| مُصاب بكِ |

432 29 3
                                    

«دائمًا ما يكمن خلف الهدوء شئ أعمق. قد يكون ألم شديد أو ربما فقدان مرير. أحيانًا لا يعني الهدوء السلام الداخلي للنفس، أنما قد يكون ألم قابع بداخلها أو ناتج عن فقدانها لشخصٍ عزيز عليها. قد يكون ناتج عن تراكمات نفسية أو أن روحها قد إمتزجت بقطعٍ زجاجية من الحُزن. لطالما كانت تحاوطه هالة كبيرة من الهدوء الممتزجة بـلكثير من الغموض. كانت عيناه تٌعبر عن ذلك الألم القابع بهما. كانت عيناه تحمل العديد من المشاعر المتناقضة کالغيرة، الغضب، الإهتمام، الحُزن والتملك. لقد أعتاد أن يراقبني كل يوم وكل ليلة قرابة السنة حتىٰ الآن، لكنه لم يمتلك الشجاعة للتحدث معي.
لا أعلم، لكن تصرفاته لم تكن طبيعية أبدًا. أحيانًا أشعر وكأنه يعاني من خطب ما، لكني أعود لفكرة أنه مختلف بطريقةٍ ما. أتمنى فقط لو أفهم ما يدور بداخل عقله، أو أن أفهم لما أكتب عنه الآن..»

-

تركت ليلى الدفتر خاصتها، لتتنهد بتعب. نظرت لخارج نافذة شرفتها لتجد المطر مازال يهطل بكثرة فى الخارج. لم تهتم لذلك، فكل ما كان يهمها فى تلك اللحظة هو ذلك الواقف بثباتٍ أسفل المطر.
هو حتىٰ لم يكثر لكونه قد يصاب بالبرد. وبدون إرادة منها، وجدت نفسها تخرج من غرفتها تسير تجاهه. جلبت مظلتها ثم خرجت لذلك المجنون. تقدمت نحوه، ليقابلها بنظراته التي لا تحمل أى تعبير كالعادة. أقتربت منه لتغطي المظلة كليهما. كانت تشعر بأنفاسه الساخنة ضد بشرتها. رفعت نظرها نحوه، لتشعر بالحُزن لرؤيته هكذا. تحمحمت بخفه ثم قالت:
«دعنا ندلف لداخل منزلي، هكذا ستصاب بالبرد.»
أمسكت يده الباردة ثم توجهت نحو منزلها دون أن تنتظر أجالته. دلفت لداخل منزلها وهى مازلت تُمسك بيده، أما هو فقد أكتفى بالسير معها بصمت.

دلفا معًا لغرفة المعيشة ثم جعلته يجلس على الأريكة. توجهت سريعًا نحو غرفتها لتحضر منشفة وغطاء ثم توجهت نحو غرفة والديها لتخرج بنطال وتيشرت قطني من خزانة والداها من أجل جاستن.
توجهت نحوه سريعًا ثم دلفت لغرفة المعيشة، لتجده عاري الصدر، يحمل بين يديه صورة لها مع والديها ويتأملها بهدوء مريب.
«أين والديكِ؟»
قالها وهو مازال ينظر للصورة التي بين يديه، أقتربت منه ليلى بهدوء قائلة:
«حاليًا هما في رومانيا من أجل بعض العمل.»
رفع نظره نحوها وهو يتأملها دون التفوه بحرفٍ واحد. شعرت ليلى بالتوتر من نظراته تلك، لذا تنهدت قليلاً ثم قالت:
«لقد أحضرت لك بعض الملابس لترتديها حتىٰ لا تصاب بالبرد، هذا إن لم تصب به بعد.»

