الفصل الثاني
في اليوم التالي ذهبت رهف الي المدرسة وأخبرت صديقتيها بما حدث ، وبعد إنتهاء اليوم الدراسي وفي طريق عودتهم الي منازلهم.
قالت حنان:-والنعمه الواد بتاع الكافيه اجمل واحلي من ابن عمك .
ضربتها رهف بمداعبة ودفعتها بيدها وقالت :- بس يارخمه.
لتزل قدم حنان من اعلي الرصيف وتسقط على الارض ، وفي تلك اللحظة كانت تمر سيارة مسرعة
فصدمتها .
ركضت رهف ومعها حنان وهم يصرخان ، وأمسكا بها محاولتين إنقاذها وحملها من على الارض .
فتفاجئتا بمن يساعدهم على حملها ، وما إن نظرت إليه فوجدته ذلك الشاب الذي يقول الشعر ، فقد اعتاد كل يوم أن يتبعهم بدون ان يشعرن به .
أخرج جواله بسرعة واتصل بالإسعاف ، وفي غضون دقائق وصلت الاسعاف وحملوها وذهبوا بها إلى المستشفي ، وكان ذلك الشاب معهم عند وصولهم هناك.
طلب الطبيب منهم أن يتبرع أحدهم بالدم لإصابة حنان بالنزيف ،فتقدمت رهف لكي تتبرع لها بالدم
فقال لها الطبيب :-انتي ضعيفه مش هينفع ناخد منك دم.
قال الشاب :-خد مني انا يادكتور.
قال الطبيب:- احنا هنحتاج كتير؟!
أخرج الشاب جواله مره أخرى وهاتف الشاب أصدقائه ، وفي غضون دقائق كانوا بالمستشفى ، وتبرعوا بالدم المطلوب لحالة حنان .
وصل أهل حنان الي المستشفي بعد أن هاتفتهم رهف وأخبرتهم بما حدث .
فوجدوا رهف ومنى متواجدين لم يتركا حنان للحظة، فظلوا يشكرونهما بعد ان اطمئنوا أن حالة حنان أصبحت مستقرة ولا خطورة عليها ،قالت لهم رهف:- احنا ماعملناش حاجه،دا هو اللي..........
وتنظر رهف إلى الشاب لتشير عليه فلم تجده، ولم تجد حتي احداً من أصدقائه ،لقد اختفوا فجأة .
ظلت رهف تفكر وتقول في عقلها:-
هي الناس دي لسه في منها في الدنيا ؟! معقول يعمل كده ويمشي كأنه ملاك بيعمل خير ويختفي .
.........
وبعد الاطمئنان علي حالة حنان ، عادت رهف البيت وعندما سألها والديها عن سبب تأخيرها أخبرتهم بما حدث .
جلست تلتقط أنفاسها وتستريح من أثر الحادث الذي افقدها اعصابها ، إذا بإبن عمها يدخل ويلقي عليهم التحية ويجلس في مكان قريب منها وظل يتحدث إليها .
قالت رهف:- لو سمحت انا تعبانه من اللي شفته النهارده .
أخبرت والدتها ابن عمها بما حدث ، واقترحت على رهف ان تدخل غرفتها لتستريح ..
......................
بعد مرور اسبوع ...
خرجت حنان من المستشفى ، وقرر أهلها أن يقيموا حفلة بمناسبة تعافيها .
ذهبت رهف الي منزل حنان ،فعندما رأتها حنان من بعيد قالت :- ينفع كده ترميني تحت العربيه !! ، دي اخرتها ياجزمه ؟!! .
ضحكت رهف وعيناها قد اغرورقت بالدموع وقالت :-ياريتني كنت مكانك .
قالت حنان وهي تمد يديها لتحتضن رهف:- بعد الشر عليكي ياحبيبتي .
بينما يحتضنان بعضهما البعض إذ يستمعون إلى تصفيق حار من كل الموجودين بالحفل ، لينظرا فيجدان ذلك الشاب قد وصل الي الحفله .
كان الجميع يعرفونه فأخذو يرحبون بذلك الشاب الموهوب الذي عُرف شعره كل البلده ، وأثرت كلماته في معظم الشباب ..
فطلبوا منه أن يلقي الشعر إحتفالاً بتعافي حنان ، فشرع بإلقاء قصيدته.
( عودي فإن غصوننا جفت .
ونار البعد يا مولاتي تكوينا .
عودي فأنتي الماء إن حضرت .
تبث العيش داخلنا وتروينا )...
كانت هذه الكلمات تفلامس قلب رهف ، فوجدت رهف نفسها تبكي بدون مبرر ، وركضت إلى الخارج . وقفت تمسح دموع عنيها التي لم تجد لها تفسير ، وبينما هي واقفه سمعت صوت من خلفها يقول:- كل سنه وانتي طيبة.
استدارت فوجدت ذلك الشاب ممسكاً بوردة ويتابع حديثه قائلاً:- عيد ميلادك النهارده.
قالت رهف وهي تنظر اليه بإستغراب ودهشه:-انت ايه ؟ ، انت مين ؟!.
فقال لها :-انا ذلك الشخص المثقف الذي يستمد ثقافته من الكتب والجرائد ومجالسة العلماء والادباء ويقرأ من الفنجان ويتابعك في صمت منذ سنين ، انا ذلك الشخص الذي يعشق في صمت ،
ويتألم لألم من لا يشعر به ، انا فكره او خيال لم احلم ان اكون يوما واقعا ً في حياتك، ولقد استعطف علي القدر حالي ، ورماني صدفه في طرقاتك المزدحمة ، دعيني امر في حلقة حياتك كمشهد هزلي كتبه مخرج ذو خيال واسع ، وظن الجميع ان ليس له قيمه..
كانت رهف تسمعه في صمت ، لم تقوى علي الكلام بعد ما سمعته ولم يصدر منها إلا إنها نظرت في عينيه نظره ليس لها تفسير وتركته وركضت نحو منزلها.
...........
دخلت إلى غرفتها ، والأفكار تتسابق في عقلها ،
وأخذت تسترجع ماحدث ، ولم تستطع النوم وهي تفكر في أمر ذلك الشاب .
امسكت بهاتفها وهاتفت حنان التي أبدت استغرابها لخروج رهف من الحفله فجأة.
قالت رهف :- معلش اصلي افتكرت معاد العشا مع بابا ، صحيح قوليلي ايه قصة الشاب ده ؟!
قالت حنان:- ده من تلات سنين وهو يسال عنك ويتابع اخبارك ويشترط انك متعرفيش انه مهتم بيكي..
ظلت طيلة الليل مستيقظة شاردة الذهن تفكر في ما قالته حنان عن ما فعله ذلك الشاب ، وتتسائل لماذا منذ ثلاث سنوات وهو يهتم بها ويتتبع أخبارها،ولماذا لم يخبرها ، ظلت تفكر وتفكر حتى غلبها النعاس فنامت...
..........
وفي اليوم التالي ذهبت إلى حنان في منزلها لتعرف منها أكثر عن ذلك الشاب .
قالت حنان؛- هو عنده مكان ورا الكافيه عامله اتيليه وعايش فيه ، ايه رأيك نروح كأننا عايزين نشتري لوحة ، وتستفسري منه علي كل حاجة ؟!.
وبالفعل ذهبتا و طرقت الباب وإذ به مفتوحا .
دخلتا بحذر وجدوا تحفة فنية فيه لوحات ورسومات .
ألقا نظرة علي المكان الذي كان يجلس عليه ليرسم عليه اللوحات ، تفاجأت بوجود لوحة مغطاة ،
فنزعت من عليها الغطاء بهدوء فوجدت صورتها ،
وما يدعو للدهشة أنها كانت مرتدية حجابها وتقبض على وردة وتتساقط دموعها ، وكُتب أسفل الصورة .
( لم يكن لي ) ..
ظلت تبحث عنه ولكنها لم تجده ، فتوجهت إلى المقصف الذي يعمل به ولكن أتاها الإجابة عن طلبها ( ماحدش يعرف عنه حاجه ) ..
استمر غيابه أيام ، قد استحوذ علي تفكيرها بشدة وتشرد به كثيرا .
سيطر القلق على والديها من حالتها النفسية المتدهورة ، فأرادا أن يخرجها من وحدتها وإنطفاء روحها المفاجئ بفرحة كبيرة وهي خطبتها لابن عمها اعتقادا منهما أن هذا ما سيعيد إليها بسمتها لتزين وجهها مرة أخرى..
حضر كلا من جدها وعمها وولده ،وعندما عرفت سبب مجيئهم ردت بغضب :- انا مش هتخطب دلوقتي ، ولا بعدين ..
استشاط والدها غضبا من طفلته وتحولها السئ فقال :- انتي بقيتي مابتسمعيش الكلام، انا في اخر عمري وعندي القلب وعايز اطمن عليكي قبل ما اموت .
فبكت بشدة وارتمت على فراشها بحزن وبكاء شديدين . ولكن قاطعها طرقات على الباب .
رهف ؛- مين
قال:- انا جدو يا رهف
قالت رهف وهى تجفف دموعها ؛-تعالى ياجدو.
جلس بجانبها وجذبها إلى أحضانه وهو يقول بحب :- مالك ياحبيبتي ؟! ، احنا مش اصحاب ؟!، احكيلي فيكي ايه .
ظلت رهف تقص على جدها ،وما أن انتهت حتى تغيرت ملامح وجهه بضيق واضح وشرد قليلا ..رهف بقلق :-مالك ياجدي ؟
نظر لها في دهشة ثم قال :- مافيش مافيش .
ثم تركها ورحل ، عادت لبكائها مرة أخرى.
..............
بعد يومان شردت رهف فيما حدث مع جدها وشعرت ببعض الريبة وأيقنت أن هناك ما يخفيه عنها ، فقررت الذهاب إلى جدها وإرضاء فضولها ..
~انت تعرف الشاب ده؟!
قالتها رهف وتنتظر الإجابة بشغف .
أخفض عينيه وهو يقول : ايوة ، اعرفه .
هرولت لتجلس بجانبه ، قالت برجاء :- جدو ارجوك قولي هو فين .
أجابها وقد غطت الدموع عيناه وتعلقت الكلمات بحلقه :-دا يبقي ابن عمك ،انا طردت ابوه زمان علشان مارضيش يتجوز بنت عمه وسافر فرنسا ،وابنه حب يجي يشوفنا
جاني وطردته ومارضاش يسافر، واستقر واشتغل علشان يصرف علي نفسه مع ان ابوه بقى مليونير في فرنسا ، ولكن رفض انه يساعده علشان عرف انه جاي لاهله ، وانا رفضت اساعده علشان كرهي لابوه .
غلبها البكاء كعادتها وقالت:-انا كنت حاسه انه مش انسان عادي ،كل كلمه قالهالي كانت طالعه من قلبه ، بتوصل قلبي وعنيا تترجمها لدموع ، ارجوك ياجدو نفسي اشوفه .
~ تعالي معايا~
وذهبا سويا ، استقلا السيارة إلى أن وصلا إلى المقابر ، انقبض قلبها فجأة فنظرت إليه بهلع وهي تردد بصراخ :- جبتني هنا ليه ؟! ، جبتني هنا ليه ؟! .جذبها إلى أحضانه وهو يحملها ، بالكاد تستطيع الصمود ثم قال بحزن :- خرج في مظاهره مع اصحابه كان يهتف للغلابه لمعيشة أفضل ، رغم إنه عاش عيشة الاغنية بس طول عمره قلبه مع الغلابة .
ابتعدت عنه وسارت بضع خطوات حتى وقفت أمام قبره مباشرة ، قبضت على حجابها بعد أن فكت وثاقها الرياح وقبضت على وردة كانت ملقاة بجانب قبره تشبه إلى حد كبير تلك التي أهدها لها بيوم مولدها .
حضر إلى عقلها صورتها التي رسمها لها من قبل ، شعرت بأنها تعيش كابوسا تحيا على أمل الاستفاقة منه يوما ..
ترددت على زيارة قبره أسبوعيا ولَم تنساه يوما ...
..........
بعد بضعة سنوات ..
وبعد خطبتها لابن عمها .
جاء لها في منامها يقبض على وردتها وهو يقول :-
الان أيقنت أنكِ لم تكونِ لي يوما ..
تمت ...