إنها تمطر بغزارة اليوم, كأن السماء تدمع فرحا لتحتفل معي بأول يوم أرتدي فيه النقاب. فرحة عارمة ملأت قلبي و أنا أنظر إلى نفسي في المرآة ,لا يظهر مني سوى عيناي لكنني كنت أجمل من أي وقت مضى فطاعة الله هي ينبوع الجمال و مصدره.
قبل يوم من إرتدائي لزيَ الجديد كنت خائفة جدا من عائلتي و موقفهم حيال قراري هذا خصوصا من أمي.....مشيت بخطوات حذرة نحو غرفتها ليلا فوجدتها مستلقية في فراشها جلست بجانبها و استرسلت حديثي عن الدار الآخرة و أن الدنيا فانية سنلبث فيها سوى عشية أو ضحاها و أخيرا أنهيته بإخبارها أنني أحضَر مفاجأة لها بالغد. كانت صامتة و تنظر إلي بإبتسامة خفيفة عذبة, فإغتنمت الفرصة و سألتها " هل ساظل إبنتك المحبوبة مهما فعلت و مهما سأفعل " فردت بالإيجاب قبلت جبينها كأن لن أقبله بعد ذلك اليوم تمنيت لها ليلة سعيدة و انسحبت لفراشي أحمل بين ثنايا قلبي أملا كبيرا بأن الله لن يخيبني و سيكون بجانبي كما كان دوما.
استيقظت في الصباح الباكر على رنين المنبه, فاستيقظ قلبي قبل جوارحي و هو يردد إنه اليوم الموعود فقفزت من فراشي فرحة ,و ابتسامة عريضة ترتسم على محياي كلما تخيلت نفسي مرتدية نقابي و قفازتي.
وجدت أمي مستيقظة و الفطار جاهز سألتني أين أنا ذاهبة في ذلك المطر الغزير,كنت أريد أن أقول لها حتى لو حلت الأعاصير و انفجرت البراكين سأخرج اليوم لأشتري نقابي لكنني أخبرتها أنني ذاهبة مع إحدى صديقاتي لحي الفراح لشراء ثوب جديد.
أنا مدينة لصديقتي أميمة لقبولها المجيء معي, إنها فتاة منقبة إلتقيتها عندما كنت مدرسة بمدرسة "الغالي" كنت قد بعث لها رسائل قبل يوميين أخبرها أنني أنوي لبس النقاب و أحتاج مساعدتها, لم تبخل علي بموعد ذهبنا فيه سويا إلى محل إعتادت أن تذهب إليه لقتناء زيها
إثر وصولنا كانت هناك فتاة بالقرب من مكتب صغير, أخبرتها صديقتي بنيتي لإرتداء النقاب الماليزي فأسرعت بالبحث عنه و قدمته لي لم أصدق نفسي عندما أمسكته, فطنت هي لصدمتي فأخدته مني و ألبستني إياه بل و علمتني كيف أرتديه, أتت بخمار طويل جدا ووضعته فوق نقابي فاكتملت حلتي و إكتملت معها فرحتي......
خرجنا من المحل و أنا أرتدي زيَ المميز,أحسست أني ملكة توجت لثوها كنت أتسأل في قرارة نفسي هل أنا حقا منقبة ؟؟ هل حققت حلمي الذي طال له الشوق و التمني ؟؟ لم أستطع التنفس جيدا في بادئ الأمر كان الأمر مضحكا, و دعت صديقتي و ذهبت إلى بيت ابنت خالتي شيماء التي وعدتني أنها ستكون بجانبي في هذا اليوم عند مواجهة أمي, وقفت أمام النافذة الأرى إن كانت بالمنزل فإذا بها تفتح الشباك فجأة لأظهر أنا من وراءه بنقابي الأسود كانت صدمة و مفاجأة بالنسبة لها استقبلتها بنظرات استعجاب و ضحكات هستيرية....ذهبنا أنا و شيماء إلى المحل عند أمي في كل خطوة نقترب فيه كان قلبي يخفق بشدة .كانت لحظات أشبه بتلك التي يعيشها المتهم في قفصه الحديدي ساعة انتظار نطق الحكم في المحكمة مليئة بالفزع و الرهبة, وقفت أمام باب المحل و أمي كانت تنظر إلي باستغراب عرفت حينها أنها لم تتعرف علي فناديتها " أمي" أحسست أن لونها أصبح شاحبا وظهرت على وجهها مسحة من عدم الرضا تسمرت في مكانها لا تنطق بحرف, اقتربت منها و قلت لها ألن تبارك لإبنتك ؟
فحضنتني و بدأت بالبكاء, بكينا سويا و شرحت لي أنها تمانع لبسي النقاب لأنها تخاف على مستقبلي فقط و ضحكت
فغدت أوجهنا نحن الثلاثة متقلبة بين ضحك و بكاء في لحظات مميزة و مؤثرة
سألتني بنبرة واثقة هل أنا مقتنعة بقراري و مستعدة للتضحية بالكثير من الأشياء, فرجعت بالذاكرة ثمانية عشر سنة إلى الوراء عندما كنت طفلة ذات الثماني سنوات و أخبرتها أني أريد أن أتحجب طرحت علي نفس السؤال و أجبتها نفس الإيجابة كأن الزمن لم يتغير أو بالأحرى كأن القلوب ظلت على عهدها أم تخاف على ابنتها, و ابنة لا تحب أن تغضب أمهالم أتوقع أن تكون ردة فعل أمي بهذه البساطة ظننت أنها ستكون فيلما دراميا بإمتياز ينتهي بمقتلي في سبيل الإسلام ههههه......
أما أبي فرأيت مزيجا من الفخر و الصدمة في عينيه عندما رآني لأول مرة, تمنيت لو نمت بنقابي ليلتي تلك من الفرحة.
في تجربتي هذه إكتشفت أن الخوف عدونا الأساسي نصنع في مخيلتنا حواجزا ليست موجودة بالأصل نطعم عقولنا بأفكار سلبية و نقنع أنفسنا بالعجز و ننسى تماما أن المستحيلات و العواقب تتبخر أمام الدعاء, و ما خاب عبد دعا الله عز و جل مخلصا في نيته صادقا في دعائه فقد اعقلها و توكل.