عبدالعزيز الفارسي
قصص
غيّرتُ عاطفتي القديمة ..
لم يعد قلبي يحنُّ
إلى هتافات النخيل
إسحاق الخنجري
تقع شناص على الحدود بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ، وتطلُّ على خليج عمان و بحرٍ من الأحلام سليلة الأمنيات المسافرة . لم يشأ التاريخ لشناص أن تكون هنا ، فقد اختار لها مكاناً بين الجرح والفرح ؛ يظللها غمام الحب والرغبات . ولكن ما حدث في الأيام الأولى من الزمان غيّر المسار كثيراً ...
روى لنا الثقات أن سيدنا التاريخ في بداية الحياة ، كان يطير حاملاً كل المدن والقرى في صرّة كبيرة على ظهره ، ليعبر الأرض سهولاً وقفاراً و جبالاً وبحاراً ... وكلما مر على مكان أعجبه ، ابتسم ثم هبط ليفتح الصرّة فأنزل مدينة أو قرية هناك ، فصارت المدن والقرى كما هي عليه اليوم .
وحُكي أن شناص سقطت سهواً من صرة التاريخ عند مروره هنا ، وهوت على هذه الأرض ، فأوجعتْ وتوجعتْ ..
وحيث أنه لا يلتفت إلى الوراء ، ولا يصحّح ما ارتكب من أخطاء ، فإن سيدنا التاريخ تناسى شناص ، وتناسته هي أيضاً ...
عبدالعزيز الفارسي
أيّهم عبر خط بارليف أولاً ؟
الأول من أكتوبر :
" يذكّرني طابور الصباح بيوم القيامة "
همستُ بهذا لزميلي الواقف قربي بالطابور ، فضرب قفاي بيده الغليظة . مسحت أثر الضربة مستدركاً :
" مع بعض الفروق الجوهرية .. البشر هناك عُراة .. بينهم نساء أيضاً .. وكل واحدٍ مشغولٌ بنفسه . نحن هنا مشغولون بمراقبة صلعة المدير " .
التفتُّ يمنة ويسرة خوف رؤية أحد المعلمين لتلك الضربة ، فيسيء الظن بي . ضربُ القفا في بلدي من المسلّمات ، وعند المعلمين الوافدين من الكبائر . تأكدتُ من سلامة الظن بي وأعدتُ محاولة التركيز على برامج الإذاعة المدرسية . همستُ لضارب قفاي :
" لماذا يسمونها إذاعة مدرسية ؟ . نحن نشاهد المذيعين .. إذن هذا تلفزيون مدرسي " .
شعرتُ بيدٍ باردةٍ تداعب قفاي . استدرتُ فواجهني المدير بقامته المديدة . ارتبكت . قال مبتسماً :
" أريدك في المكتب بعد الطابور " .
ابتعد وأشعةُ الشمس تنعكسُ على صلعته فتهيّج عيني . ضحك زميلي فباغت قفاه بضربة ثأرتُ بها لقفاي .
انتظرتُ انتهاء الطابور بفارغ الصبر . نهشت رأسي كل احتمالات العقاب : الإنذار ، الفصل ، استدعاء ولي الأمر . يرعبني هذا العقاب الأخير ، فأبي لا يرضى مفارقة مزرعته وأغنامه . والويل لي ولأمي إن استدعته المدرسة . سينهال علينا بالتقريع وفي النهاية لن يحضر . سيقول : " من أين لي بالسيارة ؟ وأجرة المواصلات ؟ ولماذا استيقظ مبكراً لمرافقتك ؟ " . وإن حدث وحضر سيعود مطرقاً مكتئباً . الأمر يختلف لو حجزت البلدية إحدى أغنامه بتهمة تخريب المنظر العام . لن ينام الليل بأكمله . سيخرج قيمة الغرامة بلمح البصر وعن طيب خاطر . سيعد سيارة خاصة للذهاب ، وسيتواجد أمام البلدية بعد صلاة الفجر مباشرة . وسيعود منتشياً للبيت كأنه فتح الأندلس .