""5

160 21 6
                                    

مما لا شك فيه أن القرآن كتاب هداية وليس كتاب علم ولكن
هذا لا يتعارض مع الإعجاز العلمي الموجود فيه وذلك كون الإعجاز إحدى الوسائل المؤدية إلى الهداية, وينعكس ذلك جليّاً على من دخلوا في دين الإسلام من علماء الغرب ومنهم "جورنجر وبرسود وتاجاسون", وأيضاً من قام بتأليف كتب تؤكد صدق تطابق القرآن مع أحدث ما توصل إليه العلم كالدكتور "موريس بوكاي" مؤلف كتاب (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم) ولكن الإشكالية هي في من تخصصوا في مجال الإعجاز العلمي دون التقيّد بضوابطه فبدؤوا بطرح المبالغات في تأويل كل آية علميّاً بشكل أفقد الإعجاز مصداقيته وحوّل القرآن إلى كتاب رياضيات.
        أما فيما يخص السؤال الذي يقول: لماذا كان الله يخاطب العرب بأمور لن يتم اكتشافها إلا بعد آلاف السنين؟, فهذا لا يعني عدم صحة الإعجاز العلمي في القرآن, من المؤكد أن القرآن نزل على العرب ليعقلوا آياته إلا أنه خاطبهم أيضاً عن تنبؤات ووعود مستقبلية سيكون لها وقتها ومستقرها  الذي تتناسب معه كقول الله: {لِكُلِ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[سورة الأنعام آية 67] وأيضاً: {سَنُرِيهِمْ ءَايَتِنَا فِي الْأَفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقَّ} [سورة فصلت آية 53], أي لا تتعارض الاكتشافات العلمية التي اكتشفناها بعصرنا مع ما تم ذكره في القرآن قبل أكثر من (14) قرناً, لأن ذلك مما يؤكد صلاحية القرآن لكل زمان ومكان ويصادق على ما وعده الله مستقبلاً في آياته.

فالقرآن مثلاً سبق علم الأجنة بمئات السنين وذلك في ذكر مراحل تطورات الجنين بشكل وترتيب دقيق وبدون أخطاء علمية كما في غيره من الكتب السماوية وكتب الفلسفة الفكرية, ففي الإنجيل جاء في "سفر أيوب" الإصحاح الثامن "يداك كوّنتني وصنعتني كلي جميعاً. أفتبتلعني, اذكر أنك جبلتني كالطين, أفتعيدني إلى التراب., ألم تصبّني كاللبن وخثّرتني كالجبن, كسوتني جلداً ولحماً فنسجتني بعظام وعصب". ومن يلاحظ سيدرك بأن العلم نفى أن الجلد واللحم يسبقان العظام والأعصاب في مراحل تكّون الجنين!!
   
    وكذلك ما ورد في كتب الطب القديمة والمنسوبة لفلاسفة الإغريق مثل "أبو قراط وسقراط" من أن دم حيض المرأة له دور في تكوين الجنين, على عكس القرآن الذي جاء بما يتوافق مع العلم إذ قال الله في كتابه {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنسَنَ مِن سُلَلَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَٰهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ  (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَمًا فَكَسَوْنَا الْعِظَمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ الَّلهُ أَحْسَنُ الْخَلِقِينَ (14)} [سورة المؤمنون آية 12- 14] وهذا ما أقر به العلم الحديث وما أشاد به أستاذ علم التشريح في جامعة تورنتو بكندا البرفسور (كيث مور) حيث كان من المشاركين أيضاً في تأليف كتاب Human Development  الذي يعتمد على القرآن كالمرجع الإلهي الوحيد الذي أثبت توافقه مع العلم فيما يخص مراحل تكوين الجنين.

والإعجاز العلمي يكون غالباً وفق ضوابط وشروط تتماشى مع النظريات والحقائق التي أثبتها العلم الحديث بشكل لا يحتمل الطعن فيها ولو حصل أن تم الطعن في إحدى النظريات العلمية في مختلف المجالات, فإن الخطأ في التفسير لا ينسحب على النص المسّر.

يعتبر القرآن كتاب قديم أشار لعلوم الفلك بشكل يتطابق مع ما توصل إليه العلم في عصرنا, فآخر ما توصل إليه العلم الحديث عن نشأة الكون هو ما يسمى بنظرية الانفجار العظيم أو big bang والتي تنص على أن الكون كان كتلة واحدة قبل أن ينفجر من تأثير الحرارة الشديدة وهذا أقرب ما يكون إلى قول الله في القرآن {أَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَهُمَا} [سورة الأنبياء آية 30] ثم أشار القرآن بعد ذلك إلى أهمية الماء كعنصر يدل على الحياة سيدل وجود الماء في الكواكب الأخرى على وجود الحياة فيها وبذلك جاء في القرآن بعد آية نشأة الكون قول الله {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ} [سورة الأنبياء آية 30].
  
     ثم تؤكد بعد ذلك الأبحاث والدراسات الفلكية التي بدأت منذ عام (1929م) أن حجم الكون في تمدد وتوسع مستمر وذلك يتوافق  مع ما جاء في القرآن من قول الله {وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَهَا بِأَيْيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [سورة الذاريات 47] وبعد ذلك يخبرنا القرآن عن ديناميكية الأجرام السماوية في قول الله {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [سورة يس 40] ويشير القرآن أيضاً إلى الثقوب السوداء التي اكتشفت في الفضاء عام (1971م)  فيقول الله عنها {فَلَآ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارٍ الْكُنَّسِ (16)} [سورة التكوير آية 15, 16] ثم يخبرنا القرآن عن دوران الأرض فيقول الله {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [سورة النمل 88] ثم يخبرنا القرآن عن شكل الأرض الكروي والدور الذي يلعبه دوران الأرض حول نفسها في تعاقب الليل والنهار فيقول الله {يُكَوِّرُ الَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى الَّيْلِ} [سورة الزمر آية 5].
    
ثم يخبرنا القرآن عن دور السماء في إرجاع الماء المتبخر إلى الأرض على شكل زخاتٍ من المطر وكذلك إرجاع طبقة الأوزون في الغلاف الجوي للإشعاعات الضارة التي تصدرها الشمس كالأشعة فوق البنفسجية وذلك يتجلى في قول الله {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [سورة الطارق آيه 11] ثم أشار القرآن إلى ما أثبته العلم من عدم تدخل المياه المالحة في المحيطات مع المياه العذبة لاختلاف كثافتيهما حيث قال الله {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا} [سورة الفرقان آية 53].
ثم يخبرنا القرآن على أن الجبال تشبه أوتاد الخيام المغروسة في الأرض, حيث إن لها جزءاً في أسفل الأرض وليس فقط ما نراه في الأعلى إذ قال الله {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [سورة النبأ 7].
    
   ثم ينبئنا الله في القرآن عن أن منطقة "ناي نيفا" التي حدثت فيها معركة الفرس والروم عام (619م) هي أخفض منطقة على سطح الأرض حيث تنخفض عن سطح البحر بـ (395م) وذلك في قول الله {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [سورة الروم آية 2,3] وغير ذلك الكثير من الإعجازات العلمية في مختلف جوانب الحياة.

أقوم قيلا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن