً رنين طفولة لم يفقدها بعد مهما كانت قائمة مفقوداته السابقة ، يترنم و يدعو وحيداً جاثياً على ركبتيه ضاماً كفيه الصغيرة ... يغمض عينيه لئلا تبدُ حقيقة أن الخوف بات جرفاً يحدّ حُسن محيط زرقتهما الفاتنة ...
تارةً هو مخفضٌ صوته و تارة يرفعه ، فلعل جرس دعواته معوّض عن تلاشي عزف أجراس الكنيسة المهجورة ... عساه يكون معزوفة قيثارة السلم و عسى أن تغمر أمواج لحنه الملائكي صخب الحرب و ضوضاءها .
فزعاً كمن يشهد كابوساً انتفض ، إثر تربيتات خفيفة على شعره الناعم الأسود ... استدار بطيئاً ثم لملامحه نصيب من ابتسامة تسترخي عليها يصغي للصوت الهادئ الذي كلما سمعه لا رغبات له سوى أن يُحرر الطيور الشفافة الصغيرة من أقفاص محجريه ، و على صدر صاحب الصوت يغفو متشبثاً به " متناقض يا صغيري جوليان ... أأنت حَذِرٍ ترهبُك لمسة و تفزعك عن أحلام السلام و أمنياته ؟ ... أم عنيد تستبيح رفض والدك و تخرج من المنزل بعد مئات من الوصايا ؟ "
- " راغباً في عودتك أُصلّي و أنت تفزعني أبي ! " ... لملم شتات المسافة بين حاجبيه في تقطيبة متذمرة لكنه كان يذرع كل شبر في استقامة والده ، استهلالاً بلجين خصلاته الباهتة رمادياً ثم شحوب عشبيّ قزحيتيه الواهنة ... استغاثة معطفه الأسود القديم ، و مع ذلك كان نفاقاً يبتسم لصغيره .
ما انفكّت ربع دقيقة تمضي حتى ودّع الأب بسمته و على مستوى قامة واحد صارا حين انخفض جاداً " جوليان ...صادقاً معي فلتكن ، أين بك تكون منذ ساعتين ؟ ... عدتُ للمنزل منذ تلكما الساعتين و لم أعثر عليك هناك ، ثم أتيت الكنيسة انتظاراً لك و ها أنت ذا دخلت منذ ربع ساعة ليس إلا ، في غفلة عن وجودي ... فأين كنت ؟ "
ليس لك أن تطالب عصفوراً لا ريش له يرى الأجنحة من حوله تخفق ألا ينبض بأجنحته العارية ! ...
الحرب و الفقر واحد ، عدا أن أولهما قضية عالمية لا حل لها ... و ثانيهما قضية محلية منعدم حلها أيضاً ! ...
جوليان كان تحت تأثير كل طاغية منهما ، كل منهما كأسيد حارق سامّ أزهق روح حلم متبرعم ... لا يزال يذكر الغرفة الصغيرة التي اتخذها والده مرسماً ، قناديله الزيتية و ألوانه المتناثرة في كل مكان جاعلةً كل بقعة تزهو ربيعاً ... و لا يزال يذكر شوارع برشلونة المحتشدة بالأصوات ، النور و الحياة ... لكن كل جمع قد تشتت و كل روح قد أُفنيت سواء مادياً أم معنوياً ...
أنت تقرأ
أجنحة من رماد
Short Story" حمامة سِلمك و إن غاب ... أنا اكسير الحياة لك و إن أحاطك الموت ... أنا غصن مورق في قلبك و إن أحرقت نيران الحرب أراضيه ... أنا ... " ما الحرب إلا شظايا سحر أسود تتوغل في الأجنحة فتلعنها إلى رماد ... ! ...