الغابة

153 4 0
                                    

في ليلة صافية سماؤها، تتلألأ نجومها حول القمر المكتمل الذي سلط نوره على تلك الغابة الشجراء الهادءة، ليجعل من شكلها مخيفا باشجارها الخرساء وصوت احتكاك أوراقها ببعضها على إثر النسيم..فجأة اقتحم هذا الهدوء صوت خطوات تتسارع بين الأشجار، اقترب المشهد ليظهر كيانين اسودين يتقدمان بسرعة، وعلى ضوء القمر بدأ هدان الكيانات يتضحان، إنهما رجل وطفل يركضان بكل ماأوتيا من سرعة ويلتفتان خلفهما كل ثوان، إنهما مطاردان، توقفا بغتة خلف إحدى الأشجار العملاقة. يتنفسان الصعداء وكان الرجل المدعور يلتفت حوله من الرهبة وفجأة استقر بصره على الأرض وتحديدا على حفرة صغيرة جانبه وقف ينظر لها في تفكير وشرود وبسرعة انتزع حقيبة ثقيلة كان يحملها على ظهره. ووضعها على الارض وفتحها بسرعة لتظهر منها أوراق نقدية. ونظر إلى طفله الذي لازمه الصمت واكتفى بالشهيق والزفير بصوت مسموع. ثم أغلق حقيبة النقود بالسرعة التي فتحها بها. ثم حشرها في الحفرة الموجودة جانبه. والقى

         ====================

عليها التراب. ثم سحب وهو يقف سكينا من خلفه وبقوة خدش جدع الشجرة خدشا عميقا واستأنفا جريهما المرهق. حتى خرجا من الغابة إلى باحة ترابية. حيث وجدا شخصا ضخم البنية وفي يده مسدس. في هذه اللحظة انحنى الأب إلى ابنه وقال له بكلمات هامسة: أركض يابني..أركض ولا تتوقف مهما يكن. نفد الطفل الأمر وهم بالركض دون ان يتساءل أو يلتفت. وركض مرة أخرى مدعورا بين الأشجار الصامتة التي بدت له وكأنها تركض خلفه. فجأة أفزعه صوت طلقات نارية متوالية أوقعته أرضا لكنه تحامل على نفسه واكمل ركضه..
                            ***

         ====================

تحت السماء الممتلئة ببقايا غيوم رمادية وعلى صوت زقزقة العصافير من بين أعالي الأشجار الشامخة المبللة جدوعها واوراقها ورائحة التراب تعبق الجو البارد. اندفع شاب اسمر البشرة من بين جدوع الأشجار على دراجة هوائية وحقيبة كبيرة بين كتفيه العريضين وكان يدير رأسه متأملا أرجاء الغابة. كما لو كان يبحث عن شى ما. تقدم بين الأشجار بوثيرة بطيئة. وبعد مسيرة طويلة على الارض الطرية استقر نظرة على إحدى الأشجار. فدنى منها بسرعة وتأمل جدعها الذي كان عليه خدش عثيق. لابد أن هذه الشجرة هي الشيء الذي كان يبحث عنه لأن ابتسامة عريضة ارتسمت على وجهه النحيل فخلع حقيبته بسرعة وخلع معطفه الشتوي ووضعه على دراجته وعاد إلى الحقيبة ليتناول منها فأسا ومعولا وبدون ان يضيع اي وقت شرع في الحفر أمام الشجرة المقصودة، إنه يعلم يقينا أنه بعد لحظات فقط سيصبح غنيا، وراح يمسح جبهته الضيقة من العرق كل حين وبعد دقائق أخرى من الحفر، توقف لأن شيئا ظهر بعد

         ====================

هذا الحفر المظني، لقد ظهر جزء من قماش أزرق لازال يغطيه التراب، فانحنى وباصابعه الكبيرة مسح التراب على القماش، ابتسم ابتسامة الانتصار وهو يقف مرة أخرى، وتناول المعول. في هذه اللحظة وبدون مقدمات، سمع صوت كهزيم الرعد دوى بين الأشجار الساكنة، نفر منه سرب من الطيور حلق بفزع بعيدا، واهتز له كيان الشاب الذي أوقع المعول من يده وصار يلتفت في دعر، ووقف مدهولا لبعض الثوان يسمع صدى ذلك الصوت يتردد في انحاء الغابة، ركز بعد ذلك بصره في أحد الإتجاهات، ثم بدا السير نحوه بخطوات حذرة متخفيا، من شجرة لأخرى، حتى رمق شخص يقف بعيدا، فأكمل تسلله البطئ، حتى اقترب إلى مسافة تمكنه من الرؤية بوضوح، ومن خلف تلك الشجرة التي اختبأ خلفها، اخد يرمق المشهد بنظرات خاطفة، كان المشهد لرجلين يتحدثان، يقف احدهما أمام سيارة بيضاء وهو رجل فاره القامة بشارب مهيب يرتدي معطفا شتويا أسود طويل، والأخر بلباس هو الآخر شتوي. يغزو وجهه المهق،

الغابة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن