غربان بيضبقلم محمد جاسر
اليوم عيد ميلادي الواحد والثلاثون أكثر من ربع قرن قد مضى وأنا كما أنا لم أصبح شخصية مرموقة ولم أصبح سيد مجتمع
لا ذلت أعمل لدي المتغطرسين من ذوى النفود أكثر من أثنى عشر ساعة أرجع بعدها ألى بيتي وأنا كل عضلة فى جسدي تتكئ على الأخرى كي تستريح من التعب
تجاوزت الثلاثون وأنا كما أنا لم يتغير الحال عن الأعوام المنصرمة غير شكلي أصبح لرجل ناضج وجب احترامه ووضع الالقاب قبل أن ينادونه بأسمة
أما بداخلي فلم يزل ذالك الطفل المسجون يبكي كل ليلة شاكيا ألى الله وحدته وأحلامه البسيطة التى أصبحت ضرب من الخيال
كعادتي كل عام وقفت أمام المرآة أري ما تغير فى وجهي عن العام الماضي
لم أجد تغير يذكر مظهري كما كان فى العام الماضي ولأكني وجدت فى شعر رأسي ما أصابني بالدهشة والغصة فى قلبي
بعض الشعيرات البيضاء تسللت ونبتت بين شعرى الاسود هل أصبحت كهلا وأنا فى ريعان شبابي
من أين أتت تلك الغربان البيضاء اللعينة أي نذير شؤم هذا ، ذهبت مسرعا أحضرت ملقاط من أحد الادراج
ورجعت لمرآتي أخترت أحدي الشعيرات البائسة وقمت بنزعها ووضعتها أمام عيني أنظر أليها وجدتها كأنها تأن وتتألم أمامي ؛ يا ألهي أعرف تلك الشعرة البيضاء ليست وليدة اليوم هى معي منذ سنوات طوال أذكرها جيدا وأذكر أول يوم رئيتها فيها كان يوم وفاة أبي حين حضرت غسلة وبيدي أنزلته ألي قبره ثم تلقيت عزاء المشيعين فيه لم تنبت تلك الشعراء البيضاء حزنا على فراق أبي وكيف أحزن عليه وأنا لم أقابلة سوى مرات معدودات طوال حياتي ولولا صلة الرحم و أننى أغشي أن يرهقني أولادي فى كبري ما كنت حضرت حتى عزائه
لقد أنفصل عن أمي وتركنا انا واخى صغارا وتزوج من أمرأه أخرى قبطية الديانة وهجرنا طوال حياته ولم يسأل عنا يوم تركنا لجدى من أمي يرعانا ويعولنا وتملص تمام من مسؤوليته
أتذكر كل عريس تقدم لخطبة أمي وخالاتي يحثونها على القبول ، كلماتهم كانت كالرصاص يمزق أضلعي ويستقر فى قلبي يكاد يرديني قتيلً
( كم هو ثرى كم هو مهذب ومن عائلة كم سيسعدك أنتي جميلة وصغيره لا تهدري عمرك سدى أنهم صبية أتركيهم لأبيهم زير النساء ليتحمل مسؤوليتهم )
وكان رد أمى صاحبة القلب الحنون وهي تحتضنا تقول لقد تزوجت أولادي ومالي فى الرجال من شيئ
كل عريس ترفضه أمى كانت نظرات خالاتي تحتقرنا لائمه ومعاتبة لنا على أهدار شباب أمي وكأنني المسؤول عن ما فعل أبي وعن سوء اختيار أمي لزوجها
أتذكر تلك الليالي العجاف بعد وفاة جدي كنت أريد أن أمسك عنق من قال أن لا أحد ينام بدون عشاء وأصرخ له قائلا أنا أنام بدون عشاء أخى ينام بدون عشاء أمى تنام بدون عشاء
كنت أختبأ من أمي حتى لا أكسر فؤادها وأشعرها بالعجز حينما كنت أضع الليمون على الملح و أغتمسهم بالخبز حتى أسد به جوعي
أتذكر تألمي وانا طفل فى الثامنة من عمري أتلقي جلسات العلاج الطبيعي بالكهرباء لعلاجي من شلل العصب السابع الذى أستوطن فى وجهي وأصبح مزمن يرافقني مدي الحياه بسبب سوء حالتي النفسية
كم سخروا من فمي المنحرف وعيني الغامضة كم مللت من الاجابة على سؤال الحمقى ( لماذا عينك اليمني غامضه ؟ ) لو كان أبي معي لربما كنت تلقيت علاج صحيح عند طبيب ماهر غير العلاج المجاني الطويل الذى تلقيته بلا فأئده فى التأمين الصحي للطلاب
تمنيت يوما أن تبتلعنى الارض او ينزل بي صيبا من السماء حينما تقدمت لخطبة أحدهن وسألني أبيها لماذا لم يحضر معك أبيك لم أجد حينها ردا على سؤاله سوى النظر فى الارض و بصوت خافت وعين تقاوم الدموع قلت له لا أعلم عنه شيئا وليس لى سوى أمي وانا وحدي المسؤول عن نفسي وعن أفعالي
لازلت أشعر حتي وانا رجل كبير بالغيرة ويضيق صدري كلما رئيت طفلا يداعبه والده او يحتضنه وكلما رئيت أصدقائي يفتخرون بأباهم لقد حرمني أبى من تزوق حلاوة طعم كلمة أبي لقد حرمني من أن أشعر ان لى معينا وناصحا ووكيلا جعلني يتيما وهو حيا يرزق
لم يترك لى أبي غير تلك الشعره التى شابت فى صغرى بعدما أنقطع أملي ان يعود لنا يوما ويحتضنني ويشعرني بحنانه
تركت تلك الشعره المسكينة تسقط أرضا طريحه وجففت عيني من الدموع وهجرت تلك الذكرى التعيسه وشرعت فى أختيار شعرةٍ أخرى ، وقع الاختيار على شعره كانت تجاور الاولى بقليل
أنتزعتها بالملقاط وأنزلتها كالاخرى أمام عيناي
نظرت أليها وتبسمت كم أعشق تلك الشعرة الصغيرة البائسة هى أفضل شعيراتي البيضاء أنى أسميتها كاميليا على أسم حبيبتي الاولي
ياااه أرجعتني تلك الشعرة بالزمن لسنوات طوال لعمر المراهقة دقات القلب المتسارعة ووخزة الحب الاولى خجل اللسان من البوح بالحب الداكن فى القلب سهر الليالي وهجر النوم من أجل قضاء وقت أكثر برفقه الحبيب
اغاني الحب ذات الموسيقي الهادئة التى كانت مثل الشيخ المغربي تجلب الحبيب أمام خاطرك فى ثلاث ثوان
كاميليا حبي الاول كانت فتاه جامعية جميلة من أسره ميسوره الحال ليست ثرية جدا ولاكن كنت بالنسبة ألى طبقتها شاب بسيطا يسبق الصفر بمراحل شتي
كانت كالملاك نزلت ألى أرضى من سمائها المرتفعة لتؤنث وحدتي وتحول صحرائي ألى جنه كانت رقيقه مثل نسمه البحر فى يوما مشمسا فى الصيف وجميلة كسقوط الثلج فى ليلة الميلاد ورائعة مثل جو الخريف ومتقلبه المزاج مثل الربيع فى رياحة الخمسينية
لا أذال أذكر ضحكتها الطفولية وصوتها الناعم كالكمان
بنينا قصور فوق السحاب سكناها سويا ونسجنا من خيوط الخيال واقع أخر غير ذالك الواقع البغيض الذى نعيشه
ولاكن كما هو الحال دائما بعد الحلم الجميل لابد من اليقظة على واقع مادى ملموس يحتكم ألى لغة الحسابات والارقام
كانت هى الجنة وكنت أنا كأدم وحين طمعت فى قضمه من تفاحتها طردت منها
دائما ما تهربت من رغبتي فى التقدم لها للزواج مره بداعي الدراسة ومره بداعي عدم رغبة أبيها بزواجها وهي في سن صغير ومرة تلو المرة وأنا لم أكف عن طلبي وهى تختلق الاعذار وعندما تلاشت كل الاعذار قالتها لى غاضبه ( بصراحة أبي لن يقبل بك زوجا لأبنته الصغرى المرفهة هو يريد شابا ميسور الحال يأمن مستقبلها معه وتعيش معه دون عناء وصراع مع الفقر أنت شاب جيد فى نظري ولاكن أبي لن يراك كذالك )
كانت اول طعناتي وأول ندبة حب فى قلبي شعرت حينها لأول مره بالفقر تمنيت الموت راحة لى من أحساسي بالعجز
فكرت فى الابتعاد عنها لاكن لم أستطع فقلبي المسكين بيدها مأثور
بعزيمه محارب قلت لها ولنفسي سأحارب من أجلك وسأبني مستقبلي وأجعلك فخوره بي أمام عائلتك
عملت بكل جهد ومشقه ليل نهار وكلما كنت أشعر بالتعب كانت صورتها فى خيالي تقويني وتحيي الاصرار من جديد فى قلبي
ولاكن كل هذا لم يكن كافيا تغير كل شيئ تقريبا بيننا كانت تنسحب من حياتي تدريجيا الاهتمام قل و المشاكل أصبح أكثر فأكثر ولم نعد نتحدث بالأيام
وفجأة ببساطه أختفت ولم استطع أن أصل لها يوما رحلت وتركتني وكأننا لم يكن بيننا شيئ يوما ذهبت ولم تسأل ماذا سيحل بي وكيف سأعيش بدونها تركتني لليالي عذاب طوال أشكوا فيها وجع قلبي ألى الله وأسأله الصبر على فراقها
وبعد طول معاناة حاولت استبدالها بأخرى كى أنساها قمت بخطبة فتاه من طبقتي الكادحة وحاولت أن أحبها وان اجد فيها كاميليا أخرى ولاكن طبعا لم أفلح ليست هى ولن تكون أبدا هناك أخرى تملئ مكانها فى قلبي ولاكن ما بيدي شيئ اخر على استكمال حياتي بدونها
وفى ليله كانت السماء فيها صافيه كنت جالسً أتمعن فى السماء وأفكر فيها ككل ليله رئيت شهبا محترقا يخطف الابصار ينزل من السماء تمنيت حينها أن أسمع مجدا صوتها أن أطمئن عليها أن تعود لى مجددا كي يطفئ الشوق فى قلبي
وفى اليوم التالي وبدون أى مقدمات وجدت رقمها على شاشه هاتفي يتلقى منها مكالمه كنت كالمجنون لا أصدق نفسي من الفرحة علمت منها أنا كانت مخطوبة وتركت خطيبها وعادت لتطمئن فقط على حالي
عادت مجددا لحياتي فكرت مرارا بالإفلات من شرك زواجي والرجوع لمحبوبتي الاولي
كما أنى وخطيبتي لم نكن متفاهمين قط وكنا دائمين النزاع والخصام
أقترب الموعد الذى حددته لإتمام زواجي وكان لابد من أتخاذ قرار هل سأكمل الزيجة ام سأرجع لمحبوبتي
مجددا طلبت الطلب القديم من كاميليا ألا وهو الزواج وتكون سندا لى ومعاوناً كى تقبلني عائلتها ووضعي المادي اليوم أفضل من ذى قبل
ولاكن جوابها كما كان فى السابق لا يمكن أن نتزوج ولن اقبل لها زوجا
تلك المرة أتضح لى أمام بصيرتي أن المشكلة لا تقتصر على رفض أهلها لى بل فيها هي الاخرى الحقيقة أنها لا تقبلني زوجا لها لا تريد أن تكبل نفسها بشخص يغرقها فى بحر الفقر مثلي هى تريدني حبيب يحتويها ويغارعليها يطعمها الحب ليل نها أنما أن أكون زوج فبالطبع لا ارقي لأكون لها زوجا
تلك الفتاه المرفهة لا تستطيع ان تتحمل أن تحيا حياه الشقاء والمعاناة مع شخص مثلي تريد الزوج الذى يحضر لها كل ما تريد ويوفر لها الحياه المرفهة التى اعتادت عليها
حسمت قراري وبمنتهى الألم تزوجت وقلبي معها وبكل سهولة هجرتني ولاكن تلك المرة ألى الابد لم أستطع أن أكسر قلب تلك المسكينة التى قبلت بي زوجا وأرضى لنفسي أن أكون مملوكا ذليلا لأميره مدللةً ستتركني عند وصول أول أمير لقلعتها يحملها فوق جواده ويركض بها بعيدا وتتركني وحدي
سأظل طوال العمر أتذكرها حتى أننى أسميت أبنتي بأحرف أسمها تخليدا لحبي لها ولاكنني اسير على خطى الحكمة التي تقول اذا ركب الحب سفينة وابحر فى البحر فوحده الاحمق الذى يسبح ليلحق به
أمسكت الشعرة بأصبعي ووضعتها فى جيب قميصي بجوار قلبي لم أجرأ أن ألقيها على الارض كناظرتها وأخذت أبحث عن شعره أخرى
تلك المرة أنتزعت شعره لا أعرفها ولا أتذكر متى نبتت وما كان سبب نبتها من قبل تقع فى منتصف رأسي مرت أكثر من دقيقه وانا ممسك بها أمحلق بها عن كثب وأسترجع بذكرياتي من هذه الشعرة شديدة البياض و جافة الملمس ليست غريبة عنى اعرفها ولاكن فقط لا اتذكرها
وبعد تعب وعصف ذهني أخيرا أدركت من هي ، أنها شعرة حديثة المنبت لم يمر على وجودها فى رأسي وقت طويل
أنى أحتقر تلك الذكرى التى نبتت فيها وأحتقرها لأنها تذكرني كم كنت غبيا أحمقا
بدأت قصه تلك الشعرة مع صديق الطفولة كريم شخص جمعتني به علاقة صداقة فاقت علاقة الاخوة كان لي الصديق المقرب ورفيق الدهر
كنا مترافقين دائما فى كل مكان قليلا ما تفرقنا
كثيرا ما كان يدب بيننا شجار يحتد ليصل ألى خصام ولاكن سرعان ما كنت أذهب أليه وأفض الخلاف الذى بيننا لم أكن أتحمل البعد عنه حياتي ناقصة بدونة
لم يكن ينل أعجاب والدتي كانت تراه شخص سيئ سيتسبب يوما بألحاق الضرر بي ، وكنت دائما أقوم بالدفاع عنه باستماته وتحسين صورته أمامها
يوما ما وجدته ينقر باب بيتي فى ساعة مبكره فتحت له الباب وجدته شاحب الوجه وأنفاسه متقطعة كأنه كان يركض طوال الطريق
أدخلته لغرفة أستقبال الضيوف وبناء على طلبه أغلقت باب الغرفة وبدأ يقص علي أنه لديه لى عمل لمدة ساعة وسأحصل على ثلاث مئة جنيه
ظننته يمزح أو قد جن ولاكن أكد لى أن الامر جديا ، حينها بكل شغف طلبت منه ان يشرح لى الامر بالتفصيل
أخبرني أن أبنت خاله تعمل موظفة فى أحدى المصالح الحكومية وعلى صله بعضو مجلس نواب وتقاضي أمولا على سبيل الرشوة فى نظير توفير فرصة عمل لهم فى المؤسسات الحكومية ، كنت قد سمعت منه بذالك الامر من قبل حتى أننى طلبت منه أن يتوسط لنا لديها لتبحث لنا عن وظيفة ، قلت له بضيق صدر أنى أعلم كل ذالك هل حضرت لتخبرني ذالك فى هذا التوقيت وما علاقه ذالك بالعمل الذى أخبرتني عنه
واصل حديثة وقال أن أبنت خالته تحتاج الى مساعده ونظيرها ستعطينا ثلاث مئة جنيها
سألته ما هى المساعدة التى تريدها وأنا على أتم الاستعداد لكى أقوم بها أن لم يكن من أجل الثلاث مئة جنيها فسيكون من أجل ان أطلب منها الحصول على فرصه عمل تضمن لي مستقبل أمن
أخبرني أنها تريد شخص يرافقها لحمايتها وتأمينها وهي تقابل اناسا يريدن الحصول على وظيفة
ولقد طلبت منه ان يأتي معها ولأكنه لديه عمل لا يستطيع تركه فعرض عليها أن أكون أنا مكانه ،
دب القلق فى قلبي ولم أشعر بالارتياح مما هى خائفة ولما تحتاج ألى الحماية
طلبت منه ان يجاوب على استفساراتي ولاكن لم
يستطع فهو الاخر لا يعلم طلب مني ان أذهب معه لمقابلتها وهى ستشرح لى كل شيئ بالتفصيل
بالفعل ذهبت معه لمقابلتها فى محل عملة الذى يمتلكه لم تكن سيده كبيره كما كنت أتخيلها كانت شابة صغيره وجميلة وترتدي ثياب باهظه وتضع عطرا اشتممت رائحته قبل أن أصل أليها
جلست بالقرب منها وبدأت فى شرح ما نوع العمل الذى تريدني فيه
لم يكن الامر بتاتا كما أخبرني كريم كانت تريد شخص يقوم بتمثيل دور الموظف الكبير الذى تعمل معه ويتلقى بدلا منه أمولا من أناسا أخرين يريدن الحصول على وظيفة
بحجة أن الموظف الكبير لا يحب الظهور ولا يريد أن يتعرف على حقيقته أحد
حدثتني عن فرص العمل التى ألحقت بها أقاربها وأناس أخرون وأنها تقوم بذالك العمل من أجل التقرب لله فهى لا تحصل منهم على مال غير ما تنفقه من تكلفة على ذالك الامر
حدثت كريم على انفراد وأكد لى كل ما تقوله و قال أنه يعرف هؤلاء الاشخاص الذين أصبحوا موظفين حكوميين و أن ما سأفعله هو عمل خيرى نظير مقابل بسيط
وافقت بعد أصرارة ومحاولات أقناعه المستميتة وكلامه الذى كان كالسحر أنامني مغنطيسيا وذهبت معها ألى منشئه للتأمين الصحي فى منطقه نائيه فى قرية ريفيه
قالت لى تصرف على أنك موظف فى هذا المكان وتعرف جيدا على أرجائه وأنا سأتركك هنا وأذهب لأحضار الأشخاص وسأتصل بك تأتي لمقابلتنا فى الفناء ومن الضروري أن يروم خارج من المبني الإداري حتي يصدقوا أنني موظف فى المكان
وأكملت قائله لا تتحدث كثيرا معهم فقط أخذ المال وقل انتظروا أخبار جيده قريبا لا أكثر ولا أقل
كنت خائفا أريد الفرار قلقا من ان يكتشف أحد أمرى او يكون فيهم أحدا يعرفني راودتني الكثير من المخاوف ولاكن تذكرت كلمات كريم حين أخبرني أن هذا العمل خيرى ليس به أى ضرر لاحد حينها استجمعت شجاعتي واستقويت بذكر ربي على مخاوفي و مكثت أنتظر أن يأتوا، بعد برهه من الزمن أتصلت بي تخبرني أنهم فى الفناء ينتظروني فى الحال أردفت أليهم وفعلت ما أمرتني به تماما وبعدها حصلت منهم على المال ثم توجهت مباشرة ألى محل عمل كريم كما الاتفاق بيني و بينها
انتظرتها هناك وظللت أحكى لكريم عن الشعور بالخوف الذى كان يداهمني وكم كنت بارعا مقنعا مع أولئك الأشخاص وكأنني الموظف الكبير نفسه
وبعد قليل حضرت هي وأخذت المال مني وأعطتني الثلاث مئة جنيها تقاسمتها مع كريم بالتساوي ورحلت هي مسرعة لأنها اريد أن تعطي الموظف الكبير المال ليقوم هو بدوره و يتخذ الإجراءات لتوظيف هؤلاء الاشخاص
مر اليوم وتلاه عدة أيام ووجدتها تتصل بي من أجل عمل جديد مقابل نفس المبلغ ولاكن أخبرتها أننى لا أريد مالا أريد فقط أن تقوم بتوظيفي مثل أولئك الناس وسأعمل معها بالمجان مدى الحياه لوجه الله
أخبرتني أنها ستأخذ منى مبلغ بسيط مقارنة بالأخرين وستقوم بأقناع الموظف الكبير بتوظيفي لأنني سأساعدهم فى العمل ولاكن الان علي تمثيل دور الرجل مجددا حتى لا يقف العمل
بالفعل وافقت و توجهت ألى محل كريم أنتظرها لنرحل معا الى نفس المكان الذى قابلنا فيه الاخرين ولاكنها لم تأتي فى موعدها تأخرت كثيرا وعندما حضرت اعتذرت لي أنها اضطرت لتأجيل المعاد ليوم أخر وأنها حدثت الموظف الكبير عني ووافق على عرضها وعلى توفير المال فى أسرع وقت
وما طلبته كان اضطرت للاقتراض من بعض الاشخاص وأعطيتها المال الذى طلبته و بعدها طلبت مني ان أقوم بتمثيل الموظف عدة مرات ولم أكن أحصل على مقابل
طال الامر ولم أحصل على الوظيفة ودائما ما كانت تبتدع لي الاعذار دب القلق فى قلبي رفضت أن أعمل معها حتي توظفني ليطمئن قلبي أننى لا أقوم بأذية أولئك الناس فما كان منها غير التذمر و تهديدي بأرجاع الاموال لى وعدم توظيفي ولاكن لم أكن أكترث فأنا لم يعد يعنيني غير أمر أولئك الذين وثقوا بها وأعطوني المال وشاركتها فى الإيقاع بهم
كنت أبكى كل يوم مستنجدا بربي أن لا أكون قد جنيت عليهم اوان لا يكون فى عنقي مسؤولية ما قد حدث لهم فيعلم الله انى كنت أحمق مثلهم سلكت دروب الظلام طمعا فى وظيفة ووثقت فى فتاه تقود عصابة للأحتيال
استنجدت بصديقي ليتدخل و يرجع لى أموالي من قريبته الذى كان من بادئ الامر هو من تسبب بتعرفي عليها ولاكن كان أبلد المشاعر متجمد الحس لم يفعل شيئ لم يكن حتى متأثرا من أجلي وطلب منى أن لا أقوم بالزج به فى هذا الامر وأن لا اطلب منه التدخل رجعت مجددا الى الفتاه أتصلت بها و حاولت تهديها بان ترجع لى المال او سأبلغ عنها قالت لى الحقيرة أفعل ذالك وانت من سيسجن أما أنا فليس علي شيئ كنت مجرد وسيطه غريبه أنت من أخذ المال وأدعي أنه موظف حكومي
توجهت لمحامي أطلب منه المشورة فى الامر أخبرني للأسف أنها محقها لن أكسب شيئ سوى أذيتي ومطالبة الناس برد أموالهم مني
كنت كالمجنون أتحدث ألى نفسي وأبكي اثناء صلاتي ليغفر لى ربي حماقتي و ظلمي لهم ولنفسي
استاءت لحالي زوجتي التى نصحتني كثيرا بالابتعاد عنها وعن كريم ولم اكن أستمع لها ذهبت المسكينة برفقة أمها لمنزل كريم الذى كنت قد ابتعدت عنه لموقفه المتخاذل وتخليه عني أتته تستجير به ليقف معي و ليبرأ ذمتي من فعل ابنت خاله ، عندما وصلت ألى بيته كان لديهم ضيوف و بالصدفة كانوا يعرفون زوجتي وأمها
قصت زوجتي امامهم الامر لعل أحدهم يساعدني ويعيد أموالي ويثبت أننى ليس لى دخل بتلك المحتالة ؛ دافعت عنى قائله أننى لن أقبل بدخول جنية حرام لبيتي وإنني مثال للطيبة وحسن الخلق واستشهدت حينها بصديقي ليشهد لصالحي و يدين أبنت خاله
ولاكنه لم يفعل حاول أن يبعد عن نفسه الشبهات وأيضا خائفا منها حتي لا تقول عنه هو الاخر أنه شريكي ، فقال لهم أنه لا يعرف أي شيئ عن الامر بتاتا وأن ما قد علمه منها أننى كنت أرافقها طمعا فيها كأنثى وكنت أقوم معها بتلك الاعمال برغبتي ولأنني اريد ان اكون بصحبتها وأنه ليس متأكد أنها حصلت مني على مال و أنه يصدق ما قالته هى عني أننى أجور عليها لأنها عندما علمت نواياي الخبيثة ورغبتي فيها حاولت الابتعاد عنى فهي متزوجه ومخلصه لزوجهاولبيتها فقمت أنا بتلفيق كل ذالك الامر لتهديدها حتى لا تبتعد عني
لا يمكنني ان أنسي بكاء زوجتي مجروحة الفؤاد أمامي عندما عادت لى وتحكى لى ما حدث
كانت ترتعش وهى تطلب مني الطلاق من أجل ان تربي أبنتنا تربيه صالحه فأنا لست ابا سويا يصلح لها
لقد طعنني صديق عمرى بخنجر مسموم من أجل ان ينجيَ بنفسه وان لا يذكر أسمه فى ذالك الامر ولو أنه هو من وضعني فيه من البداية لقد جعل رقبتي تحت قدمه وضحي بصداقتي خوفا على نفسة
رحل عن حياتي ألى الابد ولاكن تلك الشعرة ستظل دائما تفكرني به وبأن لا أثق أبدا فى أحد وان لا أقوم بأي عمل غير بطريقة شرعيه
تركت ملقاطي وعزمت أن أقوم بصبغ كل تلك الغربان البيض اللعينة لا أريد ان أتذكر مجددا تلك الذكريات لا اريد فتح قبر الماضي الذى لن يقيدني ذكراه بشيء
فألامس ولى وتعلمت منه كيف أعيش اليوم واليوم سيرحل وسأتعلم منه كيف أعيش غدا
لقد مر الماضي بكل ما فيه وأنا الان أفضل كثيرا عن الماضي ولدى من النعم أكثر بكثير مما فقدتها
لقد من الله علي بأبنتي الملاك التى أعيش معها طفولتي من جديد وبزوجتي المخلصة التى تحملت الكثير معي ولم تتخلى عني و فى نهاية الامر كانت لى عوضا عن كل امرأه فى الدنيا والاصدقاء الكثيرين الذين وقفوا معي فى الشدائد والضراء قبل السراء
عندما تذكرت الماضي شعرت بالخجل من ربي كيف طمعت بما ليس عندى ونسيت ما قد من الله علي به من نعم فى حياتى ، ليست النعمة الحقيقة أن أكون غنيا او صاحب منصب او من ذوى النفوس ولاكن ان أكون بين أسرتي وأصدقائي مرتاح الضمير أعيش فى صفاء وسلام داخلي وبلا غربان بيض فى رأسي

أنت تقرأ
غربان بيض
Short Storyلكل من قصته الخاصه يخفيها عن الجميع يحمل وحده بداخل وعاء قلبه ذكراها بمرها وحلوها بفرحها وشقائها ولاكنى قررت ان اشاركك يا صديقى قصتى واطلق العنان لذالك الالم القابع داخل قلبي لعلى أستطيع ان اتخلص منه سأقص عليك مراحل عمرى الذى كلما ذاد اذدادت معه الح...