.فلاكا
."كان يامكان في قديم الزمان " هذا ما بدأت به تلك الفتاة العشرينية التي تجلس في الحديقة ويقابلها العديد من الأطفال ينظرون لها بأعين لامعة متشوقين لما ستقوله ، أشاحت بنظرها لهم لتكمل قصتها قائلة :
كان هناك فتًا لم يكمل الرابعة عشر من العمر يمتلك شعرًا أسود اللون وعينان بنيتان يميل لونها إلى الإحمرار ، لذلك أحيانًا يظن الناس بأنه يملك أعين حمراء ولأنه يمتلك بشرة شاحبة بدا وكأنه أحد مصاصين الدماء الذين يظهرون في الأفلام
منذ الصغر كان يتعرض للتنمر بسبب شكله غير المؤلوف لدرجة أنهم أطلقوا عليه لقب فلاكا وهو اسم شخصية خيالية نصفها بشرية ونصفها الأخر مصاصة دماء .حتى أنه لم يمتلك أي صديق ليسانده ويؤنسه في وحدته ، لذا كان يمتلك دفترًا صغيرًا يكتب به كل مايحدث له "ذلك الدفتر كان مليئًا بالدموع" .
وفي إحدى اليالي الهادئة قرر رمي ذلك الدفتر في بئر الأمنيات ويتخلى عنه تمامًا رغم أنه كان صديقه الوحيد ، أمسك بدفتره الصغير مد يده ليرميه في البئر آنذاك لسبب ما ظهرت تعابير غريبة على وجهه وكأنه كان يكن كل الكره لذلك الدفتر الصغير ، لم يتردد لحظة في رميه داخل ذلك البئر العميق ، بعد أن رماه تمتم ب" ليتني لم أولد بهذا العالم "
عاد لمنزله وتوجهه مباشرة لغرفته التي تقع في الطابق العلوي ، رمى نفسه على سريره المريح تنهد بعمق وفجاءة سمع صوت شخص يطرق نافذته ، أشاح بنظره إلى النافذة إذا هي فتاة ضئيلة الحجم ربما بحجم فراشة تشير له باللحاق بها ، تنهد وأردف قائلاً "حسنًا ليس لدي ما أفعله على أي حال "
خرج من نافذته الواسعة ليقفز على سياج المنزل وينزل على الأرض بكل هدوء
، أبتسم وأردف قائلاً " لم أفعل ذلك منذ زمن "
بينما تسير تلك الفتاة الضئيلة على الأرض العشبية بخفة وتمتم بأغنيتها المفضلة ، إلتفت فجاءة نحو ذلك الفتى وقالت بإبتسامة : أنا ريس ، ماذا عنك ؟
الفتى : فلاكا ، ربما
ألتفت ريس مجددًا لتكمل سيرها وقالت بنبرة غاضبة : أريد سماع اسمك الحقيقي
الفتى : ماذا عن فلاكا ألم يعجبك ؟
ريس : إنه لا يناسبك لذا سأناديك ب(سون) هل أنت موافق ؟
الفتى : أنا لا أهتم
ابتسمت ريس بسعادة وأردفت قائلة : سأعتبر هذه موافقة .
فجاءة قفزت ريس على كتف سون نظرت إليه عن قرب وقالت : أتعلم لما أنا هنا ؟
أشاح سون بنظره إليها ، كانت تمتلك شعرًا فضيًا طويلاً وعينان قرمزيتان جميلتان وكأنها ملاك صغير ، إبتسمت إبتسامة جميلة وقالت : لقد رأيتك تلقي بدفترك في بئر الأمنيات ، كنت اتسأل بشأنك لماذا تلقي دفترًا عوضًا عن عملة نقدية ؟ فكرت بأنك فقير للحظة ولكن حالما نزلت للبئر ، في الظلام وبين كل العملات النقدية اللامعة كان دفترك الأجمل بينهم ، ولكنني أحسست بشئ غريب يصدر منه وكأنها مشاعر لشخص يتألم
إبتسم سون بسخرية وقال : حتى الآن لا أصدق بأنك موجودة وتتحدثين معي والآن تتفوهين بهذا الهراء ؟
ظهرت ريس أمام عيني سون وقالت : هذا العالم واسع يارجل عليك أن تصدق مثل هذه الأمور التي تظنها تافهه بنظرك ، على أي حال يجب عليك أن ترى تلك العجوز بأسرع وقت ممكن إنها متحمسة لمقابلتك
سون : العجوز ؟
ريس : أجل عجوز البئر إنها هناك دائمًا ولكن لا أحد يلاحظ وجودها لقد كانت هناك عندما تمنيت أمنيتك تلك ، لقد سمعتها جيدًا حينها كان الحزن على محياها ظاهرًا .
صمتت ريس للحظات ثم أردفت بحزن قائلة : "هل كانت أمنيتك بهذا البؤس حقًا ؟ "
نظر سون لنفسه وقال : ربما .
ريس : أود سؤالك ، لماذا تمنيت الموت حينها ؟
تنهد سون بعمق وقال بنبرة هادئة وحزينة بنفس الوقت : لا أريد البقاء بهذا العالم ، كل يوم أنا آتألم أكثر لذا سيكون موتي أفضل
ريس : مالذي يؤلمك لهذه الدرجة ؟
تمتم سون بصوت خافت : كوني ولدت بشريًا
لم تنطق ريس بأي كلمة حينها تنهدت بعمق وأكملت السير وكأن كلماتها أنتهت حينئذٍ .
وفجاءة وصلا لبئر الامنيات كان المكان مختلفًا عن ذي قبل، ففي وسط عتمة الليل التي لم تخلوا من النجوم و اليراعات المضيئة تحوم حول ذلك البئر وكأنها سعيدة بكل تلك الأمنيات البريئة .
إبتسم سون بهدوء وهو يتأمل ذلك المنظر الجميل
.
" هل أعجبك المنظر " قالتها تلك العجوز المتكئة على عكازها الخشبي ، ألتفت إليها سون لتبتسم له وتردف قائلة : لابد بأنك لاحظت وجودي
ابتسم سون بدوره وقال : لم أكن أعلم بوجودك حول البئر حينها
العجوز : هل تريد أن أحقق لك تلك الأمنية حقًا
" بالطبع إذا أمكنك" قالها سون بدون أي تردد
لتقف العجوز أمام سون وتمسك بعكازها و تطرق به رأس سون برفق وقالت بنبرة هادئة " لك ذلك"
...
بعد عدة لحظات فتح سون عيناه ببطئ نظر حوله وقال : ألم أمت ؟
وجد نفسه بغرفته تنهد بعمق وقال : لا أصدق بأنني صدقت ذلك الهراء سأعود للنوم
وفجاءة لاحظ بيده اليسرى ورقة صغيرة قد كُتب عليها عنوان ما ، واسم غريب عليه
توسعت عينا سون وأردف بنفسه قائلاً : ماهذا ؟ منذ متى وأنا أحمله معي ؟
"هل كان ذلك حقيقًا " يتذكر تلك العجوز .تمدد على سريره يفكر فيما حدث حتى غلبه النوم
وفي صباح اليوم التالي ، قرر أن يذهب لذلك العنوان المدون على الورقة .
بعد نصف ساعة تقريبًا وصل إليه ذلك العنوان لم يكن منزلاً!
" مستشفى؟ " هذا ماقاله سون بينما يحدق بذلك المبنى الضخم نظر مجددًا للورقة وقال : روز هاه ؟ لابد بأنه اسم تلك العجوز
دخل لذلك المستشفى الضخم كان هادئًا ، لم يسمع سوى صوت قرع قدميه على أرضية المشفى ، لم يرى سوى موظفة واحدة تقف خلف طاولة الاستقبال ، مرر إليها الورقة وقال : أريد أن ألتقي ب(روز) ، إبتسمت الموظفة وقالت : تعال معي
صعدت الموظفة مع سون للطابق العلوي حتى وصلوا الى نهاية الممر ، فتحت باب الغرفة له وقالت بإبتسامة : تفضل
كانت فتاة تبدو في السادسة عشر من العمر ذات شعر أشقر جميل وطويل تجلس بينما تتأمل السماء من نافذتها الصغيرة
اقترب سون منها حتى جلس على الكرسي المقابل لسريرها لم تلتفت له بل لم تعره إهتمامًا
سون : تحبين السماء لهذه الدرجة ؟ لقد غرقتي بها حتى أنك لم تلحظِ وجودي هنا
أشاحت روز بنظرها إلى مصدر ذلك الصوت العذب ابتسمت وقالت : أتمنى رؤيتها من الخارج
سون : إذًا لماذا لا تخرجين ؟
ابتسمت الفتاة واردفت قائلة : ذلك لأنني فلاكا
توسعت عينا سون و أنفجر ضاحكًا فجاءة وقال : ياللصدفة أنا أيضًا فلاكا"حقًا ؟ هل تحرقك أشعة الشمس ؟ " قالتها بتفاجئ
اقترب سون منها وفتح عينه أمامها وقال : مارأيك الا تشبه عيني فلاكا ؟
نظرت الفتاة نحوهما بتمعن ، وقالت : مذهل تمتلك عينان قرمزيتان وكأنك فلاكا حقًا
ابتسمت وأردفت قائلة : لابد بأنك النصف الأخر من فلاكا .سون : إذًا أشعة الشمس تحرقك ، هاه ؟
روز : اجل ، لا يمكنني الخروج لرؤية السماء في النهار لذا أحب أن أراقبها من هنا
سون : ولكن يمكنك الخروج في اليل أليس كذلك ؟
روز : أجل ولكنها تبدو أجمل في النهار الا تظن ذلك ؟!
سون : أحبها أكثر عندما تكون ممتلئة بالنجوم اللامعة
صمت سون للحظه وقال : لقد كنت أتسائل لماذا أنتِ لوحدك هنا ؟
روز : لقد أغلقت هذه المستشفى منذ زمن ولكنني أتردد مع أختي كثيرًا هنا لأرى السماء عندما تقابل البحر من هذه النافذة كما أعتدت من قبل.
كانت شرفة روز تطل على شاطئ البحر ، ابتسمت وأردفت قائلة : وكأنه عالم من اللون الأزرق فقط
سون : هل يفترض بنا التواجد هنا حقًا ؟
روز : لا بأس لأن هذا المبنى ملك لمعلمي الخصوصي لذا سمح لي بالدخول متى أردت
ابتسم سون وقال : هكذا إذا ، علي أن أذهب الآن
روز : تعال في الغد
ابتسم سون وقال : سأفعل
أصبح سون يتردد على ذلك المشفى كثيرًا ، ليرى صديقته الوحيدة روز أو بالأحرى ليرى نصفه الضائع الذي أنقذه من هذا العالم ، تلك الغرفة أشبه بالملاذ بالنسبة لسون ، وكأنها دواء يهدئ ألمه
وبعد فترة وجيزة من الزمن تلاشت أمنيته البائسة .عاد سون لمنزله فتح مذكرته الجديدة وبدأ بكتابه مشاعره لهذا اليوم كما أعتاد دومًا
" بطريقة ما وجدت شخصًا يشبهني ، بطريقة ما كلانا يشبه فلاكا ، لأول مرة أحب هذا الشبه الغريب ، اليوم بدأت أحب ما أنا عليه ، لم أتوقع أنني سأقابل صديقتي الأولى بسبب أنني أشبه فلاكا ربما هذا أجمل شئ حدث في حياتي "
ابتسمت تلك العجوز بسعادة وقالت : هو الآن يمتلك سببًا للعيش .
أغلقت تلك الفتاة العشرينيه كتابها وأبتسمت قائلة : لقد أنتهت القصة
.
. النهاية...
شكرًا على القراءة 💜
#the_endThanks for reading
أنت تقرأ
Flaka "فلاكا(ون شوت)"
Short Storyماذا لو رميت دفتر مذكراتك في بئر الأمنيات بدل العملة ؟ هل فكرت حقًا بما يمكن أن يحدث بعدها ؟