كعادتِها في عملِها بِمطعمٍ شهير كنادِلة بوجهِها البشوش تُقابلُ الزبائن، كانت تُضفي على المكان بهجةً وجواً هادئاً و جميلاً ...
وكان ستيفن الذي يعمل كمحاسِب يُحاوِلُ الإقتِراب منها بِنوايا خبيثة، كانت نظراتُه تُرعِبها ولكن إن تركَت عملها لن تجِد سِواه ، لذلك قرَّرت أن تتجاهله وطلبت من مدير المطعم إذناً بالذهابِ باكِراً مُتحجِّجةً بخوفِها من السير وحيدةً بشارع مُظلِم ولكنَّ الحقيقة هي خوفها مما ينوي ستيفن فِعله.
هدَّدها مرةً إن بقيَت تتهرَّبُ منه فإنها سترى ما لن يُعجبها، لكنَّها تجاهلَت ولم تُعِر تهديدَه أيّ اهتمام
دارَت الأيام على ذاتِ الروتين هي تُقَدِّم الطلبات لِلزبائن بابتِسامةٍ ودودة، وستيفن يُراقِبُها من خلف مكتبِه بنظراتٍ مُستَفِزَّة يُحاوِل التفكير بطريقةٍ للإنقِضاضِ على فريستِه المنيعة ، مُتظاهِراً بالطيبة.الجميع كان يعلَمُ بأنَّ ستيفِن هذا غامِض وكانت الشكوك تدورُ حوله بأنه يُخبِّئ سرّاً ما، ولكن لا أحد يعلم ماهو فهيئته ونظراته تشي بالخُبث الذي لم يُلاحظها سِواها،غير أنَّ جديته بِعملِه جعلت مدير المطعم يحتَفِظ به .
قبل شهرٍ تقريباً شاع في المدينة قصةٌ عن جريمة بشِعة حدثَت لِفتاة في مُقتبَل العُمر وُجِدت جُثَّتها ذات صباحٍ في وسطِ الطريق مشوَّهة والدماءُ تُغطي كلَّ جزءٍ من جسدِها، كانت الطعناتُ تُغطي جسدها وكأنَّ القاتِل سفَّاحٌ يُعاني من مرضٍ نفسِي بأعلى درجاته..
كان منظرُها فظيع جداً
وفي ذاتِ الشهرِ قدِمَ ستيفن للعمل وعلى قميصه بُقعةُ دِماءٍ باهِتة عجِزَت عن إزالتِها مواد التنظيف وكان من الواضِح بأنَّ ستيفن لم يُدرِك ذلك فلبِس قميصه بعد يومَين من الحادِثة بعد أن جفَّ من الغسيل، ربما كان مُتأخِّراً !
عندما سُئِل عن ماهية البُقعة ردَّ بارتِباكٍ كان من الواضح لِلوسي أنه حاول إخفاءه :أعاني من نزيف الأنفِ المفاجئ ربما نزلت الدماء على قميصي ولم تزِلها مواد التنظيف، يالَ تلك المصانع الكاذِبة يُقنِعوننا بِجودة المُنتَج حتى تُستَهلَك ولكن الحقيقة بأنها ضئيلة الجودة هههه لربما عليَّ غسله مُجدَّداً
وبالطبع هي لم تُصَدِّق ما قاله وزاد خوفها منه وأصبحت تتحاشى حتى النظر لِجهتهذات ليلةٍ من ليالي الشتاء استدعى المدير لوسي لِيُخبرها بأنَّ ليلة عيد الميلاد في الغد ولن تتمكَّن من الذهاب باكِراً حتى يتِم إغلاق المطعم بعد منتصف الليل !
انقبَضَ قلبها في تلك اللحظة وارتجفَ جسدُها وبدأت الأسئلة تنسابُ لِعقلِها تِباعاً ناشِرة الرعب بداخلها :
ماذا لو اقترب مني ستيفن ؟
ماذا لو استغلَّ فرصته ونفَّذ تهديداته ؟
ماذا لو أخبرتُ المدير بالسبب الحقيقي لِرغبتِي بالذهاب باكِراً ؟
وماذا لو لم يُصدِّقني واتَّهمني بهوَس الخوف ؟
تنبَّهَت أخيراً بأنَّ المدير يُكلِّمها وهي غارِقة كلِّيّاً بالتفكير وقالت مُحاوِلة اصطِناع الهدوء : لكَ ما شئتَ سيدي ولكن هل أطلُب منك شيئاً ؟
قال : طبعاً تفضَّلي
قالت : هل تسمح بأن توصِلني أنت في الغد لِمنزلي؟
أجاب : لا أستطيع أن أعِدك فكما تعلمين عليَّ قضاء الليلةِ مع زوجتي وأطفالي ، إنها ليلة استِثنائية ( غامِزاً ) ولكِن إن كنتِ تخافين لهذه الدرجة سأطلب من ستيفن أن يقوم بإيصالك ..
قالت وقد بدا التوتر يظهرُ بدرجاتٍ أعلى وحباتٌ من العرقِ بدَت على جبهتِها الرقيقة : لا ، لا أرجوك لا تُزعِجه سأذهبُ لِوحدي شكرا لك
وخرجَت مُسرِعةً لِتقِف قرب الباب تلهَث بسرعةٍ تحاول السيطرة على هدوئها وتهدئةِ خوفِها وإذ بصوتٍ مألوفٍ يقطَعُ محاولاتِها : ما بالُ حلوتي الخائفة ؟
التفتَت لِتتأكَّدَ من أنَّ ذاكَ الصوت لِستيفن حقاً أم أنَّها تتهيَّأ ذلك ،لِتجِده بعينينِ تُحدِّقان بها بحِدَّةٍ وابتِسامة صفراءُ يقطُر منها الخُبث ..
أجابت وهي تحاوِل إخفاء الخوف : لا شيء أبداً ، لديَّ عملٌ عليَّ إتمامَه وذهبت بِخُطاً مُسرِعة نحو طاولة جلس عليها لِلتو زبونٌ جديد..
بينما هي تبتعد عنه قال لها : سمِعتُ بأنكِ غداً ستذهبين متأخِّرة، يُمكِنني إيصالك وإن أردتِ بإمكاننا إمضاءُ بعض الوقتِ سويةً ؟
تجاهلَت كلماتِه ومضَت بينما همسَ هو بِتَحدٍّ : ستكونين وجبةَ عيد الميلادِ خاصَّتي، أووووه أشتاقُ جِدّاً لِلدماءِ الدافئةِ ذات اللونِ المُغري بعد الإحتفالِ الجنوني ...
وذهب لِيُكمِل عملَه بعدَ شعورِه بالإنتِصار والتلذِّذِ برغبةٍ باتت قريبةً منه ...
كان صباحُ يومِ عيد الميلادِ هادئاً وجميلاً ، خمَّنَت لوسي بأنه بدايةٌ رائعة لعامٍ جديدٍ ، وربما قد يكون نهايةً لِعملها في ذلك المطعم وانتِقالها لِعملٍ أفضل ، مما يعني خلاصها من ستيفن ونظراته الغامِضة والمُفزِعة
تساءلَت : لِمَ لا يشعُر أحدٌ من زميلاتِها بخُبثه ويرونَه إنساناً طيِّباً ومُسالِم ؟
لِم لا يخفنَ منه ؟
اتَّهمتها صديقتها دَيانا مرَّةً بأنَّ هوسَ الخوفِ جعلها تشعُر بذلك وعرَضَت عليها الذهاب لِطبيبٍ نفسي..
ولكنَّ تخليص العالمِ من ذاك المريضِ المجنون بات أمراً في غاية الأهمية، عليها انقاذُ ما استطاعت من الفتياتِ غيرها ولو كانت ضحيَّة ، بكِلا الحالتين هي ضحية!
لم تشعُر بذاتِها كيف انقضَّت على ظهره وبدأت توجه الطعنات الواحدة تلو الأخرى بقوة انتِقاماً لها ولِتلكَ المسكينة قبلها ، ورغبة بِتخليصِ المدينة من إجرامه حتى سقط أرضاً وبلا حراك
صُعِقت لدى رؤيتِه جثةً غارقة بالدماء أمامها، لم تُصدِّق بأنها من فعلت ذلك..
لقد أصبحتُ مُجرمة!
قالت ذلك والرعب يتملَّكُها!
شعرَت بالإرهاق ،نظرت لِجسدِها المغطى بالندوب والدماء وبدأت البكاء بهستيرية
"ماذا فعلتُ ؟"
خفقاتُ قلبها كانت تخفُت وجسدُها بدأ بالإرتِخاء لكنها قاوَمَت لِتخرُج من ذاك المكان القذر، ومن أمام تلك الجثة البشعة أمامها..
كانت تُدرِكُ بأنها ربما لن تقوى على البقاء حيةً ولكن على الأقل ستفقد حياتها في مكانٍ أفضل.
تمكنت من الخروج من ذاك الكوخِ البعيد عن المدينة، كانت تبذلُ مجهوداً كبيراً حتى تسير الخطوة الواحِدة وقلبُها يرتعش وأنفاسُها تتضاءلُ شيئاً فشيئاً ..
والظلام الدامِس الذي يُغطي الغابة المُطِلَّة على المدينة يزيدُها رُعباً
قاوَمَت حتى تمكنت من الوصولِ لِلطريق العام ودارت الدنيا بها حتى سقطَت وانقطعَت الحياة عن أنفاسها، فجأةً خفتَ كل شيءٍ وانتهى!