عدت من ورشتي متعباً بعد نهار طويل من العمل الشاق،تصليح سيارات متلفة لااعلم حتى لما لا زالوا يقتنوها،مع تكلفة تصليحها كان باستطاعتهم ادخار هذه الاموال وشراءسيارة جيده!.
كانت الساعة قد اوشكت ان تدق التاسعه ليلاً،كنت اتضور جوعاً،ملابسي كساها اللون الاسود والبني نتيجة الزيت والتشحيم والغبار الذي يكتسي الورشة القديمه المكشوفة على الشارع العام.
كان منزلي،(او منزلنا )صغير يقع باحد الاحياء الفقيره،مع ذلك كان حينا يتسم بالدفئ والحياة،اصوات الاطفال وهم يلعبون منذ الصباح حتى المساء،عندما تتعالى اصوات امهاتهم للدخول الى المنزل حتى يتناولون العشاء.
عشت طفولتي بهذا الحي،عمَلَ ابي بذات الورشة وقد تشاركت العمل معه حتى هذت اليوم،ترك هو العمل قبل سنتين،حيث بلغ من العمر ٦٠ عاما،ما يكفي ليرهقه العمل،وقد ادرت الورشة بمفردي منذ ذلك الحين.بذات الحي قبل عشر سنوات،كنت ابلغ من العمر ٢٧ عاماً،انتقلت عائلة الى حيّنا،كانوا دخلاء علينا،ففي حيّنا نحن كالعائلة،كما يقولون(قلوبنا على بعض)،متكاتفين ومكتفين بحالتنا البسيطة،بهذا الحي البسيط..،مع ذلك بدأنا نتأقلم معهم،اخلاقهم وطيبتهم ساعدت على ذلك،لم يكونوا فقراء،بل كانوا من الطبقة المتوسطه،الاب يعمل بشركة سياحة وسفر،الام معلمة بمدرسة ابتدائية،وابنتهم..رتاج..،تبلغ من العمر ٢٠ عاماً،تدرس ادب عربي،لاهتمامها بالادب وحبها للشعر والقصص.
الحي بأكمله احب هذه العائله المتواضعه..وانا احببت رتاج..دخلت المنزل لتستقبلني رائحة الطعام،خمنت ان الطعام كان ارز وفاصولياء،طعامي المفضل،..مع ذلك شعرت بغضب طفيف كونها اتعبت نفسها بالنهوض والطبخ،دخلت المنزل واغلقت الباب بلطف،خلعت حذائي ووضعته بحافظة الاحذية جانب الباب،رغم صغر المنزل فقد حرصَتْ هي على ترتيبه والعناية به،تقول لي دوماً بأن الديكور الداخلي يحول المنزل لقصر!،وهذا ما فعلَتْه هي،يقابل باب الخروج من جهة اليسار المطبخ،كان يبعد مسافه لا تقل عن متر،وكان المطبخ يتسع الموقد الذي يقع على على مستوى باب المطبخ،مع ثلاجة بيضاء اللون بجانبه،وملحقان معلقان بالحائط مع طاولتين بجانب الموقد،وقد حرصَتْ على وضع أصص من النباتات بقولها تعطي حياة وبهجة للمكان!،من جهة اليمين من المنزل ،والذي نعتبره غرفة المعيشة،اكتفينا باريكة كبيره يجاورها كرسي وامامهما تلفاز متوسط الحجم ،بجانب باب الخروج من جهة اليمين توجد طاولة الطعام الصغيره موزع حولها كرسيان،وبجانب الطاولة من جهة اليمين يوجد الحمام،في نهاية المنزل بعد الاريكه والتلفاز تكمن غرفتنا الصغيره،سرير يكفينا مع كرسي وخزانه للثياب،واصيص يحتوي على نبات اللبلاب المتسلق.
هذا منزلنا،جميل ومريح،والاكثر راحة هو وجود حسناء تنير المنزل بابتسامتها وصوتها المترسخ بجميع انحاء المنزل!.دخلتُ الى المطبخ حيث كانت تجلس على هذا الكرسي الذي يعوضها عن حركة قدميها،امام الموقد تقلب بالطعام الذي يسكن القدر، ادارت رأسها نحوي فور شعورها بوجودي لتشق الابتسامة وجهها القمري الابيض اللون،وتوهجت عيناها عسلية اللون باشتياق،علمت انها اشتاقت لي كثيرا كما الحال معي، تركت ما بيدها وحركت عجلات الكرسي لتديره باتجاهي وتقول بصوتها العذب
"اهلاً بك عزيزي،اشتقت لك"
ابتسمت بحنان وتقدمت نحوها وجلست على ركبتي لاقابلها
"انا اكثر"قلت وامسكت يدها لاقبلها بحب.