أعاد الصورة لمكانها، ثم تقدم نحوها ليأخذ منها الملابس دون التفوه بأي حرف. أرشدته ليلى نحو الحمام، ثم توجهت نحو المطبخ لتعد له بعضًا من الحساء. وقفت ليلى في المطبخ تدندن بأغنية عالقة فى ذهنها هذه الأيام، بينما كان هو يتأملها بهدوء.
«صوتكِ جميل، مثلكِ تمامًا.»
تحدث جاستن من العدم خلفها، لتنتفض ليلى أثر صوته ثم قالت بخجل:
«شكرًا.»
وقف جاستن يراقبها بصمت وهى تُعد الحساء، مما جعل ليلى تشعر بالتوتر أكثر كونه يراقب كل حركة تقوم بها. أخيرًا أنتهت من أعداد الحساء، لتقوم بسكبه في صحن ثم وضعته على الطاولة الموجودة بالمطبخ.
«تفضل.. هذا سيشعرك بالدفء.»
تحدثت ليلى بلطف، ليجلس الأخر على الطاولة وهو يطالع صحن الحساء أمامه. جلست ليلى أمامه، وهى تتأمل ملامح وجهه المرهقة، وعينيه التي تحمل الكثير بداخلها.. رموشه الكثيفة، ولحيته الخفيفة.
صوته المميزة رغم بحته، وفكه المنحوت بمثالية.
«أنه حقًا وسيم.»
هذا كل ما كان يجول بخاطر ليلى، جماله الذي يسوده الغموض.
أخرجها من تفكيرها، عينيه التي طالعتها دون ستبق إنذار، لتحمر ليلى خجلاً من أحراجها. أبعدت نظرها سريعًا بعيدًا عنه، وتطالع أي شئ أخر.
«تعلمين أنني أحبك.. أليس كذلك؟»
أخبرها وهو يطالع عينيها بثبات، لتعقد الأخرى حاحبيها بضيق قائلة:
«أنت بالكاد تعرفني جاستن، فكيف أحببتني
أرتشف بعضًا من الحساء ثم قال بجدية:
«من قال أنني لا أعرف عنكِ شيئًا، أنا أعلم عنكِ كل شئ ليلى.»
أبتسمت ليلى ساخرة ثم قالت:
«حقًا! إذًا ما لوني المفضل؟»
«الأسود هو لونكِ المفضل، وأحيانًا تميلين للأخضر. تحبين الأفلام التي تنتهي نهاية حزينة، كونها تترك أثرًا بداخلكِ وتتذكريها للأبد. هوايتك المفضلة هى الكتابة وقراءة الكُتب دون ملل، وخاصةً أنكِ تفضلين قراءتها أمام الشاطئ - مكانك المفضل-
لا تحبين تناول أي طعام ساخن، لأنكِ إذا فعلتي ذلك لا تشعرين بطعم الأكل نهائيًا.. هل تريدين أن أكمل؟»
أنهى جاستن حديثه، لتطالعه ليلى بصدمة.
«كيف علمت كل ذلك؟»
تساءلت ليلى، ليجيبها الأخر قائلاً:
«أنا أمتلك مشكلة كبيرة لا أستطيع حلها، وهو أنني أهتم بالتفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها أحد. وهذا دليل صغير عن مدى حبي لكِ عزيزتي ليلى.»
«لا أعلم هل أشعر بالسعادة لسمع كلماتك تلك أم أشعر بالخوف من تصرفاتك؟»
قالتها ليلى وهى تضحك بخفه، ليعقد الأخر حاجبيه بغضب كونه شعر بأنها تسخر منه.
كانت ليلى على وشك الحديث مجددًا، لكن قاطعها صوت هاتف جاستن، ليجيب بحدة بعدما رأى من المتصل.
«أنا بخير.. نعم أعلم. أنا بمنزلها الآن.. لا لن أعود وأنتهى الأمر.. توقف عن تصرفاتك تلك، أنا لست مختل.»
هذا كل ما سمعته ليلى منه قبل أن ينهي المكالمة. مرت دقائق قليلة وهو مازال صامت، حتىٰ أصبح لا ينظر إليها. علمت أنه مازل غاضب من كلماتها، لكنها كانت تمزح معه فقط.
قاطع ذلك الصمت المحرج، صوت طرق الباب. توجهت ليلى نحو الباب، لترى من الطارق في هذا الوقت. فتحت الباب لتجد شاب وسيم الملامح ذو أعين خضراء وشعر بني اللون، يقف أمام الباب وهو يحمل مظلته، وينظر إليها بحدة.
«هل جاستن بالداخل؟»

𝐇𝐨𝐩𝐞 || أمَلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن