لا أدري كم مضى عليّ هنا، لكن يبدو كأنّني البارحة فقط بدأت العمل. لا أدري إن كنت أنا من يعيش في الماضي لدرجة أنّني لم أعد أحسّ بالحاضر، أو أن الوقت أصبح يطير محقّقًا لإحدى علامات السّاعة المذكورة، أو أنّني شغلتُ نفسي كثيرا كلّ يوم لدرجة أنّني لم ألاحظ الوقت ينسلّ من بين يدي...أو أنّني ببساطة لم أعد أهتم.
تلقيت رسالة من عبد الغني يقول فيها:
"السلام عليكم ورحمة الله؛ بني، لا أعرف كيف حالك هناك، فأنا أعرف أنّك نوعا ما فاشل في علم الاجتماع؛ أنت في حيّنا هذا منذ سبع سنوات ولم تصنع فيه صديقا واحدا ولم أرك يوما تسهر مع أحد غيري، لذا أريدك أن تعرف جيدا وتتذكر دوما أنّه سيكون لك أهل ومنزل هنا.
عائلتي تحبّك حتى قبل أن تعرفك؛ لا أدري إن كنت أنت بشر ا أو ملاكا، ولكنّني أعرف أنّك جعلت والديك فخورين بك جدًّا.تخيّل، ابنتي رفضت الزّواج دوني، دون أبيها، وبما أنّنا اجتمعنا، عقدتُ خطبتها وأنت مدعو طبعا للزّفاف؛ يبدو أنّهم لم ينسوني بعد كل شيء، شعور جميل حقًّا أن تكون محفورا في عقول وقلوب الآخرين بالخير أينما كنت أو كيفما كنت، شعور جميل حقًّا أشاركك إياه لأنّك تعيش فينا ومنّا كلّ يوم.
بالمناسبة، لقد أصبحت قيّم المسجد، وحفيدي الأكبر، الذّي يكتب هذه الرسالة الآن، أصبح لا يفارقني وبجنبي في كلّ صلاة أو عمل؛ غريب كيف بدأ النّاس يحترمونني لمجرّد أنّني لم أصبح متسولا..ففي النّهاية، ألسنا جميعنا كذلك؟
لقد فتحتُ المطعم ووسعتُ فيه ليشمل الرّواق وأعدت تفصيل المنزل، بعون الله ثمّ أبنائي، لإضافة غرفة صغيرة أخرى فيه؛ العمل جيّد، بل ممتاز بفضل الله تعالى؛ كلّ أبنائي يعملون فيه، منهم حتّى من يعمل نهارا في وظيفته وليلا في المطعم معي، وأنا سعيد لأخبرك أنّنا لم نكن يوما أكثر سعادة؛ الكلمات لا تستطيع وصف ما فعلتَهُ لي ولعائلتي، لا يمكنني حتّى أن أصف ما أشعر به، لقد أعطيتَني منزلا وأهلا، لن أموت وحيدا وذاك كان خوفي أنا، وفي كلّ صلاة وكلّ دعاء أسأل الله أن يجمعك بأهلك في الفردوس الأعلى كما جمعتني بأهلي في الدنيا.
أعلم أنَّ هذه الدّنيا لا تهمُّك ولا يجب أن تهمّ أحدا فهي زائلة؛ لا مالَ ولا أجرَ في الدّنيا قد يمكِّنُني من ردّ المعروف لك، لذا بدل ذلك نحن نقدّم الأكل مجانا للمتشردين وعابري السّبيل والفقراء، ولقد تصدّقت بملابس أبيك وأمّك عليهم ووضعت الماء خارجا..كلّ هذا صدقة لك ولأهلك.
أنت تقرأ
كل شيء بقدر
Mystery / Thrillerرواية كلّ شيء بقدر هي رواية اجتماعية بطابع ديني جميل وهادئ، تتحدث عموما عن الحياة بمنظور شابّ وشابّة. الشّاب بعد تخرّجه يبحث عن عمل، ثمّ فجأة يخسر أعز ما يملك وسبب عيشه، فيهزّ رحاله ويهرب من منزله إلى المجهول تاركا خلفه ذكريات وأحداث أخرى ستكتشفونها...