أزرق سماوي

44 3 0
                                    

أستيقظ أحمد من نومه على صوت جرس الباب الذي كان يعوي بلا توقف، مما جعله غاضبًا ومفزوعًا، فرك عيناه ثم هرع تجاه الباب صائحًا في الواقف خلفه: «انا قادم!».

توقف الجرس عن الرنين فور صياحه، تثائب وفتح الباب فلم يجد زائره، أطلق سّبة بالهواء، هم بغلق الباب ولكنه توقف عندما لاحظ ان شيء ما مازال يقبع بالأرضية. أمعن النظر، ليجدها سّلة صغيرة بها طفل صغير نائم، تجاوز السّلة في ذهول وألقى نظرة على درج البناية فلم يجد أحدًا، عاد وحمل سّلة الطفل بِرفق لداخل منزله وتركها فوق منضدة قريبة، وأغلق باب الشقة، أمسك برأسه في محاولة لإستيعاب الموقف، ضغط على زر الإنتركم، فجاءه صوت حارس العمارة من الجهة المقابلة بعد رنة واحدة: «صباح الخير».

- «عادل، أحدهم ترك شيئًا أمام باب منزلي ورحل».

وكما توقع أحمد أجابه عادل: «لم يدخل أحد للعمارة يا أستاذ، انا هنا مُنذ السابعة صباحًا».

إقشعر جسده، ثم نظر أحمد لساعة الحائط الخشبية، والتي كانت تُشير للثانية عصرًا. ثم قال عادل: «ماذا وجدت أمام بابك يا أستاذ؟».

تلعثم أحمد ثم أجابه: «لا شيء، هل انت واثق انك لم ترى أحدهم يدخل ويخرج؟».

- «متأكد تمامًا».

أغلق المكالمة، وعاد للسّلة، كاشفًا عن وجه الطفل النائم، كان في شهوره الأولى، ذو جلد مُنكمش مصبوغًا بالحُمرة وقبضتان صغيرتان مضمومتان، فكر في أن إخبار الشرطة هو الحل الأمثل لِمثل هذه المواقف، لقد سمع مرارًا عن أسر عدة تترك أطفالها أمام الأبواب، قرأ عشرات الحوادث السابقة. بحث عن هاتفه بغرفة نومه، ثم طلب رقم الشرطة.. وترجل نحو السّلة..

أجابه الشُرطي بعد الإدلاء بياناته: «قسم الشُرطة معك، بماذا أخدمك؟».
- «صباح الخير.. لقد أستيقظت صباحًا على لأجد امام باب منزلي سـ..». توقف عن الحديث فجأة عندما لم يجد الطفل داخل السّلة..

- «وجدت ماذا يا أستاذ؟».
- «لا.. لم.. انا أسف».
- «ماذا تقول تحديدًا؟ أجب والا أعتبرنا المكالمة إزعاجًا للشرطة».
- «سيدي انا أسف، لقد وجدت طفلًا داخل سّلة والأن لا أجده!».
- «لا تتصل هنا مجددًا إن كنت تبحث عن المزاح».

أنهى الشرطي المكالمة، وتقدم أحمد ببطء من السّلة يفتشها بزعر..

رن جرس الباب من جديد، هنا قفز من الخوف، ولكنه تقدم تجاه الباب بسرعة كي لا يهرب زائره هذه المرة، وعندما فتح الباب وجد الطفل يفترش الأرضية دون سّلة، إرتعشت أنامله، ثم دخل المنزل سريعًا وضغط على زر الإنتركم: «عادل، انه ينزل الأن على السُلم او المصعد، أبقى متيقظًا وأمسك به».

- «من هو يا أستاذ؟».
- «فقط أفعل ما أقوله لك!».

ترك الإنتركم يعمل، وحمل الطفل برفق بين ذراعاه واضعًا أياه بالسّلة، وعاد للإنتركم: «هل نزل؟».

-«لم ينزل أحد يا سيدي!». كما توقع أحمد تقريبًا، أردف عادل: «هل هناك مشكلة ما؟».
- «أحدهم ترك طفلًا على باب منزلي، وعندما حملته للداخل وهاتفت الشرطة أختفى الطفل ثم عاد مجددًا».
- «سأكون عندك الأن يا أستاذ».
- «أغلق باب العمارة قبل ان تصعد، لاشك انه لم يغادر العمارة بعد».

أغلق مكالمة الإنتركم وعاد للطفل، يراقبه كي لا يختفي كالمرة السابقة، رغم انه لم يعد هناك مجال للشك بأحد الإحتمالين: فإما انه فقد عقله.. وإما ان هذا الطفل ليس ببشري. قاوم إرتجافات أصابعه، فتح الفتى عيناه بهدوء، زرقاوتان بلون السماء، فتراجع أحمد خطوتين للوراء، نظر له الطفل أربع ثوان ثم.. أبتسم!

قاوم أحمد عقلانيته وصرخ بالطفل: «من أنت؟!».

إبتسم الطفل من جديد، ثم أغلق عيناه وغط بالنوم، تنفس أحمد الصعداء ثم إقترب من الباب ولم يُبعد عيناه عن السّلة، رن جرس الباب وجاء الصوت من خلف الباب: «انا عادل يا سيدي».

فتح الباب دون ان يُبعد ناظره عن السّلة، ودلف عادل الباب ثم قال له: «حسنًا انا هنا.. اين هو الطفل؟».

أشار أحمد للسّلة، وإبتلع ريقه بصعوبة وبدأ يشعر بغزو العرق البارد فوق جبهته.. فإقترب عادل من السّلة، ثم نظر لأحمد وقال له: «حقًا؟».

مد يده للسّلة ثم أمسك الطفل من ذراعه يرفعه بالهواء: «انها دُمية بلاستيكية يا أستاذ، عروسة لُعبة!».
أمعن أحمد النظر بالطفل ليتأكد من قول عادل، ثم أقترب بهدوء من ضيفه ولأمس الدُمية، ففتحت عيناها الزرقاوتان فجأة مما جعله يبتعد خطوتين للوراء..

- «إن كانت تُرعبك لهذا الحد فسأتخلص منها». قال عادل.

أغلق أحمد عينه وأردف: «أجل رجاءًا».

حملها عادل وخرج بها للشُرفة ثم ألقى بها بعيدًا، فسمع أحمد صوت صراخ عالِ، كان يبدو كصوت كلب يعوي جريحًا.. إلتفت عادل لأحمد وقال له: «إنتهى الأمر».

- «هل سمعت صوت الصراخ!».
- «ليس هناك شيء يا أستاذ، انت تتوهم من التعب».

إبتلع أحمد ريقه وأردف: «شكرًا».

ترجل عادل للباب، وتابعه أحمد، فقال الأول فجأة: «هل تعرف يا أستاذ ماذا كنت أعمل قبل حراستي للعمارة؟».

هز أحمد رأسه نفيًا، إبتسم الأخير قبل ان يصفع الباب خلفه وأردف: «صانع دُمى».

ولم يستطع أحمد نسيان عينى حارس العمارة التي توهجت بالأزرق السماوي.

- تمت -

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 28, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أزرق سماوي!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن