الفصل الثالث

16.6K 896 14
                                    


الفصل الثالث

بقيت أعينه الجامدة بوميضها الغامض مسلطًا عليها، لم يكترث بما يمكن أن تفعله، ربما ستصرخ، ستحدث جلبة وفضيحة، أو حتى تصفعه من جديد، لكنه أراد أن يظل هكذا ممتعًا أعينه بالتطلع إلى لون حدقتيها، هو بات أسيرًا لعينيها العسليتين غير قادر على إبعاد أنظاره عنها، على النقيض لم تشعر "ديلارا" بمثل تلك المشاعر المرتبكة التي عصفت بها مثل الآن، مزيج مقلق من الخوف والصدمة، لم يتجرأ أحد من قبل ويقبلها بمثل تلك الطريقة الجريئة ليظهر فيها مشاعرًا حلمت بها كثيرًا، بل لم تقبل مطلقًا بهذه الصورة، وهكذا فجأة دون سابق إنذار تعايش ما كانت تشاهده في الأفلام وتقرأ عنه في الروايات، والأخطر ما تمنته في أحلامها، أنجاها من مجهول لا تعرف عنه إلا القليل صوتًا أنثويًا ناعمًا تسلل إلى أذنيها لتفوق بعدها من الوهم الخيالي الذي حجب عقلها عن التفكير بطريقة عقلانية، تمكنت "ديلارا" من سحب يدها من قبضته عندما اضطر أن يرخي أصابعه عنها، لملمت شتات نفسها واستعادت السيطرة على حالها المرتبك، لم تفكر كثيرًا، حسمت أمرها سريعًا وأولته ظهرها لتفر راكضة من أمامه تاركة إياه مثلها في حالة تخبط واضحة، وضعت "كنده" يدها على كتف "عاصي" متسائلة بدلال:

-أين كنت حبيبي؟ بحثت عنك في كل مكان

وكأنها تحدث نفسها، فقد ظلت أنظاره معلقة على طيف المثيرة التي منحته شيئًا غريبًا في لحظة متهورة ليتغلغل في نفسه وبعمقٍ، ثم رحلت سالبة ذلك الإحساس معها، أخرجه من تحديقه الشارد بها نبرة "كنده" المتدللة عليه وهي تتابع متسائلة باستغراب:

-"عاصي"، أأنت معي؟

ابتسم لها الأخير ببسمة باهتة قائلاً باقتضاب:

-نعم

ركزت نظرها في نفس المكان الذي ينظر إليه متسائلة بفضولٍ:

-من تلك التي كانت معك؟

بهتت ملامحه وهو يرد بضيق قليل:

-لا أعرف

شعر ببرود عجيب يجتاحه تجاه "كنده" التي تداعبه بطريقتها لتثير غرائزه، لم يتجاوب معها، ولم تقتنع هي بما قاله، وصلها إحساسه بالجفاء فتعابيره الواجمة أشارت إلى ذلك بوضوح، حثها حدسها الأنثوي على متابعة أسئلتها، فأكملت بحذرٍ:

-أهي ضلت الطريق و... ؟!

قاطعها بحدة بعد أن مل من أسئلتها المتلاحقة:

-"كنده"، كفا!

عمدت سريعًا إلى تغيير طريقتها، تعلقت في عنقه بذراعيه متلمسة بشفتيها صدغه طابعة قبلة مغرية عليه، لم يتحمل ذلك، شعر بنفور عجيب منها، وضع يديه على ذراعيها يبعدهما عنه قائلاً بجدية:

ديلارا ©️ .. قصة قصيرة كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن