بسم الله الرحمن الرحيم..
رواية #طبيب_القلوب
تأليف : رويدة الدعمي
(1)
عنوان الحلقة // أمير الأحلام 💚❤️💚
كانت الأفكار تجول بخاطرها كما تجول الخراف في المراعي.. تساءلت فدوى بعد أن تعبت من ملاحقة أفكارها :
متى يا خرافي يأتي الراعي لينادي عليك بمزماره فتلتفي حوله وتذهبي إلى حيث حضيرتك.. فتنامي بعد يوم شاق وطويل؟
ثم تخيلت ذلك الراعي وهو يأتي من بعيد ولكن.. لماذا يرتدي ملابس الأمراء..؟!
ضمت رأسها بين طيات الوسادة وهي تقول : لا أعرف ماذا يريد مني هذا الأمير؟
لماذا كلما تخيلت شخصاً معيناً جاءني هو لا غيره!؟
ثم تذكرت ليلة أمس عندما رأت في المنام بأن الباب يطرق ليأتي ساعي البريد يحمل لها رسالة ✉️ كان ساعي البريد هو نفسه الراعي وهو نفسه الأمير!!
استسلمت للنوم فإن غداً سيكون موعد المحكمة التي ستصدر الحكم على والدها.
في الصباح رافقتها مُربيتها ( سُمية) إلى المحكمة فهي في الحقيقة أكثر من كونها مُربية.. إنها أمها الثانية التي احتضنتها بكل عطف وحنان بعد وفاة والدتها منذ عشر سنوات.
جاء القاضي وبدأت المحاكمة.. كان والدها يقف خلف القضبان وهو يستمع للمحامي الذي لم يدخر جهداً في الدفاع عن موكلهِ.
لم تفلح كل الأدلة والحجج التي قدمها المحامي فلقد كانت هناك أدلة أقوى وأتم تدين المتهم، لذلك حكمت المحكمة عليه بالسجن مدى الحياة!!
وقعت فدوى أرضاً .. صارت تبكي وتخدش وجهها بأظافرها وهي تصرخ : مدى الحياة؟! كيف سأعيش بلا أم ولا أب؟ كيف سأواجه الحياة لوحدي يا أبي كيف..كيف؟!! 😭
نظر إليها والدها بعينين دامعتين والسلاسل تحيط بمعصميه، ثم خفض رأسه واتجه محني الظهر إلى سجنه المؤبد .
تسلمت فدوى بلاغاً بإخلاء المنزل لأنه أصبح محجوزا للدولة ، لملمت أغراضها وحاجياتها وساعدتها مربيتها الخالة سمية على ذلك..
قالت لها فدوى بعد نهار شاق :
- سأخلد الآن للنوم فغداً يجب أن أذهب إلى الشقة التي استأجرتها لتوقيع العقد ودفع إيجار الشهر الأول ثم إستلام المفتاح🗝️
قبّلتها سمية في جبهتها وهي تردد : تصبحين على خير حبيبتي.
انتقلت فدوى إلى تلك الشقة الصغيرة وكان الأمر في غاية الصعوبة بالنسبة لها.. فلقد فتحت عينيها الجميلتين على قصر كبير 💒 وحياة مترفة.
دخلت غرفتها الجديدة والبسيطة، استلقت على سريرها وهي تفكر بما ستئول اليه حياتها الجديدة.
نظرت إلى صندوق مجوهراتها 👑💍💎 هل ستكفيها هذه المجوهرات لسد مصاريف العيش طوال هذا السنين؟
لقد تبرأ منها جميع أقاربها بعد أن قام والدها بقتل ابن عمه.. حتى أخوالها تخلوا عنها رغم أنها كل ما بقي لهم من ذكرى أختهم الراحلة..!
في خضم هذه الأفكار السوداء رن هاتفها النقال 📲 انه ليس والدها بالتأكيد 😢 فلقد سحبوا منه هاتفه منذ أول يوم أدخل فيه السجن.. نظرت إلى شاشة الهاتف فإذا به اسم صديقتها بسمة، فتحت الخط وجاءها صوت بسمة مفعم بالفرح والسرور : فدوى حبيبتي هنيئا لك.. لقد ظهرت النتائج وتم قبولك في كلية الطب 🏩
صمتت فدوى ولم تعرف بماذا تجيبها، فلقد أنستها همومها وأحزانها بأنها تنتظر نتيجة القبول للجامعة!
قالت وهي تُخرج الكلمات من فمها بصعوبة : أنت تعلمين أن كلية الطب ليست رغبتي.. هي رغبة الوالد!
أجابت بسمة وما زالت الفرحة بادية على صوتها : ولكن هل هناك عاقل يخبروه بأنه تم قبوله في كلية الطب فيقول بأنها ليست رغبته؟! 😅اتركي ما فات وافتحي صفحة جديدة.. إن السعادة تنتظرك حبيبتي..
قاطعتها فدوى : وأنتِ.. ما هو قبولكِ؟
أجابت بسمة بسرعة البرق : كلية طب الأسنان.. الحمد لله فهذا ما كنت أتمناه.. ☺️
في أول يوم دراسي وصلت فدوى متأخرة عن المحاضرة بعشر دقائق.. كان الأستاذ المحاضر فض 😡وغليظ القلب🖤 فما أن وقعت عيناه عليها وهي تطلب الإذن بالدخول عند باب القاعة حتى هاجمها بالقول : ما زلنا في يومنا الأول يا آنسة! ثم لا تنسي إنك في كلية الطب.. والطب يعني التزام.. التزمي بالوقت وإلا سيكون لي كلام آخر معكِ!
اختنقت فدوى بعبرتها ولم تلق ما تجيبه به غير الدموع، هل حزنها قليل حتى يأتي هذا الأستاذ ليزيدها حزنا فوق حزنها؟
أشار إليها بالجلوس على أحد المقاعد الفارغة، اتجهت وهي خافضة الرأس من شدة ما أصابها من الخجل والحياء.. فلقد أصبح كل من في القاعة ينظر إليها!
اختارت مقعداً بجانب الشباك فلقد أحست بأنها تحتاج إلى هواء أكثر لتستنشقه بعد كل هذه الإهانة..وقد لاحظت أن الشاب الذي جلست بجانبهِ كان مطأطأ الرأس وقد بانت عليه علامات الخجل وكأنه هو الذي استقبل الإهانة من الأستاذ وليست هي!!
طوال فترة المحاضرة التي استغرقت ساعتين كاملتين لم تتوقف فدوى عن البكاء بصمت، لم يشعر بها أحد غير ( شِهاب) ذلك الطالب الذي كان يجلس بجانبها.. وكلما كانت تنزل دمعة كانت تسارع إلى مسحها لئلا يرى الأستاذ دموعها فيعود إلى تأنيبها وإهانتها..
انتهت المحاضرة وخرج الجميع وبقت هي تنظر إلى الشباك منتظرة خروج آخر طالب.. لكنه لم يخرج!
لكن لماذا لم يتحرك من مكانه؟ 😥
هكذا تسائلت مع نفسها، وقبل أن تترك مقعدها جاءها صوته شجياً متزناً :
لا أعرف بالضبط ما هي ظروفك ولماذا كل هذا البكاء ولمدة ساعتين كاملتين!!
إلا إنني أخبرك بأن لدي ثلاث أخوات وستكونين منذ الآن الأخت الرابعة.. إن سمحت بذلك طبعا!
أدارت فدوى برأسها تجاهه فإذا بها تراه خافضا رأسه وهو يتكلم بكل أدب واحترام.. قالت متعجبة من طريقة كلامه : جزاك الله خيرا أخي.. هذا من كرم أخلاقك.
قام شهاب من مكانه وتركها تموج بين أفكارها.. لطالما كانت حزينة وكئيبة، ولكنها الآن وبفضل كلماته الصادقة صارت تشعر بأن الدنيا ما زالت بخير وبأن الحياة ما زالت تحمل بين ثناياها شيئا من الإحسان والجميل💚.
في المحاضرة الثانية كانت حالة فدوى تختلف تماما عن المحاضرة الأولى.. والشيء الوحيد الذي كان يجعل المحاضرتين متشابهتين انها في كلتيهما لم تفهم شيئا!! 😂
ففي المحاضرة الأولى كانت مشاعر الحزن هي المسيطرة وفي الثانية كانت مشاعر السعادة ( التي لا تعلم سببها) هي المسيطرة عليها مما جعلها لا تفهم من كلا الأستاذين أي كلمة!!
في البيت استمرت مشاعر السعادة تلك حتى أن سمية سألتها بتعجب : هل كلية الطب جميلة إلى هذه الدرجة؟ أولم تقولي انك غير راغبة في الذهاب إليها؟ 🤔
فبدأت فدوى بسرد كل شيء لمربيتها التي كانت تستمع إليها بكل اهتمام..
قالت سمية وقد انتقلت إليها عدوى السعادة ☺️:
يحميه الله ويحفظه.. انه شهم فعلا! سيكون هذا الشاب أروع طبيب في المستقبل فهو يداوي الأرواح قبل الأجساد.
تفاجأت فدوى من هذا الوصف.. قالت وقد تورد لون وجهها :
إن وصفك له بهذه الطريقة يا خالة سيجعلني أفكر به أكثر!
ضحكت سمية وهي تربت على كتف فدوى وتقول :
لطالما تمنيت لقلبك❤️ السعادة يا حبيبتي.
أما شهاب فلقد جلس بين أخواته الثلاثة وهو يسرد لهن ما حصل في يومه الجامعي الأول.. وبعد أن أكمل حديثه قالت ختام وهي أجرأهن حديثا رغم أنها أصغرهن عمرا :
- احم احم.. منذ اليوم الأول يا شهاب.. ما هكذا الظن بك يا أخي!
ضربتها مرام- وهي الوسطى - على كتفها بلطف وهي تقول : احترمي أخاك الأكبر يا فتاة..!
ثم التفتت إلى أخيها لتقول له : صحيح يا شهاب لو كنت انتظرت يوما أو يومين يا أخي!! 😂
كان شهاب يوزع ابتسامته بينهن فنظر إلى أكبرهن وكانت تصغره بعامين فقط : وأنت يا نور عيني.. هل رأيك مثل رأيهن..؟
قالت سهام : لا يا أخي أنا لا أسيء الظن بك أبدا.. حتما انك عندما قلت لها بأنها ستكون أختك الرابعة كنت تقصد ما تقوله ولم تقصد شيئا آخر.. لا عليك بما تفوهتا به .
ادارت بوجهها نحوهما وهي ترمقهما بنظرات حادة وتقول :
توقفا عن الثرثرة✋ إن بعض الظن إثم.. هذا ما علمنا إياه ديننا الحنيف.
في الصباح وبينما كانت فدوى مع بقية الطلاب ينتظرون قدوم الأستاذ استغلت الفرصة لتشكر شهاب على أخلاقه العالية ولطفه في التعامل معها، قالت بارتباك :
لا أعرف كيف أشكرك على لطفك معي يوم أمس.. لقد كانت حالتي النفسية متعبة جدا. 💔
قال شهاب وهو يعبث بالأوراق التي بيده : لا شكر على واجب أخيتي..
قاطعته فدوى قائلة : أنا البنت الوحيدة وليس لي أخ أو أخت.. كما أنه ليس لي أب ولا أم.
رفع شهاب رأسه وقد نظر إليها بتعجب وهو يقول : ولكن مع من تعيشين؟
قالت وقد لاحت دمعة في عينها : مع مربيتي .. إنها انسانة طيبة لم تتركني منذ وفاة والدتي.
قال شهاب متأثرا : رحم الله والدتك.. وهل أباك على قيد الحياة؟
تلعثمت فدوى قليلا فما كانت تتوقع أن يصل الحديث إلى هذه النقطة الحساسة.. 😱
قالت بعد تردد : أبي.. أبي.. إنه مُسافِر ✈️
ثم تنفست الصعداء😌 بعد أن وجدت لنفسها مخرجا مما كانت فيه من مأزق.
في المنزل أنّبتها سمية كثيراً على ما قامت به من سلوك خاطئ
قائلة لها : سيأتي يوم ويعرف ذلك الشاب الحقيقة.. حينها ماذا سيكون موقفك؟ 🤔
قالت وهي تحاول إخفاء ارتباكها : وماذا يهمني إن عرف..!
اصلاً أنا سأبتعد عنه قدر الإمكان.. صحيح أنني بحاجة إلى الكثير من عطفه وحنانه💚 لكني لا أستحق ما يغدقني به من اهتمام.. فما أنا بالنهاية إلا ابنة رجل مجرم 😔
وقبل أن تفضحها دموعها أسرعت إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها ثم رمت بنفسها على السرير باكية ناحبة حتى استسلمت للنوم.
لم تنفذ فدوى ما أخبرت به مربيتها من أنها ستبتعد عن هذا الشاب قدر الإمكان بل فعلت العكس من ذلك تماما!!
ففي ظهيرة اليوم التالي وبينما كانت تتمشى مع بقية زميلاتها في حديقة الجامعة لمحت شهاب يدخل إلى المصلى 🕌
......يتبع