إنه يوم عيد الميلاد، الجميع مُنشَغِلٌ في المطعمِ بتحضير الوجبات والزينة للإحتفال ، والجميع مُتحمِّسٌ لِلبدايةِ الجديدة ..
ولوسي قرَّرت أن تكون كذلكَ أيضاً ، عمِلَت بِجِدٍّ كالجميع وقامَت بِتزيينِ شجرةِ عيد الميلاد بشغف
بدأ المكان بالإزدِحام وبدأت الأصواتُ تتعالى والطلباتُ تكثُر..
- لو سمحت، هلا أحضرت لي قائمة الطعام
-ثلاث أكواب عصير برتُقال من فضلِك
-الدجاجُ ينقصُه القليل من الملح، هلاَّ أحضرتَ الملح
................
.............
في ظلِّ كلِّ ذاك الازدِحام لاحظت لوسي غِياب ستيفن ووقوف "ويلي" مكانه، استغرَبَت الأمر إذ أنه ممنوع أخذ الإجازات خصوصاً في مثل هذا اليوم!
ذهبَت وسألت ويلي عن الأمر مُتجاهِلَةً شعورها بالخوف عمداً فأجاب : لقد تعرَّض أحد أقرِبائه لحادِث واضطرَّ للذهابِ مُسرِعاً ..
ثمَّ أكمل ضاحِكاً : أيعقَلُ بأنكِ بدأتِ تفتقدينه؟
ربما كان خوفكِ منه حميداً ( غامزاً)
سألت : ماذا تقصِد بالخوفِ الحميد؟
أجابَ وقد لاحَت ابتِسامةٌ على وجهه : أقصِد أنَّ خوفكِ نابِعٌ عن محبة..
أجابت نافِيةً : ماذا؟
لا شيء من هذا القبيل سيحدُث، غداً سترى بأنَّه مُخيف ومُرعِب وغير طبيعي، سيأتي اليوم الذي سأُثبِتُ فيه بأنه يُخفي وراءه شيئاً غامِضاً ومُخيفاً ..
وذهَبَت لِتُلَبي نداء الطاولة رقم 13 ، غير مُدرِكَةٍ بأنها تفوَّهَت بِحقيقةِ الغد أي اليوم الأول من السنة الجديدة!
كان الزبون غريب الأطوارِ والهيئة، ملابِسُ مُهترِئة وظهرٌ مُنحَنٍ ولحية تخفي ملامِح الوجه بشكلٍ مُريب
قالت له بناءً على مظهره الذي يوحي بالفقرِ الشديد : أهلا بك سيدي ولكننا لا نُقَدِّم وجبات مجانيَّة
أجاب بصوتٍ خشن :
ومن قال بأني أبحثُ عن وجباتٍ مجانية، ألا تري بأني رجلٌ كبيرٌ في السن ، كلُّ ما في الأمرِ أني شعرتُ بالتعبِ جرَّاء السير على قدميَّ ودخلتُ المطعم لِآخذ قِسطاً من الراحة ،لا تقلقي سأخرج فوراً ولكن هل لي بِكوب ماء ؟
أجابَت : انتظرني قليلاً يا عم سأُحضِر لك الماء ..
وبعد أن شرِبَ طلب منها أن توصِله لخارج المطعم إذ أنَّه يصابُ بالدوارِ في الأماكن المُزدَحِمة ، وافقت على الفورِ مُتعاطِفةً مع الرجل المِسكين ..في الخارجِ وقعَت لوسي أرضاً وبسبب الضَّوضاء والازدحام لم يشعُر أحدٌ بغيابِها..
عندَما استيقظت من إغماءتِها وجدَت نفسها بِمكانٍ فظيعِ البشاعة مُظلِم ومُخيف ، يديها مُقَيَّدَتين لِلخلف وفمُها مُغلَقٌ بإحكامٍ بوساطةٍ قماشة قذرة ..
كانت ترتجِفُ خوفاً وهي تحاولُ فكَّ شيفراتِ المكان ولكن الظلام حالَ دون ذلك ..
ضوءٌ ينتشِر فجأةً من جهةِ بابٍ يُفتحُ ، لم تستطِع تمييز الداخلِ عليها من شِدةِ الضوء ولكن ذلك الصوت عندما تكلَّم : وأخيراً حلوتي هنا وحان الوقت !
بدأت بالصراخ ولكنَّ الصوت المخنوق لايكادُ يخرج من بين جدران تلك الغرفة ذاتِ الرائحة النَّتِنة..
اقتربَ منها حتى صار مقابِلاً لها وهمس في أذنها وهو يتلمَّسُ جسدها المُرتَعِش بأصابع خشنة :
ألم أقل لكِ بأنكِ ستكونين وجبتي لعيد الميلاد؟
أتذكُرين يومَ مُزاحي معكِ ، كنتُ أحاوِلُ تثبيتي بذاكِرتك وإشعال الخوفِ بداخلكِ ، كنتُ كلما رأيتُ خوفكِ أستلِذُّ أكثر وأشتاقُ لرائحة دمائكِ أكثر ..
أخبريني عزيزتي : بأيِّ شيءٍ أبدأ ؟
هذي الأدوات أمامكِ ( أشارَ بيدِه إلى كومة سكاكين ومشارطَ وأدوات تعذيب مختلِفة ) اختاري ما تحبين منها ..
كانت مرعوبة تكادُ تنفجِرُ عيناها من الدموع وهي تهزُّ رأسها بالنفي وجسدها يرتَعِشُ خوفاً
بلهجةٍ ساخِرةٍ قال : أوه ، آسف صغيرتي لم أخبِركِ بأنَّ سماعي لنبرةِ الضحية الخائفة تزيدُ من شهيَّتي
وفكَّ القماش عن فمِها لتبدأ بالصراخ الهستيري : ماذا تريدُ مني اتركني وشأني أيها السفاح !
ببرود قا : لم تُخبريني ، بماذا تُحبين أن أبدأ من هذه الأدوات ؟
أظنُّ أنه عليَّ إضافةُ بعضِ الإثارة ، قال ذلك واتجه عند البابِ وقام بإقفاله وبعدها اتجه ناحية لوسي وبدأ بِفكِّ يديها ، كانَ يعلم بأنَّ الرُّعب أفقدها القدرة على الحراكِ ، والتقط من جانِبه سلسلة حديدية وبدأ يسرِد كلامه وهو يتلمَّسها وكأنها قطعةٌ أثريةٌ نادرة :
أعشق التعذيب وخاصة تعذيب الفتياتِ العنيدات ،هي عادةٌ قديمة أحتفِلُ كلَّ عيد ميلادٍ بانتِصاري على أمي التي عانَدَت وجاهَدَت لإبعادِ طفلٍ عنيفٍ عنها ، انتصرتُ عليها يومَ انتقمتُ لِنفسي وعذبتُها حتى الموت ، حتى سالت الدماءُ الدافئة من جميع أنحاء جسدها، كان المنظرُ شهِياً وشعوري بالانتِصارِ زاد الأمرَ جمالاً وشغفاً ..
رسمتُ كافة أنواعِ العذابِ الذي سبَّبته لي ندوباً على جسدِها، ولِفرطِ ما شعرتُ باللذة صِرتُ أتصيَّدُ كلَّ فتاةٍ عنيدةٍ كلَّ سنةٍ لِأمارِس سادِيَّتي المجنونة عليها ، لِأنتقِم لِنفسي مرَّةً أخرى ، ولِأشهقَ مندَهِشاً وسعيداً بتلكَ الدماءِ التي تنبثِقُ بكثافةٍ من كلِّ مكانٍ أمرِّرُ فيه مِشرَطي جاعِلاً الأحمر ولا شيء سواه يقتحِم الجسد القابع أمامي..
ولكن أظنُّ بأني فقدتُ السيطرة على نفسي، قبلَ شهرٍ مارَستُ طقوسي على فتاةٍ استفزَّتني ولم استطع الانتظارِ لِليلة عيد الميلاد، ولِلحقيقة استمتعتُ بتعذيبها لِلغاية، آمل أن أحصلَ على ذاتِ المتعةِ الآن فجأةً وبحركةٍ مُباغِتة ضربها بذاك السلسال الحديدي على جسدِها مُسبِّباً نفور الدم، لَدى أول صرخةِ ألمٍ خرجت منها، صرخَ هو ضاحِكاً : بدأ الإحتفال.. عام مجيد عزيزتي!
تتالَت الضربات وعَلا صوتُ صراخها ولكنَّ أحداً لم يسمع، المدينة تَضُجُّ بصخبِ الاحتفالات وهي تضُجُّ بألمِ عذابٍ لا تستحقُّه حتى أُغمي عليها من كثرة الضربِ وهذا ما لم يُعجِب ستيفن الذي كان قد جهَّز وِعاء ماءٍ باردٍ لِغرضِ عدم التوقف عن متعته المُطلقة
سكبَ الماء البارد عليها لِتصحو فزِعة مُنهارة وبابتِسامةٍ يقول : لا يحِقُّ لكِ إيقافُ اللعبة متى شئتِ ،ستُقلِّلين من حجمِ المُتعة المرجوَّة
يُكمِلُ تعذيبه بالضرب وبينما هو كذلك حاولَت التفكير بطريقةٍ لِلخلاص ، قالت في نفسِها: الغرفة مليئة بالأدواتِ الحادة ، لِم لا أُمسِك إحداها وأستجمِع قِواي فأنقضُّ عليه مرةً واحدةِ؟
ظلَّت تتحمَّلُ الضربات الواحدة تلوَ الأخرى مُحاولة الوصول لإحدى تلك الأدوات الحادة، كان الأمرُ في منتهى الصعوبة لكنه يستحقُّ المُجازفة ..
أخيراً بعد جُهدٍ كبير تمكنت من التِقاطِ سكينٍ أخفتها خلف ظهرِها بانتظارِ أن يلتفِت قليلاً ، كان تركيزها مُنصبّاً على استِجماعِ قوتِها لحظة التِفافِه للخلف والانقضاضِ عليه بتلك السكين..
وأخيراً تعب ستيفن وقرَّر أن يأخذ استراحةً يختار فيها أداة جديدة..
لوسي تكادُ تلفِظ أنفاسها ولكنَّ تخليص العالمِ من ذاك المريضِ المجنون بات أمراً في غاية الأهمية، عليها انقاذُ ما استطاعت من الفتياتِ غيرها ولو كانت ضحيَّة ، بكِلا الحالتين هي ضحية!
لم تشعُر بذاتِها كيف انقضَّت على ظهره وبدأت توجه الطعنات الواحدة تلو الأخرى بقوة انتِقاماً لها ولِتلكَ المسكينة قبلها ، ورغبة بِتخليصِ المدينة من إجرامه حتى سقط أرضاً وبلا حراك
صُعِقت لدى رؤيتِه جثةً غارقة بالدماء أمامها، لم تُصدِّق بأنها من فعلت ذلك..
لقد أصبحتُ مُجرمة!
قالت ذلك والرعب يتملَّكُها!
شعرَت بالإرهاق ،نظرت لِجسدِها المغطى بالندوب والدماء وبدأت البكاء بهستيرية
"ماذا فعلتُ ؟"
خفقاتُ قلبها كانت تخفُت وجسدُها بدأ بالإرتِخاء لكنها قاوَمَت لِتخرُج من ذاك المكان القذر، ومن أمام تلك الجثة البشعة أمامها..
كانت تُدرِكُ بأنها ربما لن تقوى على البقاء حيةً ولكن على الأقل ستفقد حياتها في مكانٍ أفضل.
تمكنت من الخروج من ذاك الكوخِ البعيد عن المدينة، كانت تبذلُ مجهوداً كبيراً حتى تسير الخطوة الواحِدة وقلبُها يرتعش وأنفاسُها تتضاءلُ شيئاً فشيئاً ..
والظلام الدامِس الذي يُغطي الغابة المُطِلَّة على المدينة يزيدُها رُعباً
قاوَمَت حتى تمكنت من الوصولِ لِلطريق العام ودارت الدنيا بها حتى سقطَت وانقطعَت الحياة عن أنفاسها، فجأةً خفتَ كل شيءٍ وانتهى!في الصباح استيقظَت المدينة على خبرِ وجود جثةٍ على الطريق العام!
بينما كان مدير المطعم يتصفَّح جريدته فجأةً صرخ قائلاً : إنها لوسي!!
ركض ويلي لِيرى وبدأ يبكي بشدة وهو يهذي :
لقد أثبتَت ما خافت منه ، بعد أن قرأ في الصحيفة :
لقد تمَّ إيجاد جثة القاتل " ستيفيانو " المعروف باسم "ستيفن " في المدينة مقتولاً بكوخِ جرائمه على يد ضحيَّته التي فارقَت الحياة إثر تعذيبه أثناء هروبها بعد طعنه على الطريق العام ليلاً "