المكان: غازي عنتاب الزمان: 15/01/20

7 0 0
                                    

المكان: غازي عنتاب                                        سارة

الزمان: 15/01/2016

مضتْ ثلاث سنوات  على قدومي الى تركيا، ومازلت حتى الان كلما تحدثت عن العام 2013 قلت ""في العام الماضي...."" وكأن الزمن أُصيب بسكتة حنين منذ ذلك الوقت, عندما اصطدم أنفي برائحة البارود لأول مرة .. فأطبقتُ يدي جيدا على ما استطعت إنقاذه .. هلعتُ خارج المنزل ونسيتُ قلبي معلقاً على حبل الغسيل الذي تركت عليه فستاني المفضّل ..

مازلت أفكر في فستاني الذي تركته قبل أن يجف .... مازلتُ أبحث عن شرفة تشبه شرفة منزلنا ..لا نكهة للبهارات ها هنا ... لا هيل في القهوة .. لم أنفصل عن ذاكرتي ولو للحظة ... ولم أكف يوما عن التذمر حتى جاء ذلك اليوم !

السادسة والنصف صباحا .. كعادتها الستائر البيضاء ترضخ لسطوة الشمس وتقاطع ليس فقط أحلامي بل وتسبق منبهي ...

"متى سأعتاد هذه الستائر البيضاء والغرف المستسلمة لبهجة الصباح! في مدينتي كانت نوافذنا محمية ليس فقط بالستائر كنا نستخدم ما يسمى الأبجور .. لم يكن يحمي نوافذنا من الشمس فقط بل كان يحمينا من بعضنا البعض ... نحن الذين لم نثق يوما ببعضنا .. ومازال الأتراك يتعجبون لقدرتنا على النوم حتى الثانية ظهرا ! نحن الذين قصصنا بأبجورتنا شعر الشمس وقدمناه قرباناً لعزلتنا ..""

لعنتُ الستائر البيضاء ... والأبجورات .. وضعتُ غطاء عيوني وحاولت النوم مجددا ..  وبعد تقلّب غير مجدِّ على سريري نهضت الى المطبخ وبدأت بالبحث عن ركوة القهوة ...

أمي تقول دائما "" تمنيت شي مرة تعملي قهوة بلا ما تعبي الغاز !

محقّةٌ أمي ، فما أن تسقط ملعقة قهوة على فقاعات الماء المغلي في ركوتي .. حتى أشرد في رائحتها .. أصبح فجأة في صالتنا الكبرى .. اشم رائحة الياسمين و اسمع أصوات أولاد الحارة في طريقهم الى المدرسة مختلطة مع صوت أختي الصغرى وهي تفكر ماذا سترتدي وصوت أخي وهو يبحث عن فردة جوربه ويلفّ كل هذه الأصوات صوت المذياع الذي يصدح فيروز في مكان  ... سمفونية جميلة لا نشاز فيها ...

وفجأة يقاطع سمفونيتي صوت فوران القهوة ... طافت القهوة كما طاف قلبي ألماً وذاكرة ...

" يا ربي طافت القهوة .. ما معي وقت نظف الغاز ..!

نظفت الغاز سريعا فقد نفذ الوقت رغم أني استيقظت قبل المنبّه ... ارتدتْني ملابسي .. لم أدقّق خطّ الكحل على جفوني في ذلك اليوم بل ولم أنظر جيدا الى وجهي في المرآة .. وضعتُ ذاكرتي جانبا ... تركتُ فنجاني قهوتي المدلّل يبرد وحيدا ... وأغلقت الباب خلفي بقوة ودون اكتراث.

فقد أخبرنا مديرنا البارحة "" رجاء حاولوا ألا تتأخروا غدا .. لدينا عمل مهم ...

كان عملي هو أكثر ما أحبّ ... رغم عدم ايماني بالإغاثة ورغبتي الدائمة بأكثر من سلة غذائية او كيس أرز بليد من أجل كرامة الإنسان، ولكن ما نقدمه كان جيدا ... كرتا الكترونيا أنيقا لا يثير ألمي ويجده البؤساء طوق نجاة ...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Feb 24, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

سارةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن