حين اشتدت عباءة الليل قتامة وسكنه البشر لباسًا، ارتخى جسدها طالبٌ الراحة على فراش غرفتها الوثير عقب طمأنتها على وصول شقيقتها وصغيرتها "جويرية" للعروس المدلل على شُطْآن البحر المتوسط -مدينة الاسكندرية- موطن زوجها، مفوضه آلم الفراق لخالقها بأن يجمع بينهم دائما في خير ..
على ذكر الجمع ضحى أمام عينيها الشاردة في الفراغ غابات عينيه التي بثت إليها بثوانيها المعدودة قحت طربتها من جفاف بُعدها .. وتراخي شتلات زرعها عطشًا .. وصخبُ حناجرها شوقًا لرؤياها ..
اكتسى خجل وحياء حفيدات فاطمة رضى الله عنها وجهها حتى تملكَ منها مبلغًا عظيمًا، خاصّة عندما مس روحها ذوبان مشاعره بالحنق والضيق !
حينها ايقنت بأن طفلها المدلل غاضب منها حد العنان !
ارتخى جفنيها خزيًا، مُقرَّه بذنبها في حقه ! ..
يومان ! .. يومان لم يبصرها فيهما، أكثر تدقيقا منذ قدومهما إلى القاهرة وانشغالها بمواساة شقيقتها "أميرة" في وفاة زوجها ..
تسللت لصفحة وجهها ابتسامة هادئة على زوايا ثغرها جاورت حمرة صفحتها حين تذكرت بتمعن ملامح فتاها المشاغب مع تعبيرات وجهه الثائرة لبعدها ..
فتاها الذي باغتها بقراره حين علمت من والدتها بأتخذ غرفة الجد محرابًا للعيش بين زواياها ..
اتسعت الابتسامة على محياها حتى باتت كبدر الدجى في ليالي تتوّجه، عندما خاطرها ذكرى تسللها الخفي لغرفة الجد صباحًا من أجل الانفراد بمقتنياتها وبث إليها شوق بعدها الذي قارب العام، فتفاجأت بشبيهه الوسيم يتوسد فراشه ..
كأنه.. !
كأنه بات الجد أمامها !
رغم ثواني صدمتها وعدم قدرتها على تصديق واقعها الملموس، إلا أنها إذدردت ريقها ببطء وتخطت شعورها ببراعةٌ تحسد عليها من أجل الفوز بذكرى تعيد روح جدها إليها حتى وأن كانت ضئيلة الحجم ..
اقتربت بهالة مغيبة احاطتها من رأسها إلى أخمص قدميها من أجل اشباع جوع اشتياقها الداخلي لحبيب رحل عن عالمها ..
رجفة توغلت بوصالها اختلطت بفيض عينيها ما أن بدأت بتحقيق حلمها ..
ثانية .. ثانيتين حتى بلغ مطمعها لدقائق، ظلت بحذر شديد تتلمس بأناملها الحانية تقاسيم وجهه حتى غاصت متلذذه في خصلات شعره الكستنائية الناعمة المتمردة على جبينه ..
- "آنا" ..!
كلمته الهامسة بشغفها المبين وملامحه الباسمة من باطن حُلم ثباته العميق .. كانت كفيلة لصعق غيبوبتها وتسربها ..
هل هو نائم يحلم بها وذكر اسمها !
بل الاسوأ الأن هل تلمسته باشتياق نضح من ثنايا قلبها !