من قال ان الابتسامة لا تشبه الالم؟

114 4 3
                                    

في الحلم قد نحلم أيضا, وفي الضياع قد نضيع أيضا. مصيرنا المحتوم هو السقوط باستمرار او مراقبة غروب الشمس على قمة جبل ونحن نجالس توقعاتنا, انه الامل ,الذي يشيخ وتسقط كل اسنانه ويتقوس جسده الا انه يبقي بجانبا ليسير بجنازة ارواحنا.

أميلي ضائعة في غيبوبتها , تتذكر ابيها كيف كان يجلسها على ركبتيه ويداعب شعرها الناعم , تتذكر تلك النافذة الحمراء لأنعكاس غروب الشمس وكيف ان كلمات ابيها في ذلك الوقت تضرب هدوء الصالة .

ابيها( السيد جوردان): ما اجمل ابنتي الصغيرة , كيف كانت المدرسة؟

اميلي : جيدة يا ابي , اردفت اميلي خجلة: ابي ستكون هناك رحلة لحديقة الحيوانات وانت تعلم كم أود مشاهدة القرود , ارجوك ابي اريد ان اذهب.

لم يسعف ابيها الرد حتى بادرة أمها بالقول بصوت جهوري ثابت : اميلي , ليس هذا هو الوقت المناسب لطلبك اذهبي الى غرفتك وانجزي وظائفك.

حسنا, ليست هذه المرة الأولى التي يطلب من اميلي الصمت والانزواء الى غرفتها, ففي الكثير من المرات عندما يحوم في البيت رائحة شجار وهدوء يرتفع بين والديها ,تعلم بأنها يجب ان تنأه بنفسها عن خلافهم. ذهبت لغرفتها ولكن صوتهم وصراخهم كان فقط يتعالى ليصل الى اذني أميلي وما كان يغضبها هي ان خلافاتهم كانت حول أشياء سخيفة لذلك كانت دائما تقارن بينها لبين تلك الأشياء فتجد ان قيمتها لا تسمح لأن يتجاوز أهلها تلك النزاعات ليحتضنوها .

فتحت عينيها , الغرفة بيضاء هادئة , تطلعت الى الساعة المقابلة لسريرها حيث تشير الى الرابعة.

اميلي واضعة يدها على جبينها: اه, تذكرت اين انا .

دخلت الممرضة حينها : سعيدة انك استيقظت , سأناولك طعامك , يبدو اليوم بأنك لم تأكلي أي شيء .

اميلي : شكرا , فعلا انا جائعة .

الممرضة : يجب ان تشكري استاذك ليو فهو الذي احضر الطعام وغادر من اجل محاضرته , ولكن لا تقلقي سوف يعود ليطمئن على حالك.

اميلي : شكرا.

اكلت أميلي متمنية بقلبها ان لا يعود ليو فهي ليست بمزاج لكي تحادثه, في الحقيقة ليو من ذلك النوع الذي تحيطه هالة من صمت النبويين ليس لأنه يفحمها بالكلام انما يستطيع ان يمتص كل عضبة فيه تاركا إياها تغرق في بركة من الاحاديث المختلقة في نفسها. شعرت اميلي بالشبع فورا رغم انها لم تأكل الكثير , وضعت الطعام جانبا وغادرت الغرفة متجاوزة الغرف الأخرى مصلية بقلبها ان لا يظهر ليو لها في اورقة الجامعة , وأخيرا تجاوزت البوابة الرئيسية مسرعة دون ان يظهر ليو امامها الا انها اصطدمت بامرأة فارعة الطول جميلة عينيها واسعتين وبيضاء ,تلبس لباس أنيق مكون من قميص وتنورة لركبة وفيه من الحشمة مما يليق لمكان مثل الجامعة, حملقت أميلي بالمرأة للحظات متوجسة من جمالها فسارعت المراة بالأعتذار والاستمرار في السير رغم ان الخطأ كان خطأ أميلي.

كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة عندما نظرت أميلي الى ساعتها وهي بجانب محطة الباص , الباص او بالأحرى المحطة هي اعتلاء الحزن الى منزلته فهناك تحزم حقيبة خيبتك واصناف أخرى من الحقائب الى البيت فتفرغها في فراشك وهكذا يتحول فراشك الى دليل على قذارة الحياة. تساءلت أميلي في نفسها أن كانت أمها قلقة عليها الان فهي قد وعدت أمها ان تتصل ولم تسنح لها الفرصة اليوم ان تقوم بذلك.

أدخلت اميلي يدها في جيبها تبحث عن الهاتف فلم تجده فانتقلت الى جيب البنطلون ولم تجده أيضا , يا الهي , اين أكون قد وضعته؟ تطلعت يمينا ويسارا محاولة أتذكر...... اللعنة كيف استطعت ان انساه هناك ,حسنا غدا سأجلبه , لا يمكن ان يبقى لغد هناك صور لليو وصور تخص الحادث .... يا لحظي سيعرف من انا , يجب ان اخذ الهاتف هذه الليلة.

عادت ليو الى ساحة الجامعة وهي تفكر بأنها يجب ان تتنظر خروج ليو من الجامعة لتدخل الى غرفته وتأخذ الهاتف , مرت ساعتين وأميلي جالسة تعض الوقت والانتظار قائلة في نفسها لا يعقل بأنه يبيت في الجامعة. بعد مرور ساعتين ونصف من الانتظار الطويل والليل يرخي بأسداله في كل مكان خرج ليو مع تلك المراة التي اصطدمت بها اميلي .... نظرت أميلي اليهما وبحسد فقد كانا مثل توأمي الروح او قطعتين تكملان لعبة صورة في لعبة بازل... حسنا انهما مناسبين لبعض لما الكذب, هما الاثنين طويلين وجميلين كما انهما يبدوان كشخصين مستغرقين بأمر مهم ولو مرت بجانبه الان متسللة لما لاحظها .

وصل ليو وصاحبته الى موقف السيارات الذي كان قبالة الساحة مما سمح لأميلي ان ترى المراة وهي تدير بكامل جسمها نحو ليو متعلقة بعنقه تهمس بكلمات لم تستطع أميلي ان تسمعها لبعدها.

حسنا , انها فرصة مناسبة لأدخل الى الجامعة . دخلت أميلي الجامعة بهدوء كفتاة طبيعية , لم يكن بالجامعة الكثيرون من الطلبة فأغلب المحاضرات تنتهي في الساعة السادسة والنصف ولا يبقى سوى طلاب الاستكمالات الذي عددهم صغير في جميع الأحوال وفي هذه الساعة المعتادة يكونون في محاضرة ما.

استطاعت اميلي ان تصل الى غرفة ليو دون ادنى مشاكل كما انها متمرسة في فتح الأبواب المغلقة بواسطة الأدوات الحادة . أخرجت دبوس صغير يستعمل لإلصاق الأشياء على الحائط وادخلته في الثقب محاولة تحريك قفل الباب حتى تحرك وفتح الباب. دخلت الى الداخل متطلعة الى الغرفة , حسنا لا تبدو كغرفة مدرس أكثر مما تبدو غرفة كاتب , فالكتب مكدسة على سطح المكتب والأوراق مرتبة في ملفات حسب التاريخ والاحرف , يجب ان تعترف بأن كل شيء هنا يغري بالقراءة كتاب والخلود الى النوم.

فكرت بأن الوقت غير مناسب للحلم فأخذت تبحث عن هاتفها الذي أتت من اجله , بحثت بين الأوراق , تحت المنضدة والمقعد ولكنها لم تجد شيء , فجأة احست بصوت اقدام قريبة من الغرفة , قالت في نفسها : يجب ان اختبئ بسرعة , تبعرث أميلي بخطواتها كثيرا دون ان تعرف أين يجب ان تختبئ.

فتح ليو الباب مستغربا , " هل يعقل بأني نسيت الباب مفتوح "تفحص الغرفة بنظراته قائلا لا يبدو ان هناك أحدا ما , اخذ الأوراق التي كان يحتاج وخرج مغلقا الضوء صافقا الباب خلفة بالمفتاح .

خرجت أميلي من تحت طاولة المكتب وهي تتنفس الصعداء ... فقط لثواني اعتقد بأنه سوف يمسك بها وقد تتهم بالسرقة ..... لم تفكر أميلي كثيرا , لم تتنفس كما يجب حتى أشعل ليو الضوء قائلا لها:

" ماذا تفعلين هنا؟"


قلب في البحرWhere stories live. Discover now