والآية الكريمة تدل على شدة عناية الإِسلام بشأن الصلاة ، فقد أمر الله - تعالى - عباده بأن يحافظوا عليها في حالتي الأمن والخوف ، والصحة والمرض ، والسفر والإِقامة .
وقد بسط هذا المعنى الأستاذ الإِمام محمد عبده فقال ما ملخصه : وقوله - تعالى - : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } هذا تأكيد للمحافظة على الصلاة ، وبيان أنها لا تسقط بحال ، لأن حال الخوف على النفس أو العرض أو المال هو مظنة العذر في الترك كما يكون السفر عذراً في ترك الصيام . . والسبب في عدم سقوط الصلاة عن المكلف بحال أنها عمل قلبي ، وإنما فرضت تلك الأعمال الظاهرة لأنها مساعدة على العمل القلبي المقصود بالذات ، وهو تذكر سلطان الله - تعالى - المستولي علينا وعلى العالم كله ، ومن شأن الإِنسان إذا أراد عملا قلبياً يجتمع فيه الذكر أن يستعين على ذلك ببعض ما ينسابه من قول وعمل .
ولا ريب أن هذه الهيأة التي اختارها الله - تعالى - للصلاة هي أفضل معين على استحضار سلطانه فإن قولك " الله أكبر " في فاتحة الصلاة وعند الانتقال فبها من عمل إلى عمل يعطيك من الشعور يكون الله أكبر وأعظم من كل شيء ما يغمر روحك ، ويستولي على إرادتك . . وكذلك الشأن في سائر أعمال الصلاة .
فإذا تعذر عليك الإِتيان ببعض تلك الأعمال البدنية؛ فإن ذلك لا يسقط عنك هذه العبادة القلبية التي هي روح الصلاة وغيرها ، وهي الإِقبال على الله - تعالى - واستحضار سلطانه ، مع الإِشارة إلى تلك الأعمال بقدر الإِمكان الذي لا يمنع من مدافعه الخوف الطارئ من سبع مفترس ، أو عدو مغتال ، أو لص محتال . . فالآية تعلمنا أنه يجب أن لا يذهلنا عن الله شيء في حال من الأحوال . . "
وقال الإِمام ابن العربي : قوله - تعالى - { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } أمر الله - تعالى - بالمحافظة على الصلاة في كل حال من صحة ومرض ، وحضر وسفر ، وقدرة وعجز ، وخوف وأمن ، لا تسقط عن المكلف بحال ، ولا يتطرق إلى فرضيتها اختلال . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " .
والمقصود من ذلك أن تفعل الصلاة كيفما أمكن ، لا تسقط بحال حتى لو لم يتفق فعلها إلا بالإِشارة بالعين للزم فعليها كذلك إذا لم يقدر على حركة سائر الجوارح ، وبهذا المعنى تميزت عن سائر العبادات ، فإن العبادات كلها تسقط بالأعذار ، ولذلك قال علماؤنا : " إن تارك الصلاة يقتل ، لأنها أشبهت الإِيمان الذي لا يسقط بحال ، ولا تجوز النيابة فيها ببد ولا مال " .
ثم قال - تعالى - : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } أي فإذا زال خوفكم وصرتم آمنين مطمئنين ، { فاذكروا الله } أي فأدوا الصلاة تامة كاملة مثل ما علمكم إياها ربكم على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد من الله - تعالى - عليكم بهذا التعليم الذي كنتم تجهلونه فضلا منه وكرماً .