السرمدي

26 5 3
                                    

كان يا ماكان
كانت الحياة !
في أحد هذه الأيام الباردة، وفي شهر ديسمبر، والتي تقول الأساطير بأن الغائب الأحب لقلبك سيعود إليك في أحد ايام ديسمبر !
وحكايتنا تتحدث عن ايام ديسمبر الباردة والمليئة بالثلوج، لذلك انا اتسائل، هل من شخصٍ سيبقى بخير رغم كل تلك العواصف؟
*الساعة السادسة والنصف صباحًا، قرية صغيرة
تسير بائعة الورد بثيابٍ رثّة ورداءٍ ممزق، لِباسها يتخلله الطين والتمزقات، وشعرها قصيرٌ قد غطى لونه الأسود حُبيبات الغُبار الصغيرة، بينما وجهها إتسخ بسبب سقوطها ارضًا في الغابة وهي تجمع الزهور.
لم تكن فتاةً من عالم الأحلام ولا تمتلك وشاحًا احمرًا طويلًا، او حتى سلّة خشبية جميلة، ولا عينينِ سعيدة فلم تبتسم يومًا ابتسامة مشرقة، فلا شيء يشعُ بها عدا تلك الأزهار الجميلة المشرقة، ذات الألوان الحسنة، الأبيض والأحمر والأصفر وأوراقهما الخضراء تزينهما كفستان حفلات.
استوطنت الطُرقات وتوسدت حافة الطريق في وسطِ القرية، تنادي وتصيح أمام العابرين بين زُحام المارة خلف الأسواق هناك من يشترون ويبيعون.
"هنا وردٌ جميل، إن أردت إهداء زوجتك أو اختك
هنا زهرٌ بديع ، ارجوك اشترِ مني لأجل إطعام إخوتي !"
كانت تردد هذه العبارة دومًا ودومًا حفظتها حقًا، لا شخص يشتري الزهور منها هي كبقعةٍ سوداء في صفحةٍ بيضاء، جميع من كانوا بالقرية يرتدون رداءً فاخرًا، بينما الاخيرة حتى الحذاء لاتستطيع انتعاله.
جلست يائسةً محطمة، فاقدة للأمل، بجانب الشجرة تراقب الآتي والراحل ودموعها تنفض الأوساخ عن وجهها البريء، اتى الشتاء ولم تجد قوتاً يُشبعها ويُطعم أخوتها الصغار، تسائلٌ يراودها لمَ الحياةُ تسري على منوالٍ قاسٍ ؟ وكيف ترعرعت بكوخٍ صغير مهترئ في غابة القرية؟ وبالنسبة للأشخاص من حولها، لِمَ لا يوجد من يعطف عليها ويعطيها مالًا ويشتري من زهورها التي تتعب يوميًا بتنسيقها؟
والكثير من التساؤلات التي تحُل برأسها حتى أعادها للواقع صوتٌ شاب في مقتبل العمر ينادي عليها وابتسامته مرسومةٌ على ثغره، نهضت من مجلسها فاعتدلت بوقفتها، سألها بتعجب: ما الذي تفعله طفلةٌ صغيرة مثلكِ هُنا؟
نظرت نحو عينيه وأجابت: أبيع الزهور البديعة والورود الجميلة لقلوبٍ رحيمة
وأردفت بخيبة أمل: لكن لا أحد يريد شرائها وانا أريد نقودًا كي ابتاع طعامًا لأخوتي..
ثم رفعت الزهور عاليًا في مستوى ناظريه، شاهد الزهور فوجدها على وشك الذبول، أخذ الزهور بأكملها وأعطاها نقودًا كثيرة قائلاً: عودي لمنزلكِ، الآن اصبحتِ تمتلكين نقودًا.
أشاحت عينيها تنظر لتلك القطع الذهبية اللامعة، غمرتها السعادة وابتهجت مبتسمةً مسرورة، فاتسعت عينيها بذهولٍ مما رأته، أنها المرة الأولى التي تمسك بها نقودًا، تحدثت للفتى بسعادة: شكرًا ياسيدي، أنا ممتنةٌ لك حقًا ! شاكرةً لكَ هذا حقًا !
ثم انحنت له وأسرعت تجري بناحية مخبز القرية.
كان يا ماكان
كانت الحياة !
في أحد أيام الشهر الأحرّ على الإطلاق، أغسطس، والذي يكثر فيه التوهمات بسبب إرتفاع درجة الحرارة، حدثت قصتنا هذه !
*الساعة الرابعة مابعد الظهيرة، في مشفى.
تتحدث الطبيبة مع الفتاة والتي تبدو في عقدها الثاني من العمر، علامات التوتر والقلق باديةٌ على محياها، هي تريد حماية أخاها الأكبر من كل مكروهٍ يصيبه، لكن الحياة تجري بما لا تشتهيه الأنفُس، فقد اصطدمت به سيارة مسرعة بالصدفة بينما كان يساعد امرأة مسنة في جمع الخضار من الأرض.
أليس جزاء الإحسان إلا الاحسان أيتها الحياة؟
تكلمت الطبيبة: يا آنسة أعقلكِ يستمع لي؟
نظرت لها: أوه اسفه، اعيدي ماقلتِه.. لم أكن أصغي.
عيناها محمرة بسبب البكاء وشعرها لم ترتبه كما يبدو، نهضت الطبيبة من كرسيها وسحبته بجانب كرسي الفتاة، جلست بجانبها وربتت على رأسها متحدثة: سيكون بخير، انا سأعتني به، سأرد له الجميل لا تقلقي !
أُجهشت الفتاة وسرعان ما اغروقت عيناها بالدموع لتهم بالنزول وتسيل على خديها المحمرين، عانقتها الطبيبة وهي تمسح على رأسها وتحاول تهدئتها بالكلام، هذه مهنة الأطباء، أن يعتنوا بمرضاهم نفسيًا قبل الجسد، لكنها ليست مريضتها، والأمر الذي جعلها تكون طبيبة هو انها تتمتع بروحٍ انسانية عالية بعد كل شيء.
المريض شابٌ في التاسعة والعشرون من العمر، لديه ارتطام بالرأس مما سبب نزيفًا داخليًا، من الجيد انه أُسعف مبكرًا وإلا ازداد هذا الورم سوءًا.
كان يا ماكان
كانت الحياة !
في يوم الكذبة العالمي، الأول من ابريل، فقد اشتهر بإطلاق الأكاذيب والأشاعات، ومن يصدقها يُطلق عليه لقب ضحية كذبة إبريل.
تتحدث القصة عن شخصٍ أطلق عليه هذا اللقب!
*الثانية ظهرًا، في خلف مبنى المدرسة.
-أنا أحبك..
دُهش بسعادة: أووه انا أيضًا أنا أيضًا احبكِ يا..
قاطعته بقولها: لقد كنت امزح، إنها كذبةُ إبريل !
ثم هربت وهي تطلق ضحكاتٍ صغيرة من فاهها، تاركةً ذلك الشخص الذي غطاه الحزن ولفته الكآبة، هو قد كان يحبها لمدة سنةٍ كاملة، وقرر مراراً أن يعترف لها بعد يومٍ أو يومين لكنه صُدم بقولها هذا.
بعد إنتهاء الفصول الدراسية، أصبح يسير خائب الأمل وفي قلبه حزنٌ عميق وعيناه تختزن دمعًا كثيرًا، وقف حتى يشتري مثلجات، فيبرد عن حزن قلبه وتتجمد دموعه، جلست بجانبه فتاة في العشرين من عمرها، الحديقة مليئة بالأشخاص والأطفال، والإبتسامات.
الجو جيد أشعة الشمس خفيفة وضحكات الأطفال ولعبة اختباء، نظر للفتاة فوجدها تحادث شخصًا عبر الهاتف بمكالمة ويبدو أنه قريبٌ لها وكأنها سعيدة بهذا الاتصال، بعد مرور وقتٍ ليس بالطويل نهضت الفتاة من كرسيها وخاطبته: من بعد إذنك يا فتى، نسيت أن أخبرك بأن تصفيفةُ شعرِك جيدة حقًا وأنك تمتلك لون عينين تمنيت أن امتلك مثلها، احظَ بيومٍ جيد !
