اُدعى ماكسين اعيش مع والداي واخي التوأم إليوت، استطيع القول بالكاد ان حياتنا كانت طبيعية لولا كوننَا نقطُن في منزلٍ معزول أعلى التل وكأنه اراد الهروب من صخب الحياة في الأسفل ولولا ايضاً تصرُفات والدي الغريبة والتي بدأنا نُلاحظها مؤخراً انا وإليوت، وإن استخدمتُ لفظ "غريبة" عليها قد تعتقدونها كأيِ تصرُف غريب آخر عادي لكنها لم تكُن كذلك، لم تكُن عادية إطلاقاً ومايُزعجني أكثر هو ان والدتي لم تكُن تلحظُها.
في ليلةٍ مطيرة انقطع فيها التيار الكهربائي للمرة المليار هذا الأُسبوع وعِندما حدّثت صديقاتي الشهر الماضي عن نوبة انقطاعات الكهرباء السابقة أجبنني بالنفي التام عن اي شيء كهذا حدَث لأسلاك منازلهم فإستنتجت بنفسي قبل ان تُخبرني احداهن ساخره " ماكسين رُبما هذه واحدة من اصل عشرات مشاكل منزلكم المسكون " اغتصبت ابتسامة مُكرهة خِشية فُقدان احدى صديقاتي اللواتي بدأن يتلاشين تدريجياً.
رُغم ان منزلنا معزول إلا انني لم ألحظ قط اي فِعل يدل على وجود الأشباح او اي شي ذو قوة خارقة فيه بل ومتأكدة تماما من خلوه منهم ومع ذلك لم اُحبه قَط، نُضطر انا وإليوت للمشي يومياً قاصديْن المدرسة ولكم ان تتخيلوا كم متراً تبعُد عن مكان إقامتنا ناهيك عن انقطاع التيار المُستمر وكمية الرُعب التي تُداهمنا انا وإليوت كلما خرجنا ليلاً الى ساحة المنزل الخارجية لإخراج النفايات او احضار شيء قد نسيناه في الخارج فما ان تحَط عقارب الساعة على التاسعة مساءً يستحيل ان يخرُج احدُنا دون الاخر في تلك العتمة.
حاولت محادثة ابي مراراً حيال هذا الموضوع وان علينا البدء في التفكير في شراء منزل جديد في حي به جيران وذو مسافةٍ اقرب بينه وبين المدرسة إلا انه يجيبُني بالرد المُعتاد والذي اصبحت احفظُه عن ظهرِ قلب " هذا منزل اجدادنا واسلافنا القُدماء وُلدت فيه وسأموت فيه "
وبذكر هذا، المنزل اكله الدهر حتى ومع محاولات امي العقيمة في تجديده وترميمه من خلال شراء اثاثٍ جديد او تغيير ورق الجدران او تعليق مزيد من اللوحات المُبهجة، لم تزده هذه الأخيرة بهجةً ولا جمالاً بل تركته على حاله كئيباً بندبات الزمن الغائرة واضحةً على جنباته، وما كان يُثير فضولي هو رِضى والدي التام بالتغيرات التي تُحدثها والدتي على "منزل اسلافة وتُراثه" بل ولم يكُن يكترث حتى، لم يكُن الأمر ذا أهمية لدرجة محاولتي لإيجاد مكان شاغر له بين أفكار عقلي المُتزاحمة لذا قررت نسيانه.
على أية حال كُنا في إجازة عِندما انقطع التيار تلك الليلة اتخذت مكاناً لي على الأريكة لأاقرأ بينما امسك إليوت جهاز التحكُم يُقلب محطات التلفاز كانت خياراته شحيحه فلم يكُن تلفازنا يعرِض معظَم القنوات التي تعرضها شاشات السُكان اسفل التل، اخبرته ان يخفِض من صوته قليلاً حتى تتسنى لي القراءة بتركيز لكن كُلما اغفل عنه يعاود وضع مستوى الصوت لأعلى درجة، طفح كيلي منه بعد فترة وهممت برمي اقرب شيء تصل إليه يدي عليه وكِدت افعل لولا ان قاطعتنا العتمة والهدوء التام، لم نتفاجأ كثيراً فكما قلت كانت هذه هي المرة المليار هذا الأُسبوع صاح إليوت مُتململاً " امي الشموع! "، لم يحصُل إليوت على إجابة لذا نظر الى باب غُرفة والدانا بشك فنظرت بدوري بفضول ناحية الباب ثُم الى إليوت الذي راح يقول " انهما يتشاجران مُجدداً "
سألته بقلق حاولت اخفائه " كيف تعرِف؟، انا لا اسمع شيئاً " اجاب إليوت ولم تكُن اجابته قد اقنعتني وقتها " انا فقط عرفت ذلك " لم يكُن ممكناً معرفة ان كان مايقول إليوت حقيقةً أم لا فجدران المنزل عازلة للصوت لكن في بعضٍ من الأحيان ينسى احدُهما إغلاق باب الغُرفة بالكامل فيتسنى لي ولإليوت الإنصات لجزء من حديثهم إلا ان هذا الجزء الذي نسمعه لم يكُن كافياً ابداً لمعرفة سبب الشجار قبل ان تقوم والدتي بإغلاق الباب، كُنا نتحدَث وسط الظلام الذي قد اعتادت أعينُنا عليه، لم تظهر امي لإشعال الشموع لذا نهضت انا لتولي المهمة، فتحت احدَ الأدراج والذي امتلأ بأشكال والوان متعدده من الشموع واستخرجت مجموعةً منها ووزعتها في بعضِ ارجاء المنزل، كُنت اهُم بإشعال آخر شمعة وُعندما استدرت لوضعها في مكانها كان الباب من خلفي يُفتح ببطء ليخرج منه وجه غريب استغرقت ثانية لأستبين بأنه كان والدي الذي لم يتوقف ولو لبرهة عندما رآني بل اكمل مسيرة صاعداً السلالم، كنت اقِف مُمسكةً الشمعة بيد مُتصلبة ابردت من الخوف، خرجت والدتي من بعده وقالت بحنية " اوه عزيزتي ماكسين، ارى بأنكِ قمتي بإشعال الشموع انا مُمتنةٌ لك " لم ارُد عليها ولا اعرف ان كان هذا هو ماقالته فِعلاً فكُلُ ماكان عقلي يُفكر فيه هو" مابال وجه ابي للتو؟! "، لم تقُل امي اي شيء اكثر بل غادرَت هي الأُخرى، استغرقتُ عدّة دقائق في محاولات بائسة لإقناع عقلي ان مارأيته كان نتيجةً لإنعكاس الشمعة على وجهه لا أكثر ولم أُخاطر بأخبار احدٍ عمّا حدَث حتى اتأكد منه.
---
في يومِ الأثنين عِندما عُدت انا وإليوت من المدرسة كان والدي يجلس في غرفة المعيشة والغريب ان لا شيء بيَده والتلفاز امامه مُغلق كان يجلس مُحدقاً في الفراغ، ارعبتني وضعيته تلك لكن إليوت لم يبدُ عليه الإنزعاج حيث لم يكُن قد لحَظ اي شيء آنذاك فقد ألقى عليه التحية وجلَس بجواره وجلست انا على اريكتي المُفضلة مُلتقطةً الكتاب المقلوب على الطاولة بجواره لأُكمل ماتبقى من اسطر داخل ذاك الكتاب إلا انني لم اتمكن من قراءة حرفٍ واحد تلك الظهيره فقد بدأ والدي يتحدَث ولم استطِع منع نفسي من الإنصات له " كم تبلغان من العمر الآن؟ "
حلّت عليَ وإليوت سحابةَ صمت، كيف يُمكن ان ينسى أبٌ أعمار اولاده ورُغم هذا لم ينسَ هو ووالدتي ان يقيما احتفال اعياد ميلادنا قط فلماذا هذا السؤال الآن؟، عِندما نظَرت الى وجهه آنذاك لم استطِع استبيان ان كان ابي جادّاً ام انه كان يحاول ان يكون مضحكاً، لكنني قررت مسايرته حين قُلت " سنبلغ الثامنةَ عشرة الشهر القادم " ، قهقه إليوت قبل ان يقول " لا تخبرني بأنك نسيت يوم ميلادنا، انا اتطلع لهذا اليوم منذ السنةِ الماضيه "، انفرجت اسارير والدي وافصحت ابتسامةٌ عن اسنانه لكنني عرفتُ بأنه لم يفعَل ذلك نتيجةً لدُعابة إليوت بل عِندما اخبرته ببلوغنا الثامنةَ عشرةَ بعد شهر.
---
في مساء ذلك اليوم حدَث شجار اخر بين اُمي وابي وهذِه المرة ونتيجة لإفتعال ذلك الشجار في غُرفة نومهم عِوضاً عن غُرفة الجلوس استطعت سماع صُراخهم لكنه كان مُبهماً ولم استطع إستبيان كلماتٍ فيه كُنت في طريقي لدورة المياه عِندما سمِعتهم ألصقت اذني على سطحِ الباب علّي استطيع إلتقاط كلمات مفهومه بفعلي هذا وبالفعل تمكنتُ من سماع صوت صُراخ ابي العالي " كُفي عن قلقكِ المبالغ هذا، لم يتبقَ إلا القليل وسينتهي كُل شي حينها "
لم استطِع سماعَ ماتقوله أُمي رُغم هذا فصوتها كان منخفضاً كثيراً مُقارنةً بوالدي ويبدو بأنها امرته بأن يُخفض صوته هو الآخر فلم أعُد استطيع سماعه.
غيرتُ وجهتي الى غُرفة إليوت وعِندما اخبرتُه بما سمِعت انهال علي بعشرات الأسئلة التي لا اعرف اجابتها واهمها كان " ماهو الشيء الذي سينتهي؟ بدأ نقاشي مع إليوت بأجوبة بائسة لهذا السؤال وانتهى بإتفاقي معه على وجوبنا بمعرفة مايدور حولنا فلم نعُد اطفالاً بعد الآن، سألتُ إليوت وانا اُمسك بمقبض باب غُرفته اهُم بإغلاقه " هل لاحظْت شيئاً غريباً في تصرُفات ابي؟ " اجابني بسؤال آخر " مالذي لاحظتِه انتِ؟ " لم اجِد سبباً لعدَم اخباري إليوت بالأمر فهو اخي التوأم بعد كُل شيء " لا بُد انكَ لاحظتَ مزاجه المُتقلب هذه الأيام وقبل يومين او ثلاث كان وجهه غريباً لا أعني غريباً بشكل عادي، انتَ تفهَم ما اقصد " نظَرتُ له خشية ان يستهزيء بي لكنه لم يفعل بل سألني بوجه جامد " كيف كان وجهه؟ " اجبته وانا اتركُ مقبض الباب واجلس على حافة السرير " لا أعرف كيف اصفُه كان شاحباً كالأموات، اجل بالضبط لقد كان يشبه واحداً من الموتى الأحياء الذين نُشاهدهم في الأفلام " استغرقت ثانية لألحظ مدى سذاجة فكرتي تلك فتداركت نفسي بسرعة " اوه لكن الأجواء كانت مُظلمة آنذاك ولم تفصل بيني وبينه وسط ذاك الظلام سِوى شمعة صغيرة لاشَك بأن انعكاسها كان...."
قاطعني إليوت مُشيحاً برأسه وقد بدى وكأنه يُحدِث نفسه اكثر ممِا يُحدثني " اذاً كان حقيقة.."
عقدت حاجبي مُستنكره " ماذا؟ "
اعاد إليوت وجهه إلي وقال بعينان راجفتان وصوت اختفى نِصفُه " رأيته ايضاً لم يكُن وجه بشري، ظننتُه محض خيالي لكِن عندما ذكرتِه انتِ....اظُنه كان حقيقة! "
كان إليوت يرجِف بالكامل ولم استطع منع نفسي من الشعور بالذعر اردته ان يُخبرني بما حدَث لكن لم استطِع سؤاله حتى، عِندما انكسرت تلك الفكرة التي ظلّت تُقنعني بأن مارأيتُه كان بسبب إنعكاس الشمعه على وجهه بدأت اُدرك مدى رهابة الموقف، ولم يكُن خوفي هو السبب الوحيد الذي حال بيني وبين سؤال إليوت فما اثار ذُعرنا للتو كان يقِف مُستنداً على على إطار الباب الذي تركتُه مفتوحاً...
استدارت رؤسنا بحدّة ناحية والدي الذي يقف بصمت ولم نعرِف المدة التي كان يقِف فيها ولم نعرِف ايضاً إن كان قد سمِع حديثنا لكنه لم يقُل سِوى " ماكسين اعتقد بأن غُرفتك هي الغُرفة المجاورة، اذهبي الآن، أودُ الحديث مع اخاكِ "
غادرت مُكرهه وكم خشيت ان يستطيع سماع صوت قلبي الذي اخذ يضرب قفص صدري اثناء المُرور جِواره، قررت العودة لـ..
أنت تقرأ
Tales from the Deep darkness | قصَص من أعماق الظلَام
Horrorهذا الكتاب يحتوي على مجموعتي من القصَص القصيرة المُرعبة والتي قُمت بتأليفها بنفسي، اتمنى ان تحوز على رِضاكم. الغلاف من تصميم : Noni_foghi_16