تسارعت انفاسه تزامنًا مع ارتفاع و هبوط صدره بعنف كأن ما اضطرب هو موقع قلبه فى صدره ليس ضرباته، احتارت عيناه بين رعبها و دهشتها لتحكم نظرته على الجثة قبالته لا لها أن تغلق هاربة مما أمامها و لا أن تحيط بما حوله.شرع فى محاولة إنعاش حواسه بعد أن إستقلت عن رعبه خاضعة إلى دماغه مرة أخرى،الأنوار الخافتة الصادرة من عدة مصابيح رأتها عيناه عيون وحوش كوابيسه ، صوت هبوب الرياح كان سمعته أذناه فحيح أفعى، أما أنفه فكانت تشتتم رائحة نتنة.
ربما كانت رائحة الخطيئة و ربما بدأت الجثة بالتعفن بالفعل!
واجه صعوبة فى ترتيب المعلومات المتدافعة إلى إدراكه داخل عقله ليستسلم و يحاول فى تنظيم أنفاسه أولًا.. "شهيق.. زفير.. شهيق.. زفير.. واحد.. أثنان.. واحد.. إثنان.. شهيق.. زفير" همس بخفوت بينما أسند كف يده إلى صدره كأنما يربت على قلبه ليهدأ.
رمش عدة مرات مهيئًا عينيه لتشرع فى تمعن الجثة أمامه. أدرك أن ظهرها يواجهه ليواجه نفسه بحقيقة أن عليه لمسها ليديرها إليه.
ما تبقى من قواه لم يعد يقدر على مقاومة الجاذبية الأرضية لتخور ركبتيه على الأرض. ظهره مقوس ألى الأمام فما حال بين كتفيه و السقوط امامه سوى رعبه من الهبوط إلى الجثة أمامه..
رعبه الذى أبهت اللون فى وجهه حتى درجة بياض الثلج.. رعبه الذى أجحظ عيناه حتى أنه يكاد يشعر بها ستسقط من محجريهما.. رعبه الذى يرسل رعشة مشتِتة إلى جسده بأكمله..
مد ذراعه المرتعش ببطء ليسحب كفه كتف الجثة إلى الوراء فيلاقى ظهرها الارض و وجهها وجهه!
وجهها.. وجهها كان متألم مؤلم.. مرعب بشكل مؤلم.. كان ممزقًا.. أظافر القاتل مزقت وجهه بالكامل.. مزقت رقبته.. أنفه.. وجنتيه.. شفتيه.. لا يرى عينيه.. فقط موضعين لما كان دفق من الدماء السائلة و الآن متحجرة..
جسده تعرض لطعنات غائرة.. الكثير منها.. طعنة.. اثنان.. ثلاثة.. أربعة.. خمسة.. ستة.. سبعة.. توقفت عينيه متابعة الطعنات من كتفه حتى قدميه و عقله عن العد عندما اخترق اذنه صوت صادر مِن حوله..
شعر بفقدانه للسيطرة على حواسه مرة أخرى لثانية رمشت بها عيناه مائة مرة كأنها فى كل مرة تتمنى إطلاق نظرها ليرى نفسه فى مكان آخر.. لكنه مازال هنا.. مازال يرى الدماء .. مازال يشتمها.. مازال يشعر بها على جلده الصلب.. تنكزه و كأنها تخترقه..
زفر نفَسِه بضعف، أسند يديه إلى الأرض محاولًا الضغط عليها للنهوض.. إستقام جسده بعناء بعد أن ظنها مهمة مستحيلة.. عاد الصوت يرعب أذنه مرة ثم تنشر الرعب فى جسده كله حتى أطرافه لتتفاقم الرعشة التى بها.
جسده يدور حول ذاته بضياع.. أنفاسه متسارعة فى يأس.. عينه أرسلت بعض دموع لتغسل قطرات الدماء التى تناثرت على وجهه.. ركبته تنتكس أحيانا فتثنى و تميل الى الأمام كأنه سيسقط مرة أخرى ثم يعود فتستقيم قدمه مرة أخرى فى ثانية.. يبحث عن مصدر الصوت و لا يريد أن يجده!
عينه تاهت فى الظلام الذى تخللته بعض أضواء المصابيح الخافتة بضعف.. هناك بعض النوافذ حوله لكنها لا تمد المكان بأى ضوء.. يبدو أنه وقت متأخر من الليل.. الليل.. ملاذ المجانين و مأوى العاشقين.. و سراح المجرمين!
المجرمين.
هل يكون المجرم هو مصدر الصوت؟! هل يكون القاتل هنا؟! هل يبحث عنه؟ هل يعرف أنه هنا؟ هل سينتهى به الحال ممددًا ممزقًا بجانب الجثة؟
دورانه حول نفسه صار همجيًا مستنفذًا لما بقى من قواه العقلية، توقف عن الدوران فى المكان ليبدأ المكان بالدوران حوله! هو يشعر بالدوار! زاغ بصره و ترنح جسده مع نسمات الهواء الباردة مستسلمًا لها..
يريد أن يهدأ.. ربما يبكى أيضًا.. يحتاج أن يريح جسده و يغمض عينيه.. يحتاج أن يريحها بعد كل ما رأته! بحتاج أن يستسلم لأى ما كان هنا حوله لكن رهبته لم تسمح له..
كانت تتحكم فى عقله المشتت، ضربات قلبه العنيفة، و أطرافه عابثة التحركات..
شهيق.. زفير.. شهيق.. زفير.. شهيق.. زفير.. أغمض عينيه بقوة.. سيفتحها الآن و سينظر حوله بهدوء.. سيرى مصدر الصوت و لن يكون شيئا سيئًا.. ربما باب استسلم قِدَمه لنسمات الهواء.. ربما فأر هو من عبث بمجموعة من الأخشاب هنا.. سيعرف مصدر الصوت و يتوقف عن محاولة ايجاد سبب وجوده هنا و يجد طريقة للفرار.. هكذا حدَّث نفسه..
فتح عينيه.. نظر حوله بهدوء.. زفر بسكينة عندما وقع نظره على باب خشبى تداعبه نسمات الهواء، شغله شعوره بالإرتياح عن شعوره بأنه أكبر مغفل فى العالم و أكثرهم جبنًا.. و الآن الجزء الأصعب من الخطة.. الهرب..
حاول دراسة المكان حوله رغم الظلمة.. أخذ عدة خطوات فى طريقه المبهم للهرب حتى بدأ يسمع الأصوات مجددًا.. استدار لينظر خلفه و بدأ يخطو للوراء آبيا الوقوف مرة أخرى حتى شعر بشئ صلب خلفه.. خشى أن يرجع خطوة أخرى للوراء محاولا ادراك حقيقة ما ورائه و خاف ان يمد يديه إلى خلفه ليلمسه..
هل يكون المجرم ورائه ساكنًا سكون التمساح فى الماء؟ عليه أن يعرف.. عليه أن يستدير ليعرف.. أخذ نفسًا عميقًا.. سيستدير الآن و سيعرف.. سيواجه الللعين الذى أتى به هنا.. اللعين الذى مزق إنسان بلا رحمة.. اللعين الذى سبب له كل هذا الإضطراب.. كل هذا الرعب.. كل هذا الألم.. كل هذا الشقاء..
واحد.. اثنان.. ثلاثة.. عدَّ ثم أدار جسده بأكمله.. توسعت عيناه و برزت عروق وجهه فى رهبة مما أمامه.. مِن مَن أمامه ليصح التعبير.. إنه هو.. اللعين هنا أمامه.. جثة ضخمة و وجه كريه.. عينين يكمن شر العالم بهما و دماء متناثرة زادت مهابة!
لم تقدر عيناه على الرمش كما لم يقدر جسده على الهرب.. شعر بأنفاسه تتوقف و روحه تغادر جسده لحظة قبل أن يضيق عيناه و يعيد النظر إلى ما أمامه..
إنها فقط مرآة!
لحظات أخرى مرت فى سكون على هذا المكان المهجور المظلم قبل أن يفيض منه ضحكة شيطانية تقودك للجنون!

أنت تقرأ
مَيت.
Short Storyهل تعرف الفرق بين الميْت و الميِّت؟ -تنبيه:ليست مناسبة لأصحاب القلوب الضعيفة! قصة قصيرة|One Shot. Highest ranking: #4 ميت.