ثم ابتسمت وذهبت وألتمعت عيناه الخضراوين وشعر بالسعادة من بعد حزنه في ذاك الموقف الذي افرط بالتفكير به، لذلك هو عاد للمنزل وكُله طاقة وسعادة ولم يأبه إطلاقًا لتلك الفتاة.
كان يا ماكان
كانت الحياة.
في شهر مايو، الأكثر هدوءًا بالنسبة إليها، الأكثر جمالًا، والشهر الذي أصبح محظوظًا لأنها وُلدت فيه.
احكي حكايتهم به.
*الساعة العاشرة ليلًا، المشفى.
- لقد مرت عشرةُ أشهرٍ على وجودك هنا بالمشفى ياسيدي، أستطيع القول الآن بأنك شُفيت تمامًا وتستطيع الخروج في الغد، أتمنى لك حياة سعيدة وأن تنتبه للطريق مستقبلًا.
نهضت اخته من كرسيها بسعادة غامرة وتحدثت: أشكرك، اشكرك أيتها الطبيبة حقًا اشكرك، لقد ساعدتينا لقد انقذتِ حياته وحياتي انا حقًا ممتنة لكِ!
إبتسمت الطبيبة وأعطتها بعض التعليمات حتى تتبعها وتتفادى أن يُفتح جرح أخيها مرةً أخرى.
وبعد هذا الأمر، خرجت الطبيبة لتترك الأخوين وتذهب نحو أخيها الذي ينتظرها بمكتبها وهو يتحدث لها عن ماحدث اثناء تلك الايام التي غاب بها وذهب للدراسة بمنطقة اخرى غير منطقة سكنهم هو واخته، وهي باتت تستمع له بإبتسامه وتنصت له وتبادله الأحاديث حتى وصل لتلك الحادثة التي رُسخت بعقله.
-ثم أخبرتني بأن تصفيفة شعري جميلة، هذه التصفيفة التي لطالما ضحك علي الطلاب بها، وأخبرتني بأن لون عيناي مميزة وأنها تمنت ان تمتلك مثل لون عينيّ الخضراوين أكاد أجزم بأن تلك الفتاة سقطت من السماء، ولا يعقل بأن كلتيهما من الجنس ذاته، وأن الفتاة الأحب لقلبي -وأشار بيده إليها- بأنها انثى ايضًا مثلهما.
ضحكت اخته بخفه بسبب ما قاله آخيرًا وقد توردت وجنتيها خجلًا وحبًا لأخيها الذي امتلك مساحةً كبيرة جدًا داخل قلبها.
أما في الغرفة البيضاء السابقة، تحتوي على طاولة وكرسيين خشبيين وستائر بلونٍ بني فاتح، وقفت الفتاة فاتحةً الخزانة تأخذ ملابس آخاها، بينما يجلس هو على الكرسي أمام النافذة يتطلع للسماء والقمر المنير، والنجوم المتلألأة تحدث متمتماً: إن الطبيبة تذكرني بشخصٍ التقيت به سابقًا
سمعت اخته ما قاله وللتأكد: ماذا قلت؟
ارتبك وتردد متراجعاً عن قوله: لاشيء، مُجرد أحاديث وهواجس نفسٍ فقط.
ثم ابتسم بنهاية كلامه.
كان يا ماكان
كانت الحياة !
في اليوم السادس عشر من مايو، لم نغيّر الشهر لأن القصة ستكتمل وستتبين معانٍ كثيرة
في هذا اليوم بالذات، تحدث صدفٌ كثيرة، دعوني أكمل القراءة يا رِفاق.
*لايوجد وقتٌ أو مكان، لكم حُرية التخيل.
خرج من الغرفة بصحبة أخته، ذاهبان لمكتب الطبيبة كي يلقوا التحية ويودعونها، فلقد كانت كالأم لهم على الرغم من صغرِ سنها.
طرقت الباب فأتبعها صوتٌ يسمح لهم بالدخول، هي تجلس على الكرسي مقابل الطاولة وتكتب شيئًا بينما أخاها يزين باقة الزهور التي اعتادت على جمعها منذ الطفولة، إلتفت برأسه للوراء عندما أحس بدخول أحدهم، بينما هي توقفت عن الكتابة، ووجهّت كامل تركيزها ونظرها لهما.
ابتسمت الفتاة باديةً الحديث: نودّ حقًا شكركِ يا آنسة، كنتِ لطيفةً معنا في تعاملكِ.
أكمل الأخ حديثها بنفس تعابير اخته: مدينٌ لكِ بكونكِ عالجتني، ممتنٌ حقًا لهذا الأمر.
وقفت الطبيبة بينما علامات الذهول ترتسم على ملامح الأصغر في الغرفة والذي هو يقف بجانب المزهرية متخذًا إياها كشكلٍ له من شدة الصدمة، إبتسمت لهما وتحدثت بهدوء: أنا أردُ معروفك يا سيد، في شهر ديسمبر في اليوم السادس عشر كهذا اليوم، أنت ساعدت فتاةً كانت تبيع الورد، وأنا قد أخذت لي عملًا في ذلك المخبز الذي دخلته، حتى استطعت دخول المدرسة والدراسة بجد لأصبح طبيبة، هكذا نكون قد اكملنا ديوننا، أنت لن تعيد لي شيئًا، بل كنت أنا المدينة لك، والآن سددت ديني، لقد ساعدتني أنا وإخوتي، صحيحٌ بأن الصغرى ماتت لكنني سعيدة لكوني أنا وهو أحياء.
بعد قولها لجملتها الأخيرة، أشارت لمن اتخذ المزهرية قدوةً له، ثم انفجر بقوله: أنتِ الفتاة التي جاءت من السماء، الملائكية، التي انتشلت كل الحزن مني آنذاك؟
حسنًا هو تكلم بسرعة وبصوتٍ مرتفع مما جعلهم لا يدركون ماقاله، ذهبت اخته له وضربته بخفة على رأسه متكلمة: لا ينبغي على الفتيه الأصغر سنًا أن يتحدثوا بهذه السرعة وبصوت مرتفع. اعتذر لأخته ثم عاود النظر مجددًا لأخت المريض فخاطبها بهدوء وبكلامٍ مرتب: إنتِ ذات الفتاة اعني ذات الملاك المُرسل من السماء والذي يبدو وكأنه خرج من مناحل العسل لشدة نقائه وصفائه، انتشل مني الحزن آنذاك، في اليوم الأول من شهر ابريل..
صمت بتوتر بسبب حديثه، لقد بالغ قليلًا بالوصف صحيح؟ حسنًا ما أكد أنه بالغ خجل تلك الفتاة وتورد وجنتاها وذهول أخاها وتعجب أخته، لا بأس بهذه الردود فكلامه كان حقًا غريبًا، لكنها كانت كالملاك حقًا حينما انتشلت حزنه منه.
وبعد هدوء الكل، أردف: اعتقد بكوني بالغت، لكن يبدو بأنك انتِ، أشكرك وبشدة على ذلك المعروف الذي صنعتيه لي.
ثم انحنى حتى اصبحت وجنتها كزهر الجوري وبصوتٍ خَجِل: حسنًا بالنظر للون عينيك وتصفيفةُ شعرك، انك تبدو ذلك الفتى المرتسم على ملامحه الحزن.. سعيدة بكونك سعيد وبكونك لست حزينًا.
كان يا ماكان
كانت الحياة.
في اليوم السابع عشر من ديسمبر وفي الساعة السابعة والأربعون دقيقة، وفي يوم الجمعة، وعندما كنت امتلك اختبار الحياة الإجتماعية والوطنية والفترة الثانية الحاسب الآلي، قمت بحكاية هذه الحكاية لكم.
أرجو ان تنال على إعجابكم وارجو مسامحتي ان كان بها تشوشاتٌ كثيرة 🖤
دمتم بودٍّ يارفاق🖤🐋

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 02, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

دوام الآوان -S.S-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن