نائم

141 29 47
                                    

كنت جالساً في المقعد الخلفي، أحس بهزات العجلة تحتي ، والتي كانت تدفعني أكثر للنوم، كنت أسمع المحادثات من حولي ، أبي يتكلم ، أمي ترد عليه، أخي الجالس في المقعد الأمامي يتذمر و أمي تتذمر حول تذمره الدائم.

سمعت ولم أنصت، لم أفهم شيئا مما قالوا، كنت كأنني أغوص أكثر فأكثر كل لحظة، تارة أرى عائلتي وتارة أرى سوادا.

ثم شعرت بالإهتزاز على جبهتي ،كانت مزعجة قليلا، إلا أنني كنت شديد التعب فلم أتحرك ، ثم أربتت أمي على كتفي وهي تقول:
«إستيقظ ... لا أريدك أن تدخل على خالاتك ووجهك منتفخ نوماً ،ولماذا لم تحلق! تبدو كفتاة صغيرة... آه يا إلهي ! لن يتوقف جميع من في العائلة عن التعليق اليوم! »

نظرت إليها بنوع من الإزدراء ، أومأتُ برأسي موافقا ثم عدت وأسندت رأسي للنافذة ، في البداية لم أرِد أن أنام ، لكنني بعد سماع خطاب أمي المؤثر ، استسلمت للنعاس ، ولو لم يكن حاضراً لأجبرت نفسي على النوم.

كان الأمر عجيباً ! كنت بدأت أغوص في النوم ، محادثات عائلتي بدأت تبدو مبهمة ، عيناي أثقل من قدرتي على فتحهما ، جسدي أصبح أكثر إسترخاءاً ، وهزات السيارت وصوتها أصبحا كترنيمة للنوم ، فجأةً توقف الاهتزاز! توقف تماماً ! إختفت كل الأصوات ، لم أسمع صوتا ممثالاً من قبل في حياتي الصاخبة، كان الصمت شديدا جدًّا ، لم يكسره سوى صوت انشقاق زجاج النافذة، فقد كان رأسي مستندا عليها... يبدو أنني كسرتها.

كنت خائفاً من ردة فعل والدي ففتحت عينيّ وحولتهما إليه... لم يكن أحد هناك... حولت نظري إلى النافذة مرة أخرى فلم أجدها!

نظرت حولي فلم أجد عائلتي،لم أجد السيارة ، لا طريق ... لا سماء و لا أرض! كنت في نوع من اللاشيء، كنت جالساً على لاشيئ ، محاطا بلاشيئ ... كان اللاشيئ ممتداً على مد البصر.

هل تساءلت يوماً ما هو لون اللاشيئ ؟ كان وردياً ، لم أتخيل يوماً أن لونه شديد الأنوثة ، لكن هذا ما كان عليه.

وقفت على قدماي ، لم أدري ماكنت أدوس عليه ، أهو أرض أم سماء؟ لقد كان اللون مماثلا فلم أدري ما كنت فيه، بدأتُ في المشي فلم أشعر بأنني أمشي، لم أدري هل أنا أتقدم أم أتأخر ، كنت في اللامكان .

رغم هذا لم أتوقف ! لم أرد أن أبقى مكاني في اللامكان، فإذا كنت لا أتقدم فضلت أن أبقى مكاني و أنا أمشي على الجلوس دون حيلة.

بعد مدة من المشي المستمر ، بدأ نوع من الدخان ينتشر حولي ، كان ذا لون وردي أفتح من لون اللامكان ، وكان ينتشر على علو منخفض، وإتشر على مد البصر فرسم خط الأفق ، فخلق نوعا من التباين بين السماء والأرض ، معطيا اللامكان نوعاً من المنظور، لكنه لم يجب على السؤال: هل أنا أتقدم أم في مكاني ؟

سرعان ما عرفت جواب ذلك السؤال حين رأيتُ شخصا ، لا أدري لماذا بدأت الهرولة نحوه ... لكنني فعلت ، وكلما إقتربت منه  أنقصت سرعتي أكثر فأكثر!

نائمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن