Untitled Part 1

2.6K 13 0
                                    

 لم يكن ذلك النهار هو يومها، بل إن الشهر بأسره أثبت أنه ليس شهرها، لقد كان كابوسا متنقلا على قدمين رافقها طوال الأيام الثلاثين المنصرمة محيلا ليلها نارا متقدمة ونهارها جحيمها مستعرا، جلست مرهقة على ذلك المقعد الخشبي الأحمر دافنة رأسها بين يديها وهي تحدق بسطح الطاولة الزجاجي، لِم حظها بهذا السوء؟، متى سينتهي الشؤم الذي يتبعها كظلها أينما أدارت وجهها؟، بل فقط متى سينتهي هذا الشهر المقيت، هي تحب شهر ميلادها في العادة، بل وتعشق الاحتفال بعيد ميلادها مبتسمة متلقية الهدايا ممن يحيطون بها باتسامة مشرقة ومغرقة نفسها بها إن كان قد بقي شيء في حسابها البنكي، ولكن ليس هذه السنة؟، لقد أتمت السابعة والعشرين منذ تسع وعشرين يوما بالتحديد، وما زال هذا الشهر يجر نفسه ببطء متكاسلا رافضا ان ينتهي ليأتي غيره، لقد حاولت كثيرا أن تجد إجابة للسبب الذي دفع بهذه السنة كي تكون بهذه القباحة إلا أنها عجزت عن معرفة الجواب، فهي لم تفعل شيئا سيئا حقا خلال الأشهر القليلة الماضية، بل إنها مرت مملة بطيئة فارغة من اي معنى أو مضمون، إنها حتى لم تتشاجر مع قريبتها تلك، لقد كانت كما يمكن القول فتاة مؤدبة، لذا ندت عنها تلك التنهيدة مثقلة بالأسى ومحملة باليأس مع فشلها في معرفة سبب حظها المتعثر وفقرها المنحوس هذا

-القهوة آنستي

جذبتها هذه النبرة المهذبة الرقيقة من دوامتها الغابرة تلك لترفع نظرها نحو النادلة التي وقفت أمامها بابتسامة عذبة ناعمة وهي تضع كوب القهوة الكبير أمامها، أومأت لها شاكرة ومتمتمة ببضع كلمات لتستدير الشابة مغادرة إياها، أخذت نفسا عميقا بأطول وقت زمني ممكن تمكنت منه قبل أن تتركه ينساب مغادرا رئيتها حاملا معه لعنات وشتائم وسباب لم تدرِ في وجه من ستلقي به، مدت يدها ممسكة بالملعقة الخزفية التي تناسقت مع الفنجان الكبير لتحرك به القهوة محدثة في طبقة الكريمة البيضاء التي امتزجت ببطء مع اللون البني القاتم للقهوة الثقيلة التي طلبتها، وما بين الأبيض والبني بدا لها ذلك اللون البني الفاتح جذابا، ما يزال أمامها قرابة الثماني ساعات حتى ينتهي هذا الشهر ويذهب إلى الأبد دون رجعة، وهي منذ الصباح تمني نفسها بأنها ستصحو غدا سعيدة ومنشرحة بعد أن طردت عن نفسها شبح شهر حالك السواد، تركت الملعقة مادة يدها نحو مغلفات السكر الصغيرة مربعة الشكل الموضوعة في طبق صغيرة وسط المائدة، فتحت ثلاثة على التتالي ساكبة إياهم في فنجانها، فمهما بلغت مرارة الحياة من علقم يبقى شرب القهوة دون سكر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، عادت لتحرك القهوة مازجة قطراتها بحبيبات السكر رافعة نظرها نحو النافذة التي جلست بجوارها مطلة على الشارع لتحدق بها هنينة قبل أن تدير بصرها في المطعم حين استقرتا عليه يحدق بها باهتمام، بدت الريبة في وجهها وهي ترى عينيه المثبتتين عليها دون مواراة أو محاولة لإخفاء حقيقة انه ربما كان يحدق بها طوال الدقائق الماضية، زمت شفتيها بتجهم مشيحة بنظرها عنه، إنها تعلم ان منظرها يبدو مثيرا للاشمئزاز مع الهالات السوداء المحيطة بعينيها وشعرها المنفوش ككرة صوف ملقاة هنا وهناك إلا أن هذا لا يعني أنها تريد للآخرين أن يصوبوا نظرهم إليها، فهذا لا ينجح بشيء إلا إثارة المزيد والمزيد من حنقها، رفعت فنجان القهوة لترتشف منه سامحة لعبيرها الفواح أن يتسلل عبر أنفها مالئا خلايا عقلها بالنشوة قبل جسدها فيما بدا الطعم المتراوح بين المرارة والحلاوة نافثا للطاقة في شرايينها، بدت ابتسامة مستمتعة على وجهها وهي ترتشف من هذه العزيزة التي طالما شكلت الشخص الوحيد القادر على تعديل مزاجها وفتح دماغها وبعث الدفء في أوصالها، لله دره من أخرج هذه الغالية إلى الحياة

زواج صوريWhere stories live. Discover now