في إحدى مراكز الثقافة وبالخصوص في روسيا، أيام ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الثقافة منتشرة في تلك الحظة فقد دخلت العديد من الكتب إلى روسيا بعد الحرب المستمرة ، وأخذ الناس يطلعون عليها، كثيراً، وفي ذلك المركز ألذي كان عِبارة عَن مَكتبة ضَخمة تَظم العديد مِن الكُتب التاريخية، والفلسفية، وعلم الأديان، وإلى ما هنالك. دَخل أحد الحُكماء ذات يومٍ عَلى تِلك المَكتبة كان ذلك الحَكيم ذا اللحية الشقراء، يمتلك نشاطاً جميلاً فقد كان دخوله بسرعة نَضراً إلى عمره البالغ 74 عاماً، دَخل فسلم على صاحِب المَكتبة، وبينما يدور حديثُ بينهما ينظر ذلك الحكيم الذي كان إسمهُ (غريك) إلى الطاولة وترتيب الكُتب ، فقد وَجدها مُرتبة حسب حجمها، فمثلاً كان الحَجم الكبير تحت والحجم الأصغر منه قليلاً فوقه، أما الحَجم الأصغر منهما يكون فوقهما وهكذا تستمر.. ، فقال ذلِك الحَكيم لصاحب المكتبة:
_أودُ في البحث عَن كِتاب لطالما أردته فهلا تسمح لي في البحث عنه في هذا المكان ، وانت بالتأكيد لديك أعمال كثيرة لترتيب باقي الكتب على الرفوف فدعني أرتب هذا المكان أيضاً مَعك.
أجاب صاحب المكتبة وكان إسمه( نيتف) :
_حَسناً يا سيدي لا بأس تَفضل
أخذ الحَكيم يُزيل الكُتب مِن على الطاولة ليُعيد ترتيبها مِن جَديد ، فرتبها بحسب ترتيبه هو ، وبعد نصف ساعة تقريباً عاد السيد نيتف إلى الطاولة نفسها فوجد الكتب مبعثرة بترتيبها، فمثلاً وَجد الكِتاب شُبه الصغير تحت جِداً والأكبر منه بكثير فوقه والأصغر من الكبير فوقهما والمتوسط فوقهم.
نٍظر السيد نيتف إلى الحكيم غريك فقال لَهُ:
_لِماذا يا تُرى بعثرت الكُتب هكذا؟ ، كُنتُ دائماً أرتبها حَسب حجمها!!.
_لكن يا سيد نيتف أن هذه ليست بعثرة لو سمحت فعِند التركيز ترى الفَن بحد ذاته هُنا
اطلق السيد نيتف ضحكة إستهزائية ونظر إلى غريك وقال:
_وأي فن هذا الذي تراه؟، أنا لا أرى إلا بعثرات تافهة.
_هذا صحيح فكُل منا لا يَرى إلا ما في داخِل عَقله، وأنت كذلك.
_هَل هذهِ إهانة أم ماذا ؟، لو سمحت يا سيد أرجوك عليك الخروج مِن هُنا فأنا لا أتحمل كلامك الإستهزائيُ هذا!!.
خَرج الحكيم غريك من المكتبة فوقف في الشارع قليلاً ، أمام تلك المكتبة، فمر رَجلُ مشهورُ داخلاً إلى تلك المكتبة فأخذ الحكيم غريك ينظر مِن النافذة بنصفِ عين إلى ما يحدث في الداخل.
فدخل ذلك الرجل فسلم على صاحب المكتبة ، ومِن ثم نَظر إلى ترتيب الكُتب ألذي رتبه الحكيم غريك، وقال لصاحب المكتبة :
_لا بُد بأنك قارئ عَظيم لترتب هكذا ترتيب للكُتب؟.
نَظر نيتف إليه بتعجب! وقال:
_ماذا تقصد؟ هَل تعني هذا الترتيب بالذات؟؟
_نعم هذا الترتيب العظيم لهذه المجموعة مِن الكُتب فلا يُرتب الكُتب هكذا إلا شَخصُ لَه خِبرة في القرائة.
_ولكن ماذا تقصد؟ هَل تعني بأن هذا الترتيب عَظيم؟؟ ومالعظمة فيه بالذات؟
_أن العظمة يا سيدي تَكمن في إعطاء كُل كِتاب قيمته .
سوف أصور لكم ما يقصده الرَجل ، يعني بأن الكتاب ذو الحكمة الكبيرة يَكمن في المرتبة الاولى فيوضع أولا، ومِن ثم ذو الحكمة الأقل ، يوضع ثانياً، وبعدها الاقل منهما حكمة ، وتستمر هكذا بغض النظر عَن الحجوم .
في أثناء حديثهما دَخل غريك قائلاً :
_كمثال على هذا( كَم مِن كَبيرِ عَقله فارغ بالي، وكَم مِن صَغير، يستحوذ عليه العلم والمعرفة) دُمتم على خَير أصدقائي.
.
.
النهاية.